الثلاثاء، 6 مايو 2014

أسباب دنو الهمة

1- المعاصي :
إن المعاصي أحد أسباب انحطاط الهمم، إذ كيف ينطلق الإنسان إلى المعالي
وهو مكبل بالشهوات، مثقل بالذنوب، منهك القوى بالمعاصي،
يقول ابن قيم الجوزية:
[ فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب،
والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة
التي ستسيره، فإذا زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعًا يبعد تداركه،
 فالله المستعان ]
 
2- الخوف والهم والحزن:
وهذه الثلاثة من الآفات التي توهن الهمة، وتضعف العزيمة،
وتدفع إلى الفتور؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا
ما يستعيذ بالله منها، فيقول:
 
( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل،
والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال )
فاستعاذ من ثمانية أشياء، كلُّ اثنين منها قرينان،
فالهم والحزن قرينان وهما من آلام الروح ومعذباتها،
والفرق بينهما أن الهم توقع الشر في المستقبل،
والحزن التألم على حصول المكروه في الماضي أو فوات المحبوب،
وكلاهما تألم وعذاب يرد على الروح فإن تعلق بالماضي سمي حزنًا،
وإن تعلق بالمستقبل سمي همًّا .
 
3- الغفلة :
الغفلة من أسباب ضعف الهمة، فكيف يرتقي الإنسان معالي الأمور،
وهو في غفلة عن مصالحه وأسباب سعادته، والغفلة والجهل قرينان،
فـشجرة الغفلة تُسْقَى بماء الجهل الذي هو عدو الفضائل كلِّها.
 
هل علمتم أمـــــــــة في جهلها
ظهرت في المجد حسناءَ الرداء؟
 
قال عمر رضي الله عنه:
[ الراحة للرجال غفلة ]
 
وقال شعبة بن الحجاج:
[ لا تقعدوا فراغًا فإنَّ الموت يطلبكم ]
 
وسئل ابن الجوزي:
 [ أيجوز أن أفسح لنفسي في مُباح الملاهي؟
فقال: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها ]
 
4- إهدار الوقت:
فالوقت هو رأس مال الإنسان، فإذا أهدره فهو في الحقيقة يضيع عمره،
فيبوء بالخسران، وما أفدحها من خسارة،
فينبغي تجنب إهدار الوقت الثمين في الزيارات والسمر وفضول المباحات:
قال - صلى الله عليه وسلم:
 
( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ )
 
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه
وأراه أسهلَ ما عليك يضـــــيع
 
ويقول الفضيل بن عياض:
[ أعرف من يَعُدُّ كلامه من الجمعة إلى الجمعة ]
ودخلوا على رجل من السلف،
 فقالوا: لعلنا شغلناك؟،
 قال: أصدقكم، كنت أقرأ فتركتُ القراءة لأجلكم.
وجاء عابدٌ إلى السَّرِيِّ السَّقَطي، فرأى عنده جماعة،
فقال: صِرتَ مُناخَ البطالين ! ثم مضى ولم يجلس.
وقعد جماعة عند معروف الكرخي، فأطالوا،
فقال: إن مَلَك الشمس لا يفتر عن سوقها، فمتى تريدون القيام؟
  
5- الوهن:
وهو كما فسره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
 
( حب الدنيا، وكراهية الموت )
 أمَّا حب الدنيا: فرأس كلِّ خطيئة كما في الحكمة المشهورة،
وهو أصل التثاقل إلى الأرض، وسبب الاستئسار للشهوات،
والانغماس في الترف، والتنافس على دار الغرور التي:
 
تفانى الرجال على حبِّها
وما يحصلون على طائل
يقول -أي ابن الجوزي- واعلم أنَّ زمان الابتلاء ضيف قِراهُ الصبر،
 كما قال أحمد بن حنبل: إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس،
وإنها أيام قلائل، فلا تنظر إلى لذة المترفين، وتَلَمَّحْ عواقبهم،
 ولا تضق صدرًا بضيق المعاش، وعلل الناقة بالحدْو تسِرْ:
 
طاوِلْ بها الليلَ مالَ النجمُ أم جَنــــــحَا
وماطِلِ النومَ ضَنَّ الجَفْنُ أمْ سَمَـــــــحا
فإن تَشَكَّتْ فَعَلِّلْها المـــــــــــجَرَّةَ مِن
ضوءِ الصباحِ وعِدْها بالرواحِ ضحَى
... وأما كراهية الموت فثمرة حب الدنيا والحرص على متاعها
مع تخريب الآخرة، فيكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب،
قال الطغرائي مبينا أثر حب السلامة في الانحطاط بالهمة:
 
حبُّ السلامة يثني عزم صـــاحبه
عن المعالي ويغري المرء بالكسل
 
6- التسويف والتمني:
 وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة، الذي كلما همت نفسه بخير،
 إما يعيقها بـسوف حتى يفجأه الموت،
 
{ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ }
وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له،
 يُدمن ركوبه مفاليس العالم، كما قيل:
إذا تمنيت بتُّ الليلَ مغتبطًـــــا
إن المنى رأسُ أموال المفاليس
 
7- مجالسة البطالين والمثبطين:
مجالس البطالين والقاعدين توهن العزائم وتضعف الهمم بما يعلق في القلب
من أقوالهم من الشبه، وما يحصل بمجالستهم من ضياع للوقت،
وإشغال بتوافه الأمور.. وكلما أردت العمل ثبطك
إياك إياك ومجالسة البطالين فإن طبعك يسرق منهم، وأنت لا تدري،
وليس إعداء الجليس جليسة بمقاله وفعاله فقط، بل بالنظر إليه،
والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقًا مناسبة لخلق المنظور إليه،
 فإن مَن دامت رؤيته للمسرور سرَّ، أو للمحزون حزن...
ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة
فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها؟ .

8- المناهج التربوية والتعليمية الهدامة:
هذه المناهج التي تثبط الهمم وتخنق المواهب، وتكبت الطاقات وتخرب العقول،
وتنشئ الخنوع وتزرع في الأجيال ازدراء النفس،
وتعمق فيه احتقار الذات والشعور بالدونية .
 
9- توالي الضربات وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام:
 وينتج عنه الشعور بالإحباط في نفوس الذين لا يفقهون حقيقة البلاء،
وسنن الله عز وجل في خلقه، كما ينتج عنه استطالة الطريق
 فيضعف السير إلى الله عز وجل.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يعزي أصحابه المضطهدين في مكة
بتبشيرهم بأن المستقبل للإسلام، وبأن العاقبة للمتقين .
فلا ينبغي أن يستولي اليأس والتشاؤم على الدعاة،
 فعندما يرى بعضهم تفوق الأعداء، وتفرق الأصدقاء، والتضييق على الدعاة،
وتشريدهم، والزج بهم في السجون، ونحوها من الابتلاءات،
ييأسوا ويتشاءموا ويدب الوهن إلى قلوبهم؛ فتضعف هممهم،
ويقعدوا عن العمل، ويفقدوا الأمل.. على الرغم من انتصارات الدعوة
والبشائر التي تبدو في الأفق؛ ولكن يأبى بعضهم إلا النظرة المتشائمة .
إن علو الهمة يحتاج إلى جهد ومجاهدة وصبر ومصابرة،
وتلمس الأسباب التي توصل إليه، وسلوك الطرق التي تؤدي إليه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق