الثلاثاء، 14 فبراير 2012

محمد بن محمود بن سليم البزم


بسم الله الرحمن الرحيم
محمد بن محمود بن سليم البزم
(1306 - 1375هـ/1887 - 1955م)
محمد بن محمود بن سليم البزم، شاعر وأديب ونحوي ومعلم، دمشقي الولادة والوفاة، عراقي الأصل وقد عبر عن ذلك بقوله:
جلّق منبت جسمي وعلى
دجلةٍ محتد قومي الغابرين
ولد لأسرة شعبية متواضعة في حي الشاغور أحد أحياء دمشق القديمة، كان والده يحترف التجارة من نوع «مانيفاتورة» وعندما قاربت سنه العشرين لم يكن يعلم من القراءة إلا بعض سور من القرآن ونزراً من الآي التي يكثر جريها على الألسنة مما تلقنه في الكُتّاب، كان البزم منصرفاً إلى عبث الشباب، واتفق أن اصطحبه عمه في إحدى سفراته التجارية إلى بيروت وأهداه في طريق العودة كتاب «المستطرف في كل فن مستظرف» للأبشيهي، فأكب على مطالعته مع أنه لم يكن يفقه منه إلا القليل، ثم أتيح له أن يتردد مع صديقه الشاعر خير الدين الزركلي[ر] على المكتبة الظاهرية فأخذ يطالع بعض ما فيها من كتب الأدب والتاريخ والاجتماع والفنون، ثم أقبل على حلقات العلماء من شيوخ دمشق ومنهم: عبد القادر بدران، وجمال الدين القاسمي، وصالح التونسي، وتلقى عنهم بعض المتون وحفظ الكثير من شعر كبار الشعراء، ثم انصرف إلى المطالعة، وكان يقبل على القراءة بذهن متفتح ونفس مشرقة، ويكثر من مطالعة القرآن الكريم ويغوص في تفاسيره، وأحب اللغة العربية، واستهواه نثرها وشعرها. ولما عرف بإقباله على المعرفة وتعمقه في فنون العربية، انتدبه الشيخ كامل القصار مدرساً للعربية في مدرسة العثمانية، ولم يزل كذلك حتى نشوب الحرب العالمية الأولى فالتحق بالجندية وعمل كاتباً في إحدى المصحات، وفي سنة 1924م عمل في خدمة الدولة وعين أستاذاً للعربية فدرَّس في مكتب عنبر وثانوية التجهيز الأولى ودار المعلمين العليا. وفي سنة 1942 انتخب عضواً عاملاً في المجمع العلمي في دمشق، وعُهد إليه النظر في النواحي اللغوية التي تعرض على المجمع. وفي سنة 1953 أُحيل على التقاعد.
كان البزم كثير الاعتداد بنفسه، سريع الانفعال، ولم يكن البزم يحب مخالطة الناس والإكثار من الأصحاب، فآثر العزلة والعيش في محيط ضيق، ومع تعصبه الشديد لعروبته ولقضاياها فإنه لم يعمل في السياسة ولم ينتسب إلى حزب. عشق الفصحى ولم يسمعه أحد يتحدث إلاّ بها سواء بين الخاصة أو العامة، وكان ذا ولع بالنحو وبقراءة كتبه ونقدها والتعليق عليها، وكان له رأي في أسباب صعوبة النحو مستمد من تعصبه للعربية، إذ كان يرى أن المشتغلين بالنحو، ومعظمهم من الأعاجم، عمدوا إلى تصعيب النحو تعجيزاً للناس عن تعلمه بدافع من شعوبيتهم، وكان يتعصب لابن منظور مؤلف معجم لسان العرب، ويتهم «الفيروز آبادي» مؤلف القاموس المحيط بالشعوبية.

ولم يستطع البزم طوال عمله في التـدريس أن يتخلى عن صفتين غلبتا عليه: كونه نحوياً وكونه شاعراً، فكان لا يغفل شاهداً يساعده على إظهار تعمقه في النحو إلا حرص على إيراده وطلب من طلابه تسجيله لديهم، كما أنه لم يكن يدع مناسبةً للاستشهاد بشعر من يقدرهم من الشعراء القدامى أو بشعره إلا أملى ذلك على طلابه.
ويعد البزم شاعراً كبيراً من شعراء النهضة والمدرسة التقليدية الحديثة في سورية، كان مقلداً فصيحاً طويل النفس، يتصف شعره بالجزالة والصلابة والتعقيد اللغوي، وكان يتصيد الغريب ويؤثر الكلمات الفخمة النادرة على الكلمات الشائعة السهلة، وكان يتعمد الصنعة والإغراق في طلب الفحولة والتزام ما لا يلزم في الشعر. وقد رأى بعض نقاده أنه لا يمثل عصره لتمسكه بالطابع التقليدي للشعر في صوره ومعانيه وتراكيبه. فرد عليهم بقوله:
يعيبون مني لهجةً يعربيةً
ونهجة صدق أعوزت من يرودها
ولو عن هدى قالوا لأَسمعَ قولُهم
ولكنها الأحشاء ثارت حقودها
كان البزم متأثراً بالمتنبي ويظهر تأثره به في اعتداده بنفسه واستعلائه على الآخرين واستصغارهم، وكان يراه مثله الأعلى، قلَّده في شعره القومي وحِكَمِه وفخره المشوب بفلسفة القوة فقال:
ولو شئت سيرت القوافي جحافلاً
وأوقرتُ أَسماعاً وكان لي الفوز
وكان متأثراً بأبي العلاء المعري في نظرته التشاؤمية إلى الحياة وإساءة الظن بالناس والدنيا وفي ذلك يقول:
فإنني شاعر ساق الزمان له
من الكوارث ماشابت له الِلمم
وقلد المعري في بعض شعره في اللزوميات.
كذلك كان يتعمد الإطالة في بعض قصائده إظهاراً لمقدرته كقصيدته عن أبي العلاء المعري التي كلفه المجمع العربي بدمشق إلقاءها في مهرجان أبي العلاء فزادت أبياتها على المئة والستين بيتاً.
يعد البزم شاعر الإباء والتمرد العنيد والتعالي. وكان مزاجه يشبه في بعض جوانبه ابن الرومي مما جعله من أمض شعراء النقد والهجاء والتهكم في عصره. وفي شعره كثير من الغمز على خصومه، وقد تعرض لذلك أيضاً كثير من معارفه ورفاقه.
وإلى هذا فإن له قصائد قومية فيها افتخار بالعروبة التي كان يحلو له تسميتها بالعرباء أو اليعربية أحياناً، وفيها دعوة للاعتزاز بها والحض على إعلاء شأنها.
وفي ديوانه موضوعات أخرى متعددة كالنسيب والحكمة والإخوانيات والتأملات الاجتماعية والوصف، وله معان طريفة كما في الشطرنج والشتاء.
للبزم الكثير من المؤلفات التي لم يتح له أن ينشرها في حياته، وقد نُشر جزءٌ منها في الصحف والمجلات أو في مجموعات خطية أملاها على طلابه. وله أبحاث في العربية أهمها:
كتاب «اللحن»، وقد تتبع فيه اللحن في كلام العرب ودرس أسبابه، وكتاب «النحو الواقع» مخطوط، وكتاب «الجحيم»، وحاول فيه إقامة الدليل على أن اللغة سهلة جميلة في عامة فنونها، وأراد محاسبة من أساؤوا إليها، و«الجواب المسكت»، مخطوط وهو مجموعة كبيرة لكل جواب مسكت قالته العرب، و«كلمات في شعراء دمشق»، نُشر في جريدة الميزان الدمشقية، و«ديوان البزم» في جزأين كبيرين طبع بعد وفاته.
عاش البزم حتى قارب السبعين عاماً، وقد تعاورته الأوجاع والأمراض في آخر حياته، وفقد البصر، وافتقد الأهل والصحب وجَفَاهُ الناس. ثم عطف عليه أولو الأمر ونقل إلى المستشفى العسكري حيث ظل ثلاث سنوات مريضاً مكفوفاً إلى أن وافته المنية. ولم يشيعه إلا القليل من الصحب والطلاب، ودفن في مقبرة «باب الصغير» بدمشق.

محمد بن عمر بن سليمان التونسي


بسم الله الرحمن الرحيم
التونسي (محمد بن عمر ـ)

(1204ـ1274هـ/1789ـ1857م)



محمد بن عمر بن سليمان التونسي، كاتب عربي وعالم لغوي، ولد في تونس ثم رحل مع أسرته إلى القاهرة حيث انتخب والده نقيباً لرواق المغاربة في الأزهر ودرّس فيه. وفي عام 1211هـ/1796م رحل أبوه إلى السودان تلبية لدعوة من أخيه غير الشقيق محمد رزّوق، وذلك بعد موت أبيه سليمان الذي كان ترك أسرته في تونس واستقر في سنار في السودان.
ويبدو أن عمر لقي إكراماً في السودان فلم يعد بعد ذلك إلى أسرته في القاهرة، وكان محمد طفلاً في السابعة فجاور في الأزهر ثم استطاع أن يختم القرآن، وعندما نضب معينه من المال شد الرحال إلى السودان عام 1218هـ لينضم إلى أبيه، وكان أبوه قد وفق في السودان وعلا نجمه وتزوج وأنجب مرة ثانية.
وفي دارفور رحّب الحاكم بمحمد وسمح لأبيه بالذهاب لرؤية أسرته، فترك الأب أملاكه في يد ابنه محمد وذهب إلى أواداي (Ouaday) جنوبي الخرطوم فقد كان يصبو لمنصب رفيع في حاشية سلطانها، وبعث يستدعي ابنه محمداً، فلم يأت فترك أبوه البلد بسبب الحرب الناشبة بين دارفور وأواداي ورحل إلى تونس.
وأقام محمد في دارفور سبع سنوات، عرف في أثنائها البلاد وأهلها معرفة تامّة، واستطاع أن يكون سفير حاكمها لدى حاكم سابون في أواداي، ثم انتقل إليه بعد أن لقي ترحيباً منه، ولكن الحاكم ما لبث أن جفاه إثر وشاية نميت إليه، فغادر محمد أواداي وكان قد لبث فيها ثمانية عشر شهراً، ولحق بقافلة إلى فزّان ثم تابع رحلته إلى طرابلس حتى وصل إلى تونس نحو عام 1228هـ/1813م، ولكنه لم يقم فيها طويلاً إذ عاد إلى القاهرة، والتحق بحملة إبراهيم باشا إلى المورة جنوبي اليونان واعظاً لفرقة مشاةٍ فيها.
ولما عاد إلى القاهرة اشتغل في تنقيح الكتب الطبيّة المترجمة إلى العربية ولاسيما المتصلة منها بعلم الأقراباذين (وهو علم دساتير الأدوية وتراكيبها) التي تدرّس في كلية الطب البيطري التي أنشأها محمد علي في أبي زعبل، وكانت مقدرته سبباً في تعيينه كبيراً للمراجعين، وكانت ترجمت في أيامه كتب كثيرة في الكيمياء والنبات والطب البشري والبيطري، فكان ينقّح لغتها ويأتي لمصطلحاتها بألفاظ مناسبة فصيحة.
وكان إلى هذا عكف على طبع كتب التراث بعد تصحيحها مثل «مقامات الحريري» و«المستطرف في كل فن مستظرف» للأبشيهي، كما انتخب للإشراف على طبع نسخة من «القاموس المحيط» للفيروز آبادي فنقّح نسخة كلكتة المطبوعة عام 1230-1817 بعد مراجعتها على سبع نسخ مخطوطة أو ثمان من هذا القاموس. كما ألّف كتاب «الدر اللامع في النبات وما فيه من الخواص والمنافع» وكتاب «الشذور الذهبية في الألفاظ الطبيّة».
وفي أواخر حياته درّس الحديث بمسجد السيدة زينب. أما مشاهداته في البلاد التي أقام فيها في السودان فقد سجلّها في مجلدين كبيرين، نقلهما بيرون، كبير الأطباء في المستشفى الذي أقامه محمد علي، إلى الفرنسية. ونشر منهما بالنص العربي الرحلة إلى دارفور بعنوان «تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان». أمَّا الكتاب الثاني فقد ضاعت نسخته العربية، وقد نشر بالفرنسية بعنوان «الرحلة إلى أواداي» Voyage au Ouaday. ويتمِّم الكتابان أحدهما الآخر في الحديث عن السودان، وفيهما معلومات وافية عن بعض النواحي في بلاد السودان، مع ما أخذ على الكتاب الأول من الاستطراد والافتقار إلى الترتيب وعدم تتبع منهج مألوف للتأليف، ونقل الأخبار المتعلقة بالسحر وكأنها معلومات مسلّم بها، وعدم ذكر أمور صحيحة دقيقة عن الأحوال الجغرافية والطبوغرافية والإحصائية، فإن الكتاب مصدر هام يبين الأحوال الاجتماعية والثقافية والسياسية لبلاد السودان في المدة التي سكن فيها التونسي، كما أن في الكتاب ترجمة وافية لسيرة الكاتب كتبها عن أحواله وأحوال أسرته.

الببّغاء


بسم الله الرحمن الرحيم

(313 ـ 398 هـ / 925 ـ 1008م)


أبو الفرج عبد الواحد بن نصر بن محمد المخزومي، شاعر وكاتب مترّسل وأديب من الظرفاء عرف بالببَّغاء. قيل: لُقب بالببّغاء للثغة في لسانه.


ذكر السمعاني والخطيب البغدادي أنه من أهل بغداد، ولكن أكثر من تحدثوا عنه نسبوه إلى بلدة نَصيبين في الجزيرة الفراتية. اتصل بسيف الدولة الحمداني في شبابه وأقام في حمايته، فلما مات تنقلت به الأحوال، ونادم في الموصل وبغداد الملوك والرؤساء وقضى حياته بين النجاح مرة والإخفاق أخرى.


مدح أبو الفرج عدداً كبيراً من مشاهير عصره كالسَّلامي الشاعر وأبي إسحاق الصابئ الكاتب المترّسل، وخصّ سيف الدولة بأجود مدائحه وألطفها وأعذبها وبأجود رسائله النثرية. وقد أعجب معاصروه ومن بعدهم بشعره وأدبه، فبالغ الثعالبي في «اليتيمة» في الثناء عليه، وذكر جملة من رسائله ونظمه وما دار بينه وبين أبي إسحاق الصابئ من ظرف المكاتبات ومُلَح المجادلات كما أتى على ذكر غرر من رسائله الموصولة بمحاسن شعره.


واختار التنوخي في «نشوار المحاضرة» من شعره ما يصلح للمكاتبة في الحوادث والأمثال أو معنى لم يسبق إليه، وأثنى على حسن نظمه وبلاغته وعذوبة كلامه.


وأورد القلقشندي في «صبح الأعشى» عدداً من بدائع رسائله الإخوانية التي خصّها بالتهاني والتعازي أو الاستهداء والشكر وغير ذلك من الأغراض.


ومن طريف ما ذكره في هذا المجال رسالة في التهنئة بالمرض، ورسالة في التهنئة بالصرف عن الولاية، ورسالة في استهداء دواة ومداد، ورسالة تهنئة لمن تزوجت أمه. في هذه الرسائل أبرز الببغاء كثيراً من الجوانب في مجتمعه كما أبرز جوانب كثيرة من حياته وما فيها من موّدات ومجاملات.


أما أسلوب الببغاء فيمثل عصره من الوجهة الفنية كما يمثل ميول الكاتب الذوقية والوجدانية. وتمتاز رسائله برصانة الأسلوب وجودة الصياغة والقدرة على انتقاء الألفاظ لما يناسبها من معنى، وقد يتفق للببغاء أن يكرر العبارات والألفاظ حين يعاود الكتابة في موضوع واحد، وهو يوشحها بالأشعار على عادة بعض كتاب عصره.


ويبدو نثر الببغاء عامة أفضل من رسائله التي دبج بها قصصه الغرامية، إذ تبدو لغته في قصصه سهلة، سلسة، لا يظهر فيها تصنعاً، ولا يستعمل السجع إلا حيث يقضي السياق بالتأنق والتنميق. والسجع عنده حلية فنية يلجأ إليها حين يريد تصوير سمة من سمات الجمال أو نزعة من نزعات الوجدان.


يتسم شعره بالرقة والعذوبة، وجُلّه مقول في المديح والغزل ووصف الخمرة والطبيعة ومنه قوله:


يا مَن تشابه منه الخَلقُ والخُلُقُ


فما تُسافر إلاّ نحــوه الحَـدَقُ


توريدُ دمعي من خدّيك مختلس


وسقم جسمي من جفنيك مستَرَقُ


لم يبق لي رمق أشكو هواك به


وإنما يتشــكّى من بـه رَمَـقُ


مات في بغداد بعد أن تطاول به الأمد، وأخذت الأيام من جسمه وقوته ولم تأخذ من ظرفه وأدبه.

الموسوعة العربية

خنساء العرب الجديدة


بسم الله الرحمن الرحيم

الاســم : روضة الحاج محمدعثمان

تاريخ الميلاد : 1969م بولاية كسلا وهى احدى الولايات التى تقع فى شرق السودان .
المؤهل العلمى : تخرجت فى كلية الآداب قسم اللغة العربية - جامعة النيلين .
حاصلة على الماجستير فى الأدب والنقد من جامعة أم درمان الإسلامية .
المهنة : إعلامية تعمل بالهيئة العامة للاذاعة القومية السودانية وشاعرة مبدعة لها برنامج افلاك وبرنامج منازل القمر بالاذاعة السودانية وبرنامج سحر القوافى بالفضائية السودانية .
مجموعة الدواوين :
عش القصيدة عام 2000م
لك إذا جاءالمطر.
للحلم جناح واحد .
المشاركات الأدبية :
شاركت فى العديد من المحافل المحلية والعربية وحصلت على عدد من الجوائز لحصولها على المركز الأول فى منافسات أندية الفتيات بالشارقة فى العام 2002م مهرجان الابداع السنوى ومسابقةالأدب المقاتل وحصلت على المركز الرابع فى مسابقة أمير الشعراء على قناة أبوظبى .
من أشعارها :




عش للقصيد :



كم قلتلك


إنى اخاف عليك من درب طويل

كم قلتلك
عنت مسافات الطريق وزادنا دوماً قليل
كم قلت لك
إنى أحاذر أن نحار إذامضينا
ثم لانجد الدليل
ومضيت رغمى يافؤادى لم تعد
وهتفت استرجيك عد
وهماً ظننت الماء ذياك السراب
ومضيت تصرخ فىً
مابيدى اسافر فى اليباب
وأنا وراءك فى القفار أهيم والأرض الخراب
قد كنت أخشى يافؤادى عليك من طول السفر
قد كنت أخشى الليل حولك
والبروق وعاصفات الريح تزأر والمطر
قدكنت أخشى أن اقول لك إرعو
فيجيب منك الدمع كالمعتاد
مابيدى ولكن ذاالقدر
وضللت قلبى فى الطريق
نصًبته فى الحالكات سنا بريق
فرحاً تغني للحياة مع المساء
ومصبحاً تشدو كما الطير الطليق
عش للمساء وللنسائم والسحر
عش للعشًيات المبللًة الثياب من المطر
عش للقصيد يزور بيتك رائعاً
مثل القمر
ودع الترحل فى دروب الشوق
درب الشوق ياقلبى وعر .

البعيث


بسم الله الرحمن الرحيم

خداش بن بشر



(ق1 ـ 2هـ)





أبو مالك، خِداش بن بِشر المُجاشعيّ التميميّ، خطيب من فحول الشعراء في العصر الأموي، سنة ولادته وسنة وفاته مجهولتان. أمه أصبهانية تدعى وردة، لُقّب بالبُعيث لقوله:



تبعّث منّي ما تبعّث بعدما



أُمِرّت قِواي واستمرّ عَزيمي



يريد أنه قال الشعر بعدما تقدمت به السنّ وحنّكته التجارب. على أن البعيث لم يكن منفرداً بهذا اللقب، فقد عُرف به طائفة من الشعراء منهم البعيث التغلبيّ والبُعيث الحنفي.



اشتهر البعيث المجاشعي بالخطابة والشعر، وكان يقال: «أخطب بني تميم البعيث إذا أخذ القناة» (أي تخصَر بالعصا). وقد عُرف بعدم إقدامه على الخطابة إلاّ بعد أن يهيّئ الخطبة وينقحّها، فرُوي عنه قوله: «إني واللهِ ـ ما أُرسل الكلام قضِيباً خَشِيباً (أي غير محكَم)، وما أُريد أن أخطب يومَ الحَفْل إلا بالبائت المحكَّك». وشهرته في الخطابة تفوق شهرته في الشعر ولذلك قالوا فيه: «لئِن كان مُغَلَّباً في الشعر لقد كان غُلِب (أي غلب خصمه) في الخُطب».



ليس هناك من أخبار البعيث مافيه غَناء، ولم يصل شيء من خطبه وإنما وصل بعض شعره، إذ كان أحد من هاجوا جريراً من الشعراء، وكلاهما من قبيلة تميم، إلا أن البعيث من بني مجاشع وجرير من بني كليب بن يربوع، فحينما وقع التهاجي بين جرير وغسّان السّليطي اليربوعي دخل البعيث بينهما، وكانت بينه وبين بني سَليط صلة رحم، فانتصر لغسّان وفضّل رهطه على رهط جرير، وقال شعراً يعرّض فيه بجرير وقومه، فلما بلغت مقالته جريراً غضب وسارع إلى هجائه بأبيات تهدّده فيها وعيّره بأمّه الأصبهانية، فلمّا بلغت الأبيات البعيث نقضها بأبيات على وزنها وقافيتها فخر فيها بقومه بني مجاشع وبوقائعهم في الجاهلية والإسلام. واستطار الهجاء بينهما، وكان في هذا الهجاء إفحاش في اللفظ وهتك للعورات، وقد قال البعيث في هجاء جرير شعراً مقذعاً من نحو قوله:



ألستَ كُليبيّاً إذا سِيم خَطّةً



أقرّ كإقرار الحليلة للبَعْلِ



وكلُّ كُلَيبيّ صحيفةُ وجهه



أذلُّ لأقدام الرِّجال من النَّعلِ



ولكنَّ جريراً كان أطول باعاً منه في الهجاء وسرعان ما ظهر تفوقه عليه.



وقد أثار هجاء جرير البعيث وقومه سخط الفرزدق ـ وهو من مجاشع ـ واستطاعت نساء مجاشع إثارة حفيظته على جرير لما قاله فيهنّ من فاحش الهجاء، فراح يهجو جريراً ويهجو معه البعيث لأنه عرّض قومه لهجاء جرير، وهو ليس نِدّاً له، ولم يرض البعيث عن دخول الفرزدق بينه وبين جرير. فقال له:



أشاركتني في ثعلب قد أكلتُه



فلم يبقَ إلاّ رأسُه وأكارعُه



وردّ جرير على هجاء الفرزدق بقصيدة يهجوه فيها ويهجو البعيث، وحينئذ قال البعيث نقيضة يهجو فيها جريراً والفرزدق معاً، وكانت حصيلة هذه المناقضة الثلاثية سقوط البعيث بين فحلي تميم، ومالبث أن كفّ عن مهاجاة جرير، وترك هذه المهمة لشاعر قومه الفرزدق.



كان البعيث من فحول شعراء العصر الأموي وإن لم يكن ندّاً لجرير والفرزدق، وقد وصفه ابن سلاّم بقوله: «كان البعيث شاعراً فاخر الكلام، حُرَّ اللفظ»، وجعله في الطبقة الثانية من شعراء الإسلام، على أنه لم يصل من شعره إلا القليل، وجُلّه في الهجاء وأعقب أولاداً منهم مالك وبكر.



الموسوعة العربية

البُسْتي


بسم الله الرحمن الرحيم
نحو (330ـ400هـ/941ـ1009م)

أبو الفتح علي بن محمد بن الحسين بن يوسف البُسْتي. اختلف في اسم أبيه؛ فقيل: أحمد؛ وفي اسم جَدّه؛ فقيل: الحسن. وهو من شعراء العصر العباسي المجيدين ومن الكتّاب المبرزين.

ويذكر البستي في شعره أنه ينتسب إلى الأرومة القرشية، ولم يذكر هذا غيره، فهو كما يقول من بني أمية؛ من فرع عبْد شمس:



أنا العبدُ ترفعُني نِسْبتي

إلى عَبْد شَمْسٍ قريعِ الزَّمانِ

وعَمِّي شَمْس العُلا هاشِمٌ

وخالي من رَهْط عبد المَدانِ




وقد ولد بقرية (بُسْت) وإليها نُسب، وهي بين سِجِسْتان وغَزْنة؛ وتقع اليوم في أفغانستان إلى الجنوب الغربي من مدينة قُنْدُهار.

وفي بُسْت تتلمذ أبو الفتح في شبابه على يد علاَّمة عصره المؤرخ واللغوي والمحدِّث والفقيه أبي حاتم محمد بن حِبَّان الذي رجع من نَيْسابور إلى بست سنة 340هـ وأنشأ فيها مجلس علم حتى وفاته سنة 354هـ، وكان أبو الفتح في الوقت نفسه مُؤَدِّباً ومن ثم كاتباً لأميرها (باي توز)، وهو عند ابن الأثير (باي تور)، الذي غزاه سُبُكتكين سنة 366هـ/976م فأَزال إمارته عنها بعد حرب شديدة. أدنى سبكتكين أبا الفتح من مجلسه لعلمه وفضله ومروءته وإتقانه لصنعة الكتابة؛ ثم طلب أبو الفتح إلى سبكتكين أن ينزله (الرُّخَّج) حاكماً لها؛ ليبتعد عن حساده؛ فأقره على طلبه، وظل يكتب له فتوحاته وشؤون ملكه حتى وفاة سبكتكين سنة 387هـ.

ولم يلبث يمين الدولة محمود الغزنوي بن سبكتكين أن استخلص السلطة من أخيه إسماعيل سنة 389هـ مستعيناً بأخيه نصر والي بُسْت؛ ثم وَطَّد سلطانه في خراسان ونيسابور وبخارى؛ واستقل بملكه منفرداً؛ وخطب للخليفة القادر بالله (381-422هـ/991-1031م)، وأعلن نفسه سلطاناً، واتخذ غَزْنَة مركزاً لدولته حتى وفاته سنة 421هـ/1030م.

وكان محمود الغزنوي لا يسمع بشاعر أو عالم أو أديب أو فيلسوف أو طبيب إلا استقدمه وكَرّمه؛ فحوى مجلسه علماء مبرزين وكتاباً وشعراء؛ كان أبو الفتح واحداً منهم. وقد حظي عنده بمنزلة رفيعة؛ وكان يكتب إليه وله؛ ويمدحه في شعره، ولكن النعيم لم يدم له؛ فلأمر ما نبذه السلطان عنه؛ فأخرجه إلى ديار التُّرك فيما وراء النهر، فمات غريباً وحيداً في بلدة يقال لها (أُوْزكَنْد) وفي العربية (أُوزجَنْد) من نواحي بُخارى، واختلفت الروايات في سنة وفاته. وليس بصحيح أنه مات في دمشق.

والبستي كاتب وشاعر وحكيم وعالم بالأدب واللغة والأخبار، وقد طبقت شُهْرته الآفاق، وسار ذِكْره في البلاد، وعُرف بالطريقة الأَنيقة في التجنيس الأَنيْس والبديع التأسيس في شعره ونثره، وكان يسميه هو (المتشابه). فقد أُولع بطريقة خاصة في اللفظ لا ينكرها عليه أحد، وهي تقوم على التصنيع والزركشة والزينة والسجع والتجنيس البديع والمثير، ولو على حساب المعنى، حتى صار علماً لها.

ومن ألفاظه وأمثاله في هذا الشأن قوله: مَنْ أصلح فاسده أَرغم حاسده، مَنْ أطاع غضبَه أضاع أَدَبَه، من سعادة جَدِّك وقوفك عند حَدِّك، الخيبة تهتك الهَيْبة.

ومن شعره الذي أُعجب به النقاد، وجاء به بمعنىً مخترع لم يُسبق إليه ما ورد في قوله للسلطان محمود الغزنوي حين تغيّر عليه:

إِني جَنيتُ ولم يَزل أَهْلُ النُّهى

يَهبُون للخُدّام ما يَجنونَهُ

ولقد جَمَعْتُ من العيونِ فنونَها

فاجمع من العَفْو الكريم فُنونَهُ

مَنْ كان يرجو عَفْوَ من هُوَ فوقَهُ

عن ذَنْبِهِ فليَعْفُ عمَّنْ دونَهُ




شهد الأدباء والنقاد لأبي الفتح بجودة شعره ونثره؛ وبطريقته الخاصة في الكتابة. وقد نظم شعراً باللغة الفارسية؛ مما يدل على إتقانه لها.

ولعل من أجود شعره قصيدته المطولة الوحيدة التي بلغت خمسة وستين بيتاً؛ ولها شهرة عريضة مما جعل الأدباء يقبلون على شرحها، فلها شروح عدة، وأخذت اسمها من مضمونها فهي (الحِكَم) لأنها تشتمل على حكم بارعة، ومطلعها:

زيادةُ المرءِ في دنياهُ نُقْصانُ

وربْحُهُ غيرَ محضِ الخَير خُسْرانُ


ومنها:

وللأُمور مواقيتٌ مُقدَّرةٌ

وكُلُّ أَمْرٍ له حَدٌّ وميزانُ

فلا تكن عَجِلاً في الأَمْر تطلبُهُ

فليس يُحْمَد قبل النُّضْجِ بُحْرانُ




وأكثر شعره، ما عدا القصيدة السابقة، يقوم على البيت والبيتين والثلاثة، وندر أن جاء شعره بين عشرة أبيات وعشرين بيتاً، وقَلَّ ما دون العشرة. وروي شعره بطرق عدة؛ أشهرها رواية أبي عثمان الصابوني (ت449هـ) وقد قرأه عليه، وأَذِن له في إنشاده.

ويدور شعر البستي في الغزل والمدح والهجاء والذم والعتاب والشكوى، والخمر، والشيب والكِبَر، والأدب والإخوانيات وفي وصف البلاغة والكتاب والقلم.

ومن يتصفح شعره في ديوانه يلحظ أنه كان يتصيد ما يناسب غرضه من الحكم والمواعظ والأمثال والنوادر، كما نقع فيه على شعر جرى مجرى الأحاجي ومعادلات الفقه والطب والرياضيات والفلسفة والنجوميات.
الموسوعة العربية

عبد الله بن ميخائيل بن ناصيف البستاني


بسم الله الرحمن الرحيم

( 1854ـ 1930م)


عبد الله بن ميخائيل بن ناصيف البستاني. لغوي، شاعر، معلم، أديب لبناني، غزير الإنتاج، واسع المعرفة والاطلاع. ولد في قرية «الدّبَية» بالشوف لوالدين هما: الخوري ميخائيل البستاني، وعبلة يوسف نادر التي كانت شاعرة بالعامية تقول الزجل والمعنَّى.
بدأ حياته الدراسية في مدرسة القرية، فتلقى فيها مبادىء الحساب، وتمرّن على كتابة الخط كما كان متبعاً في ذلك الزمان، ثم دخل «المدرسة الوطنية» التي أنشأها في بيروت نسيبه المعلم بطرس البستاني (1819-1883) وقد درس الفرنسية على بعض المعلمين حتى صار يحسن التكلم بها والترجمة عنها.
حين تخرج من المدرسة الوطنية عام 1873 استدعاه الأمير ملحم أرسلان قائم مقام الشوف للتعليم في «المدرسة الداودية» في «عبنة» كما علم بعد ذلك في مدرستي صيدا والدامور الرسميتين.
ثم خطر له أن يمارس الصحافة، فأصدر عام 1879 مع اسكندر عمون في جزيرة قبرص، جريدة «جهينة الأخبار»، لكن الحكومة العثمانية عطلتها بعد صدور عددها الأول، ومنعتها من دخول بلادها، فعاد من قبرص عام 1880 ليبدأ التعليم في مدرسة "الحكمة" المارونية، وتتلمذ عليه الكثير من الطلاب ممن نبغوا في إتقان اللغة العربية وقواعدها، ونظم الشعر، وصناعة الإنشاء.
استدعي عام 1900 لتدريس اللغة العربية في المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك، فبقي فيها حتى عام 1914 حين اضطرت إلى إغلاق أبوابها بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى، وكذلك علّم مادتي الخطابة والبيان في مدرسة «الفرير» أو «الأخوة»، بين عامي 1901 و1911. وكان المعلمون في تلك المدارس يرجعون إليه في حلّ مسائلهم اللغوية والبيانية الصعبة، لأنه كان حجة في هذا الميدان، ولذلك انتخبه المجمع العلمي العربي بدمشق (مجمع اللغة العربية) عضواً فيه عام 1922.
أمضى عبد الله البستاني آخر أيام حياته في غرفة منعزلة في الطابق الثاني من مدرسة الحكمة، ناسكاً، منصرفاً إلى البحث والتدقيق والتنقيب، عازفاً عن بهارج الدنيا ومتعها، حتى وافاه الأجل ودفن في مقبرة الأسرة بدير القمر.
أقيم له في 15/1/1928 مهرجان تكريمي في مدرسة الحكمة، بمناسبة بلوغه الخامسة والسبعين، تكلّم فيه نخبة من رجال الأدب والعلم، وقدمت له فيه الهدايا التذكارية القيّمة، ومُنح في نهايته وسام الاستحقاق اللبناني، ووسام الاستحقاق السوري من الداماد أحمد نامي.
أهم عمل قام به الشيخ عبد الله البستاني هو تأليفه «معجم البستان» الذي صدر عام 1927 في مجلدين، ثم اختصره في معجم آخر أصغر حجماً سماه «فاكهة البستان».
كذلك ألف أربع مسرحيات نثرية هي: «جسّاس قاتل كليب»، «امرؤ القيس في حرب بني أسد»، «عمر الحميري أخو حسان»، «السموأل» أو «وفاء العرب»، وخمس مسرحيات شعرية منها «يوسف بن يعقوب»، «بروتوس أيام يوليوس قيصر»، وله أيضاً مسرحية هزلية نهج فيها منهج موليير في مسرحية «البخيل» مُثلت مراراً في مدرسة الحكمة والمدرسة البطريركية.
كذلك نقّح كتاب «بحث المطالب» للمطران جرمانوس فرحات، وصحح كتاب «الاقتضاب في شرح أدب الكتاب» لابن السيد البطليوسي، وصحح ديوان أبي فراس الحمداني، وترجم حكايات لافونتين شعراً، وله محاضرات في فلسفة اللغة، وكان إضافة إلى ذلك شاعراً من الطراز الأول، تفوح من شعره رائحة الصحارى، فكأنه عاش مع الشنفرى وتأبط شراً. عالج الشعر وهو فتى، ثم انكب عليه كبيراً فجاء منه بالرائع المطرب المزدان بأجمل الألفاظ وأعمق المعاني، وقد امتاز شعره بفخامته وقوة تراكيبه وقربه من شعر المشاهير من شعراء الجاهلية، واشتهر بتشطيره لمعلقة امرئ القيس، إذ سار معه في مضمار واحد، كأنهما فرسا رهان.
الموسوعة العربية

تَميم بن أُبيّ بن مُقبِل


بسم الله الرحمن الرحيم
تَميم بن أُبيّ بن مُقبِل

(... ـ بعد 60 هـ /... ـ بعد 679م)
تَميم بن أُبيّ بن مُقبِل بن عوف، أبو كعب، ينتهي نسبه إلى بني العجلان من عامر بن صعصعة، من قيس عيلان. شاعر مخضرم معمَّر، عاش في الجاهلية زمناً، ثم أدرك الإسلام وأسلم، وعاش فيه زمناً فأدرك زمن عبد الملك بن مروان، يدل على ذلك ذكره حرب قيس وتغلب بالجزيرة، وهجاؤه الأخطل شاعر تغلب. وقيل بلغ عمره نحو مئة وعشرين عاماً. وكان أعور، وهو أحد عوران قيس الخمسة من الشعراء.
ورث في الجاهلية الدهماءَ زوجةَ أبيه بعد وفاته، وتزوجها على عادة الجاهليين، وأحبها حباً شديداً، وحظيت عنده حظوة عظيمة وتعلّق بها، ولمّا أسلم فرّق الإسلام بينهما، فلم يستطع سلوانها، وظل يذكرها ويحن إليها في شعره، من ذلك قوله:
هل عاشقٌ نال من دهماءَ حاجتَه
في الجاهليةِ قبل الدِين مرحومُ
وفي الإسلام تزوج، على كَبر، سليمية بنت عَصَر العُقيلي في قصة مشهورة وردت في أخباره، وذكرها في شعره، فقال:
قالت سُليمى ببطن القاع من سُرُح
لا خير في العيش بعد الشَيب والكِبَرِ
وكان لابن مقبل ابنة تدعى أم شريك، ويبدو أنها كانت على شيء من العلم والأدب، فقد أخذ عنها العلماء رواية بعض أشعاره وشرح ألفاظها.
عاش تميم جُلَّ حياته في البادية، ولم يقرب الحاضرة إلا لماماً، ولذلك لم نجد له أثراً في الحواضر، ولا مشاركة فيما كان يجري من أحداث في زمنه، باستثتناء نزعته العثمانية التي ظهرت بعد مقتل عثمان بن عفان[ر] رضي الله عنه، فكان ابن مقبل شديد المطالبة بثأره داعياً إلى ذلك بقوة، وله قصائد في وقعة صفين.
ويبدو أن ابن مقبل كان رقيق الإسلام، جافياً في الدين، فقد عُرف عنه أنه كان كثير الحنين إلى الجاهلية يبكي أهلها وذكرياته فيها، ولما سئل عن ذلك قال:
ومالي لا أبكي الديارَ وأهلَها
وقد زارها زوّارُ عكٍّ وحميرا
ألهفي علي عزٍّ عزيز وظهرة
وظلّ شباب كنتُ فيه فأَدبرا
يُعدُّ تميم بن أبي بن مقبل في فحول الشعراء المخضرمين، وقد جعله ابن سلام في الطبقة الخامسة من طبقات فحول الشعراء الجاهليين. وكان الأخطل يعد ابن مقبل في أشعر الناس. أما الأصمعي فكاه يراه دون ذلك.
ولشعر ابن مقبل أهمية بالغة عند اللغويين لكثرة الغريب فيه، ولما فيه من ظواهر لغوية وأمثلة فصيحة صحيحة، ولغلبة الطابع البدوي عليه، ولذلك أكثرت كتب اللغة والأدب من الاستشهاد بشعره.
تناول ابن مقبل في شعره كل موضوعات الشعر العربي المعروفة، بيد أن بعض هذه الموضوعات كان هزيلاً بالقياس إلى غيره. فقد أكثر من الوصف، وشملت أوصافه معظم ظواهر البادية وصورها وما يراه فيها من طيور وحيوانات وشجر، وسحاب ومطر وسيل، وفرس وجمل وناقة وثور وحشي، وسلاح وغارة وظعائن، كما برع في وصف قِداح الميسر، وكان يصفها بالأبيات ذوات العدد حتى قيل:قِدْح ابن مقبل.
وكان لمعاني الفخر نصيب وفر في شعره، ولاسيما تلك المعاني والقيم التي كان العربي في الجاهلية يعتّد بها، كالفخر بالأنساب، والقبيلة ومكانتها وعزتها ومنعتها، وبالشجاعة والإقدام والنجدة، والكرم وبذل المال والقيام بواجبات الضيف، وبمعاقرة الخمر ولعب الميسر، وما إلى ذلك من مفاخر إضافة إلى إبراز سجاياه ورزانته.
كما برز الغزل في شعره بروزاً واضحاً من غير إسفاف أو تصريح، مما يدل على أنه كان يتناول هذا الموضوع على أنه تقليد فني متبع في الغالب، ويؤيد هذا أن معظم غزله جاء في مقدمات قصائده، أو على سبيل الذكرى والحنين، دون أن يوحي ذلك الغزل بعاطفة متأججة.
أما الهجاء فكان قليلاً، في شعره، ولعله كان يتخلق بطباع تمنعه من مهاجاة الناس والنيل منهم، وكانت نفسه تأنف من الهجاء، ولاسيما إذا كان المهجو من قبيلته قيس عيلان، والأخبار تدل على ذلك وتؤيده، من ذلك أنه لما هجا الأعورُ بن براء الكلابي قومَ ابن مقُبل، وحمله قومه على الردّ امتنع من هجائه لأنه قيسي من قبيلته وقال:
ولستُ وإن شاحنتُ بعضَ عشيرتي
لأذكر ما الكهل الكلابي ذاكرُ
وكانت لابن مقبل مشاركة شعرية في الحرب التي نشبت بالجزيرة بين قيس وتغلب زمن عبد الملك بن مروان، فهجا قبيلة تغلب وهجا شاعرها الأخطل.وكان المدح أقل الموضوعات ظهوراً في شعره، ولعل مرد ذلك إلى أنه لزم البادية، ولم يكن له اتصال ظاهر بأولي الشأن في زمنه، كما أنه كان يأبى التكسُّب في شعره.
وكذلك كانت مراثيه قليلة، وأبرز رثائه كان في عثمان بن عفان، وقد ضمنه المطالبة بثأره، ومن رثائه قوله:
ليبكِ بنو عثمانَ مادام جذمُهم
عليه بأسيافٍ تُعرَّى وتُخشَب
وكان ابن مقبل معجباً بشعره معتداً به وبمقدرته عليه، فقد قال:
إذا متُّ عن ذكرِ القوافي فلن تَرى
لها تالياً بعدي أطبَّ وأشعرا
وقد عُني القدماء والمحدثون بشعره، فجمعوه وتناولوه بالشرح والإيضاح والتعليق.

الباخَرْزي


بسم الله الرحمن الرحيم


(… ـ 467هـ/… ـ 1075م)


أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي الطيّب الباخرزي. أديب وشاعر وأحد كتّاب الرسائل المعروفين في الدولة السلجوقية، وهو من ذوي اللسانين العربي والفارسي.


ولد في مطلع القرن الخامس الهجري، ونشأ وتعلم في بلدته باخَرْز من نواحي نيسابور ببلاد فارس، تَلْمذ في طفولته لوالده الشيخ أبي علي الحسن بن أبي الطيّب الذي كان أديباً وشاعراً، كما تلمذ للثعالبي صاحب «اليتيمة» الذي جمعت بينه وبين والده صلات حميمة، ويروى أن الباخرزي كان صلة الوصل بينهما يحمل المساجلات الشعرية والإخوانية التي كانت تدور بينهما أيام كانا لصيقي دار في نيسابور.


قرأ الباخرزي القرآن والحديث والفقه، وقد تفقه على الشيخ الجويني (ت 438هـ) والد إمام الحرمين الشريفين وأوحد زمانه علماً وزهداً ومعرفة في فقه الشافعية. وتكاد تجمع الأخبار على أنه بعد أن ترك حلقة الشيخ الجويني شرع في فن الكتابة والإنشاء واختلف إلى ديوان الرسائل.


أكثر الباخرزي في حياته من الرحلة والتجوال، فزار عدداً من البلدان، وقصد المكتبات طلباً للعلم والمعرفة، والتقى في أثناء تجواله كبار علماء عصره كعبد القاهر الجرجاني الذي درس على يده النحو والبلاغة والنقد، وأبي بكر القُهسْتاني الذي درس على يده علوم الأوائل والفلسفة، وابن كرّام الذي درس على يده علم الكلام والاعتزال، وقد أشار الباخرزي إلى كثرة أسفاره في كتابه «دمية القصر» بقوله: «ولا أزال أهبّ في كل بقعة مذكورة وأحط رجلي من كورة إلى كورة».


وإلى جانب العلماء التقى الباخرزي عدداً من القضاة والأمراء والوزراء والأدباء والشعراء، وكان كثير الصحبة والمعاشرة لكبار متنفذي عصره مما يدل على رفعة مكانته وشهرته في أي مكان حلّ فيه أو ارتحل إليه. فقد زار بغداد كما زار البصرة وهراة، وقصد بلخ ومرو والريّ وأصفهان وهمذان وواسط، ويذكر أنه ورد بغداد في بداية عهد الدولة السلجوقية بطلب من الوزير أبي نصر الكندري الذي استوزره السلطان طغرل بك «عميد الملك».


ويذكر ياقوت الحموي «أن الباخرزي كان شريك الكُندُري في مجلس الإفادة من الإمام الموفّق النيسابوري سنة 434هـ». ويقال: إنه اكتسب رضا الكُندري بعد أن هجاه مداعباً بقصيدة أولها «أقْبَلَ». فلما صار الكندري وزيراً محكّماً قدم عليه الباخرزي فألحقه بحاشيته قائلاً له: أنت صاحب «أقبل». ويبدو أنه كان يتردد على مجالس الأنس والشراب، وقد ارتفعت به الأحوال وانخفضت، ورأى من الدهر العجائب سفراً وحضراً.


صنّف الباخرزي كتاب «دمية القصر وعصرة أهل العصر» وهو ذيل «يتيمة الدهر» للثعالبي، حققه سامي مكي العاني سنة 1985م، ويقع الكتاب في سبعة أبواب هي: شعراء البادية وشعراء الحجاز وشعراء الشام وديار بكر وأذربيجان وشعراء العراق والجزيرة وسائر بلاد المغرب، وشعراء الري والجبال وأصفهان وفارس وكرمان، وشعراء خراسان وقوهستان وبست وسجستان وغزنة، وكان القسم السابع في طبقة من أئمة الأدب لم يجر لهم في الشعر رسم. وقد ذيّلت بعض مخطوطات «الدمية» بمختارات من شعره، ووضع على الكتاب أبو الحسن علي بن زيد البيهقي كتاباً سماه «وشاح الدمية» وهو كالذيل عليه، كما ذكر العماد الأصفهاني أن كتاب الدمية بعثه على تأليف كتابه «خريدة القصر وجريدة العصر» استوفى فيه شعراء العالم الإسلامي في القرن السادس الهجري.


وللباخرزي ديوان شعر حققه محمد التونجي سنة 1973م، وتتوزع أغراض الديوان بين المديح والغزل والهجاء والفخر ووصف الخمرة ومجالس الأنس، وقد أكثر في هذا الديوان من مدح نظام الملك وأكثر فيه من المحسنات واستخدم الألفاظ الفارسية، وفي الديوان قصائد كاملة كتبها بالفارسية، وشعره عامة يغلب عليه التكلف والتصنع، ومن مشهور شعره قوله:


كم مؤمنٍ قرصته أظفارَ الشتا.....فغدا لسكانِ الجحيم حسودا

وترى طيورَ الماءِ في وَكَناتها....تختار حرَّ النار والسُفّودا


شهد له معاصروه بالأدب والعلم والفضل، وقد ألّف كتباً ذكرها في كتاب «الدمية» منها «شعراء باخرز»، و«غالية السُّكارى»، وهو في صفة نيسابور و«الأربعون في الحديث» و«التعليقات والفوائد».

مات الباخرزي مقتولاً في مجلس أنس في باخرز.
الموسوعة العربية

التفتازاني


بسم الله الرحمن الرحيم
(نحو 722 ـ 792هـ/1322 ـ 1389م)



سعد الدين، مسعود بن فخر الدين عمر بن عبد الله التفتازاني، من أئمة العربية والبلاغة والمنطق والفقه وعلم الكلام، ولد بتفتازان، وهي قرية تابعة لمدينة نَسا في خراسان، لأسرةٍ اشتهرت بالفضل والعلم.

وفي مدينة نَسا تلقّى علومه الأولى بالعربية وحفظ القرآن وتفقه بأمور الدين، ثم رحل إلى سَمَرْقَنْد حيث انضمّ إلى حلقة عضد الدين الإيجي، وهو فقيه شافعي ومتكلم أشعري (ت756هـ) فأخذ عنه علم الكلام و المنطق وعلم الأصول والبيان، كما أخذ عن قطب الدين وهو، حسبما تشير إليه أغلب الكتب، محمود بن محمد المعروف بالقطب التحتاني(ت766هـ). كما كان يتردد كثيراً على حوانيت الكتب ودكاكين الورّاقين. وفي هذه المدينة ألّف كتابه «شرح التصنيف للزنجاني» ولم يكن قد تجاوز السادسة عشرة مما أكسبه شهرة بعيدة.

ثم ارتحل إلى جرجانية سنة 742هـ فسبقته إليها شهرته، وفيها عكف على التصنيف والتأليف، فألّف جملة من الكتب، كما صار يشارك العلماء جدلهم ومناقشاتهم، وصار له طلاب يتسابقون إليه ليأخذوا عنه العلم. وفي عام 748هـ رحل إلى هَرات التي كانت تعجّ إذ ذاك بالعلماء وأهل الفضل، وتشهد مجالسها الحلقات العلمية التي تضجّ بالمناقشات وتعرض فيها مختلف الآراء والأفكار، وكان قد ألّف كتابه «المطوّل على التلخيص» فأهداه إلى ملك هَرات. وأقام في المدينة أربع سنوات تركها بعد ذلك إلى مدينة حام، ومنها إلى غُجُدوان وهي من قرى بخارى، ومنها انتقل إلى كلستان، ثم عاد إلى هَرات عام 759 هـ حيث طاب له المقام فلبث فيها عشر سنوات كاملة يصنّف ويؤلّف ويؤرّخ. ثم أرسل تيمورلنك يستقدمه إلى سمرقند بعد أن احتلّ خوارزم سنة 791 فاعتذر التفتازاني أولاً، ثم شدّ الرحال إليها حيث توفي وهو في السبعين من عمره ودفن في سرخَس.

ترك التفتازاني كتباً كثيرة من تأليفه وتصنيفه حوت علوماً شتى، في علم الحديث والتفسير والفقه الشافعي والحنفي، وفي الأصول وفقه اللغة والنحو والبلاغة والمنطق وعلم الكلام. وكان يذكر في كل كتاب زمان تأليفه والمكان الذي كان فيه في أثناء إعداده، وقد ورد ذكر مؤلفاته في كثير من الكتب، وأكثرها مايزال مخطوطاً، ومن أشهرها: «تلخيص الكشّاف من حقائق التنزيل». وهو كتاب في التفسير، لخص فيه التفتازاني ما ورد في حاشية الطيبي على كتاب «الكشّاف» للزمخشري، وهو مخطوط ألّفه في سَمَرْقَنْد،

وله في علم الأصول: «التلويح في كشف حقائق التنقيح» وله عدة طبعات وهو شرح على كتاب «تنقيح الأصول» لابن مسعود المحبوبي. وكتاب «شرح المختصر» على كتاب «منتهى السؤال والأمل في علمي الأصول والجدل» مطبوع وهو شرح لكتاب ابن الحاجب (ت646هـ).

وله في فقه اللغة: «النعم السوابغ في شرح الكلم النوابغ»، أما في النحو فكان أول مصنفاته «شرح كتاب العزّي في التصريف» مطبوع، وهو كتاب عز الدين أبي الفضائل إبراهيم بن عبد الوهاب (ت655هـ) وقد أضاف إليه التفتازاني فوائد كثيرة. وكتاب «الإرشاد» أو «إرشاد الهادي» ألّفه بخوارزم وجعله في مقدمة وثلاثة أقسام، وقد تداوله أصحابه في حياته وكتبوا عليه شروحاً كثيرة، ومايزال مخطوطاً.

أما في البلاغة فله «الشرح المطوّل» وهو شرح على كتاب «تلخيص المفتاح» للقزويني المعروف بخطيب دمشق(ت739هـ) كتبه في غجدوان سنة 756هـ، وقد أعاد شرحه مرة ثانية ودمجه بالمختصر، وقد اشتهر الشرح الأول بالمطوّل، والشرح الثاني بالمختصر، وهما من أشهر شروحه وأكثرها تداولاً. وقد طبع الكتاب عدة طبعات. وله «مختصر المعاني» ويعرف ايضا «بشرح تلخيص المفتاح» أو «اختصار شرح التلخيص». ولايزال هذا المختصر يدرّس في بعض المدارس، وله شروح كثيرة وطبعات كاملة أو مختصرة. و«شرح على كتاب المفتاح» للسكاكي (ت626هـ) وهو من المؤلفات التي كتبها التفتازاني في أواخر حياته، أتمّه في سمرقند عام 787هـ، وقد ذاع هذا الشرح في حياته،و الكتاب مايزال مخطوطاً.

أما في المنطق فله: «تهذيب المنطق والكلام» مطبوع، وقد أقبل عليه الدارسون، كما شرحه محمد بن السعد الصديق الديواني وغيره. وكتاب «شرح الرسالة الشمسية».

أما في علم الكلام فله: «المقاصد في علم الكلام» وهو موجز فيما وراء الطبيعة والكلام، أتّمه في سمرقند. و«شرح العقائد النسفيّة» وسمي هذا الشرح بالمختصر، وهو يشتمل «على غرر الفوائد في ضمن فصول هي للدين قواعد» وله طبعات، وقد نقل إلى الفرنسية، كما أن له شروحاً كثيرة.

عرف كثير من القدماء فضل التفتازاني فأوردوا ترجمته في كتبهم، كما ذكروا كتبه، ومنهم ابن خلدون الذي ذكره في مقدمته. تتلمذ على علمه كثيرون منهم حسام الدين الأبيوردي، وعلاء الدين الرومي وعلاء الدين البخاري والشمس الكريمي ويوسف الحلاّج. وقد غدا أكثر طلاّبه من العلماء الذين اشتهروا بالفضل والعلم. كما تتلمذ على كتبه جماعة من الأساتذة والمفكرين في العالم الغربي.

الموسوعة العربية

التهانوي


بسم الله الرحمن الرحيم
(... ـ بعد 1158هـ/... ـ بعد 1745م)



محمد علي بن شيخ علي بن محمد حامد بن محمد صابر الفاروقي السني الحنفي التهانوي، باحث هندي وعالم موسوعي ولغوي من أئمة القرن الثاني عشر للهجرة. والتهانوي نسبة إلى مسقط رأسه «تهانة بهون» من ضواحي دلهي، وقبره فيها اليوم.

تباينت المصادر في ذكر اسمه، والثابت هو اسمه الذي ورد في مقدمة كتابه «كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم».

عاش التهانوي في عصر سلاطين الدولة المغولية في الهند، فأدرك طرفاً من عهد الامبراطور أورنغ زيب[ر] الذي عرفت الهند في عصره حركة علمية ثقافية نشطة بتشجيعه لها. وقد قيل إن التهانوي كان قاضياً في قريته «تهانة» في عصر هذا الامبراطور.

نشأ التهانوي في بيئة علمية، نهل من ينابيعها؛ إذ كان والده من كبار العلماء حتى لقب بقطب الزمان، وقد تلمذ له في العلوم العربية والشرعية، يقول في مقدمة كشّافه: «فلمّا فرغت من تحصيل العلوم العربية والشرعية من حضرة جناب أستاذي ووالدي شمّرت عن ساق الجد إلى اقتناء ذخائر العلوم الحكمية الفلسفية من الحكمة الطبيعية والإلهية والرياضية كعلم الحساب والهندسة والبيئة والاسطرلاب ونحوها، فلم يتيسّر تحصيلها من الأساتذة، فصرفت شطراً من الزمان إلى مطالعة مختصراتها الموجودة عندي فكشفها الله تعالى عليّ».

لم يحظَ التهانوي بنصيب وفر في كتب التراجم، فعلى كثرة عطائه ومع نشأته في بيت علم ودين لم تقدم كتب الرجال والتراجم كثيراً عن حياته، وما زالت جوانب كثيرة منها مجهولة كشيوخه الذين أخذ عنهم، وتلامذته الذين تخرجوا به. وأكثر ما في ترجمته يتناقله المترجمون بعضهم عن بعض دون أن يضيف أحد منهم جديداً إلى أخباره.

كان التهانوي موسوعياً لتنوع ثقافته، وتعدد علومه من لغةٍ وفقه وحديث وفلك وتاريخ وفلسفة وتصوف.

ترك التهانوي ثلاثة مصنفات: «أحكام الأراضي» في بيان أنواع الأراضي، وهو مخطوط لم يطبع. و«سبق الغايات في نسق الآيات» في علوم القرآن، وهو مطبوع في الهند. وأشهر هذه المؤلفات وأهمها كتاب «كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم» وهو ما أكسب التهانوي شهرته، ومما دفعه إلى تصنيفه أنه وجد كتباً تشرح مصطلحات بعض العلوم، ولم يقف على كتاب جامع للعلوم كلها يقول: «إن أكثر ما يُحتاج به في تحصيل العلوم المدوّنة والفنون المروَّجة إلى الأساتذة هو اشتباه الاصطلاح، فإن لكل علم اصطلاحاً خاصاً به إذا لم يعلم بذلك لا يتيسّر للشارع فيه الاهتداءُ إليه سبيلاً ولا إلى انقسامه دليلاً، فطريق علمه إما بالرجوع إليهم أو إلى الكتب التي جمع فيها اللغات المصطلحة. ولم أجد كتاباً حاوياً لاصطلاحات جميع العلوم المتداولة بين الناس وغيرها. وقد كان يختلج في صدري أوان التحصيل أن أؤلِّف كتاباً حاوياً لاصطلاحات جميع العلوم، كافياً للمتعلم من الرجوع إلى الأساتذة العالِمين بها».

كتاب «الكشاف» معجم موسوعي لغوي فني أورد فيه مؤلفه مصطلحات العلوم ومفرداتها بترتيب هجائي، ثم رتب مادة كل باب في فصول تتسلسل على الحروف ولكن تبعاً لأواخر الحروف، متدرجاً في إيراد المعاني من الدلالة اللغوية إلى النقلية فالعقلية ثم العلمية. وقد أورد التهانوي مواد كشافه أو مصطلحاته ضمن فنين تضمن الأول: المصطلحات العربية ـ وهو الأكبر حجماً ـ وتضمن الثاني المصطلحات الأعجمية.

يقول مثلاً في تعريفه مصطلح الترصيع: harmonization

«الترصيع: في اللغة الفارسية: تجميل الأشياء بالمجوهرات واللؤلؤ. وعند أهل البديع من أنواع المطابقة، وهو اقتران الشيء بما يجتمع معه في قدر مشترك كقوله تعالى: }إنّ لَكَ ألاّ تَجُوعَ فِيها ولا تَعْرَى. وأنّك لا تَظْمَأُ فيها ولا تَضْحَى{، جاء بالجوع مع العري وبابه أن يكون مع الظمأ، وبالضحى مع الظمأ وبابه أن يكون مع العري لأن الجوع والعري اشتركا في الخلوّ، فالجوع خلو الباطن من الطعام، والعري خلو الظاهر من اللباس. والظمأ والضحى اشتركا في الاحتراق، فالظمأ احتراق الباطن من العطش، والضحى احتراق الظاهر من الشمس»
نسب بعضهم إلى التهانوي كتباً في الفقه والتصوف والكلام والفلسفة ولا يُعلم مدى صحة هذه النسبة، وإن كانت ثقافته تؤهله لوضع ما نسب إليه.
الموسوعة العربية

أحمد تيمور


بسم الله الرحمن الرحيم

(1288ـ1348هـ/1871ـ1930م)
أحمد تيمور علامة بالتراث العرب، وباحث شامل فيه، ولاسيما في فنون اللغة والأدب والتاريخ، وأحد رجال النهضة العربية، ومنشئ أعظم مكتبة خاصة في الشرق في العصر الحديث. كان لشمائله الشخصية ولمكتبته أثر بالغ في عصره، نوَّه به علماء العصر وأدباؤه ومفكروه. وهو والد الأديبين المجددين الرائدين في فنون القصة والمسرح والتمثيل: الأديب الكبير واللغوي محمود تيمور[ر]، ومحمد تيمور.
قدم جده تيمور بن محمد بن إسماعيل إلى مصر من الموصل في عهد محمد علي باشا الكبير (1804-1848)، واتصل به، وكان من قادة جنده وكبار ولاته. وقد تولى أبوه عدة مناصب في زمن الخديوي عباس وسعيد وإسماعيل وصار رئيساً لديوان الخديوي.
توفي أبوه سنة 1289هـ وله من العمر مئة يوم، فقامت على تربيته أخته الأديبة الشاعرة عائشة تيمور[ر]، وزوج أخته محمد توفيق الذي كانت مكتبته أول مكتبة غنية تقع عليها عينا الطفل النابغ.
كان تلميذاً في مدرسة مارسيل الفرنسية بضع سنوات، ثم انقطع عنها ليتلقى في داره أنواع العلوم على أيدي أساتيذ وعلماء، وفيها تعلم التركية وشيئاً من الفارسية، ليستعين بهما فيما بعد في مباحثه البالغة الاتساع.
اتصلت أسبابه بطائفة من أعيان علماء عصره كان لأربعة منهم خاصة أثر في تكوينه الثقافي والعلمي في صباه ويفاعته وشبابه وهم: الشيخ رضوان المخللاتي (ت 1311هـ)، وهو من ثقات العلماء بالقرآن الكريم والقراءات، سمع منه تيمور في داره. والشيخ حسن الطويل (ت 1317هـ) فيلسوف الأزهر، و«شيخ الشيوخ وأستاذ الأستاذين، وأحد من تفرد في مصر بالبراعة في المعقول والمنقول» كما قال تيمور فيه. والعلامة اللغوي محمد محمود بن أحمد التُّركزي الشنقيطي (ت 1322هـ) وهو خاتمة علماء اللغة وحفاظها على طريقة المتقدمين. وكان أخذ تيمور عنه نقطة تحول متزايد في اهتماماته العلمية باتجاه اللغة ومباحثها. والشيخ محمد عبده (ت 1323هـ) بلغ من حب تيمور له وإعجابه به أنه اشترى داراً بجوار داره بعين شمس، ونقل إليها مكتبته من القاهرة ليكون قريباً منه. وستشهد هذه الدار مجالس علمية حافلة، تؤمها كوكبة لامعة من مفكري مصر وعلمائها وأدبائها، أو من الطارئين عليها، وسيكون معها أحياناً الشيخ نفسه، قطبها الذي عليه تدور. ومن هؤلاء سعد زغلول، وفتحي زغلول، وقاسم أمين، وعبد العزيز جاويش، ومحمود سامي البارودي، وإسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد الإسكندري، ومحمد كرد علي.
وكانت مجالس العلم التي تنعقد في داره في درب سعادة مصدراً آخر من مصادر تكوينه العلمي المتين.
ومن أكبر الشخصيات التي اتصل بها تيمور بعد الشنقيطي ومحمد عبده العلامة الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي، وكان قد بقي في مصر ثلاثة عشر عاماً، انتهت سنة 1919 وهي السنة التي أسس فيها المجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية اليوم) الذي سيكون أحد أعضائه المؤسسين. وكان تيمور شديد الحرص على لقاء الجزائري، يتجاذبان حديث النوادر والنفائس في المكتبة العربية، وهي هوى الرجلين المشترك الكبير.
أكبر آثار تيمور، على كثرتها وجلالة قدرها، مكتبته الفريدة التي شرع في تكوينها وهو دون العشرين وكانت قد بلغت سنة 1330هـ/1911م نحو ثمانية آلاف مجلد، قريب من نصفها مخطوط: أصلٌ، أو مصورٌ بالتصوير الشمسي، أو منسوخ؛ فضلاً عن المواد العلمية المختلفة الأخرى، كالآلات الفلكية والمصورات الجغرافية والصور ذات القيمة التاريخية، التي صور بعضها بنفسه بحس تاريخي مرهف.
انصرف تيمور عن الحياة العامة، وأنفق عمره في ترتيب مكتبته وفهرستها واستخراج الفوائد العلمية منها، وبذلها وبذل عمله العظيم فيها لكل مستفيد من الشرق والغرب،إلى الحد الذي أدهش معاصريه، وكانت مادتها العظيمة ذات أثر كبير في أعمال علمية مشهورة، كان يزود أصحابها ابتداء بمواد ثمينة يتعذر الوصول إليها على غيره بمجرد معرفته بأغراضهم فيها، ثم تمم على ذلك كله فوقف عليها الأوقاف الطائلة، وأهداها لدار الكتب المصرية، لتكون درة أقسامها الثمينة.

راسل تيمور العلماء من الشرق والغرب وراسلوه، في مختلف مسائل العلم ومشكلاته، وأجاب على رسائلهم، ورفدهم بما احتاجوا إليه. وربما بلغت رسائله الآلاف، فيها من نوادر العلم كل نفيس. رسائله الخاصة إلى محمد كرد علي فقط مئة وأربعون رسالة، سوى رسائله إلى المجمع الذي كان من أوائل أعضائه، إلى كونه عضواً في المجمع العلمي المصري، وفي مجلس إدارة دار الآثار العربية، ومجلس الشيوخ؛ وكانت وفاته بعلة القلب قبل إنشاء مجمع القاهرة بسنوات قليلة.
كتب تيمور في صحف عصره ومجلاته مثل «المؤيد» و«الأهرام»، و«مجلة مجمع دمشق» و«المقتطف» و«الضياء» و«الهلال» و«المقتبس» و«الزهراء».
طبع بعض مصنفاته في حياته، وطبع أكثر منها بعد وفاته. منها: «التصوير عند العرب» و«ذيل طبقات الأطباء» و«حياة المعري وعقيدته» و«تصحيح لسان العرب» و«تصحيح القاموس المحيط» و«معجم الأمثال العامية»، و«معجمه الكبير في الألفاظ العامية وبيان معانيها وأصولها اللغوية العربية». وهذان المعجمان الأخيران خاصة من غرائب تيمور، لبعده في الظاهر من مخالطة الناس، مع معرفته الواسعة والعميقة بمخاطباتهم وأمثالهم كما يدل عليها هذان المعجمان.
الموسوعة العربية

البَكْرِيُّ


بسم الله الرحمن الرحيم
(…. ـ 487هـ/…. ـ 1094م)
أبو عُبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري مِنْ بكر بن وائل صَلِيْبَةً، من علماء الأندلس وأعيانِها في اللغة والأدب والأنساب والتاريخ والجَغرافية، وله معرفةٌ بالنبات والأدوية.

وُلد البكري في شَلْطِيْشَ Saltés، وهي بُليدةٌ في غربي إشبيلية على البحر، وهو يتحدّر من بيت عريق في الشرف والحسب والجاه والسلطة لِمَا لهم من ماضٍ في فتح الجزيرة ولصريح أنسابهم في بلاد العجمة، وقد كان لسلفه إمْرَةٌ في شَلْطِيْشَ وأَوْنَبَةَ وما إليهما دامت زهاء أربعين عاماً، ثم أخرجهم منها المعتضد عبّاد بن محمّد صاحب إشبيلية (404-461هـ) وغصبهم ملكهم سنة 443هـ.

خرج البكري إلى قرطبة ولاذ بصاحبها ابن جهور زماناً، ثم صار إلى محمد بن مَعْن صاحب المَرِيَّة فاصطفاه لصحبته وأصفاه وُدَّهُ ووسَّعَ راتِبَه، ولهذا نعته بعض المؤرخين بالوزير، ولقَّبه أحمد بن يحيى الضبي (ت 599هـ) في «بغية الملتمس» بذي الوزارتين، وذكر ابن أيبك الصفدي (ت 764هـ) في «الوافي في الوفيات» أنه كان أميراً بساحل كورة لَبْلَةَ. ويرى بعض المعاصرين، أنه لُقِّبَ بالوزير لأنّه وَزَرَ لأبيه أو لمصاحبته الملوك وإن لم يكن وزيراً على الحقيقة على ما جرى به العُرْفُ الأندلسي، على أن منزلة البكري في نفوس أهل عصره لم تكن أقلَّ من منزلة الوزراء. ثم رَجَعَ إلى قرطبة بعد دخول المرابطين، وتوفي فيها.

على أن هذه الأحداث لم تصرف البكري عن إرواء رغبته في طلب العلم، فقد روى عن أبي مروان بن حيّان مؤرّخ الأندلس (ت 469هـ)، وأبي بكر المُصْحَفِي، وأبي العبّاس العُذري، وأجاز له أبو عمر بن عبد البَرّ حافظ الأندلس (ت 463هـ). وكذلك كان البكري حريصاً على انتخاب الكتب ذات الخطوط المنسوبة مغرماً باقتنائها متثبّتاً في ضبط الألفاظ وتقييد الروايات على حسب ما كان يجده مثبتاً فيها. وممّا أسهم في ثِقافه واستوائِه رجلاً عالماً أن تسنَّى له أن يقف على كتاب «الأمالي» لأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي (ت 356هـ) وأصولِهِ كـ «الإبدال» لابن السكّيت (ت 244هـ)، و«أمالي ابن الأنباري» (ت 328هـ)، و«نوادر ابن الأعرابي» (ت 231هـ)، وغيرها من النُّسخ الفذّة التي حرّرها العلماء بأيديهم أو ورَّاقون مَهَرَة.

ترك البكري للمكتبة العربية تراثاً قيّماً انتهى إلينا بعضه وطوى الدَّهْرُ بعضَه الآخر فيما طوى من ذخائر، وهو ينمُّ على معرفة واسعة وإحاطة بارعة باللغة والشعر والتاريخ والجغرافية والأنساب، وقد صعد نجمه وكانت ملوك الأندلس تتهادى كتبه. ومن تراثِه «كتاب الإحصاء لطبقات الشعراء» أحال عليه في «الّلآلي»، وهو على مثال «المؤتلف والمختلف» للحسن بن بشر الآمدي (ت 370هـ)، و«كتاب اشتقاق الأسماء»، و«أعلام نبوّة نبيّنا محمّد r»، و«التدريب والتهذيب في ضروب أحوال الحروب» أحال عليه في معجمه، و«شفاء عليل العربيّة» ذكره حاجي خليفة، و«كتاب صلة المفصول في شرح أبيات الغريب المصنَّف» أحـال عليـه فـي «اللآلي»، و«المسالك والممالك»، و«كتاب أعيان النبات والشجريات الأندلسية».

ومما طُبع من آثاره «فَصْلُ المقال في شرح كتاب الأمثال»، وهو شرح لكتاب «الأمثال» لأبي عبيد القاسم بن سلاّم (ت 224هـ). وقد رتّبه على عشرين باباً من المعاني يتفرّع منها أبوابٌ في محالِّها، فبابٌ في حفظ اللسان، وآخر في معايب النطق، وثالث في تعاطف ذوي الأرحام وتحنُّنِ بعضهم على بعض، ورابع في مكارم الأخلاق، وذكر البكري أن ما حمله على تصنيف هذا الكتاب أنه لمّا تصفح كتاب الأمثال رأى صاحبه قد أغفل تفسير كثير من الأمثال فجاء بها مهملة وأعرض عن ذكر كثيرٍ من أخبارها، فتولّى البكري إتمام ذلك. ومما يجدر ذكره أن البكري انتخب من أمثال أبي عُبيد ما يستطيع التعليق عليه، وعلى هذا فـ «فصل المقال» لا يضم إلا قطعة من أمثال أبي عُبيد.

و«الّلآلي في شرح أمالي القالي» وهو شرح لأمالي القالي التي أملاها بالأندلس، وضّح فيه معاني منظومها ومنثورها، وأتمَّ بعض القصائد، ونسب كثيراً من الشعر الغُفْلِ المجرّد، ونبَّه على اختلاف الروايات وعلى بعض ما وَهِمَ فيه أبو علي.

و«التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه» وجلّ هذه التنبيهات مبثوثٌ في «اللآلي»، وكأن البكري انتقاها وجعلها في كتابٍ مفردٍ على حِياله، وقدّمه للمعتمد بن عبّاد ووسمه باسمه. وفي الكتاب ضبطٌ وتحقيقٌ لغير قليلٍ من الأعلام وشعرٌ عزيزٌ نادر.

على أن أجلّ مصنفات البكري وأغزرَها مـادة وأقومَها جـادة «معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع» وهو معجم جَغرافي يصف جزيرة العرب ويتتبع ما بها من المعالم والمشاهد والبلدان والآثار والمناهل والموارد، ويرصد هجرة القبائل من أوطانها وتنقلها بين مصايفها ومرابعها، ومباديها ومحاضرها، ويذكر أنسابها وأيامها ووقائعها. وهو من أجود معجمات البلدان من حيث غزارةُ المادة، وتمام الضبط وجمال الأسلوب. ورتّب معجمه بترتيب حروف الهجاء عند المغاربة على هذا النحو: ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش هـ و ي. غير أن محقق معجمه غيّر وضع مادته، ورتبها على حسب حروف الهجاء المشرقي، وعلى ما يقتضيه نظام الفهرسة الصحيح، وذلك بترتيب حروفها بحسب صورتها.على أن معجم البكري أدق من معجم ياقوت في تحقيق أسماء المواضع التي وردت في الشعر العربي والحديث والسِّيَر وأيام العرب، وقد فات ياقوتاً كثيرٌ من البلدان التي ذكرها البكري. وضَبْطُ المواضع عند البكري بالعبارة لا بالحركات، وهذه المزيّة حمته من شوائب التصحيف والتحريف، وقد اعتمد في ذلك على الشعر الذي جاء فيه الموضع مسنداً إلى الراوي الذي نقله من العلماء، موازناً بين الروايات، مرجِّحاً رواية الثقات، يُسعفه في ذلك ذكاءٌ حاد وما اجتمع لديه من نفائس الأصول المضبوطة. وقد ترك معجم البكري أثراً فيمن صنّف بعده، وممن انتفع به القاضي عياض (ت554هـ) فـي «مشارق الأنـوار»، وعبد الرحمن بن عبد الله السهيلي (ت 581هـ) في «الروض الأُنُف»، والفيروزآبادي (ت 816هـ) في «القاموس المحيط»، والمرتضى الزَّبيدي (ت 1205هـ) في «تاج العروس».

الزوزني


بسم الله الرحمن الرحيم

الزوزني (الحسين بن أحمد بن الحسين ـ)


(…ـ 468هـــ/… ـ 1093م)


أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحسين، عالم باللغة والأدب، قاض، مشهور بالزوزني، نسبة إلى بلدته زوزن التي تقع بين هَراة ونيسابور، وترجح أن تكون ولادته ووفاته فيها. لم يذكر القدماء والمحدثون شيئاً عن تاريخ ولادته أو أسرته أو أولاده، إلا أنهم ذكروا أنه كُنّي بأبي عبد الله، ووُصف بالقاضي لأنه تولى القضاء في بلدته.
اتفقت المظان على كتب ثلاثة للزوزني هي: «ترجمان القرآن» المكتوب باللغتين العربية والفارسية، و«المصادر» وهما ما زالا مخطوطين؛ وقد رتب الأخير على الأبجدية كالمعجم، وصدَّر كل باب بمصادر الأفعال الصحيحة وأتبعها بمصادر الأفعال المعتلة، وشرح شواهد الحديث والأشعار والأمثال ونقحها. وقد جاءت شهرة الزوزني من كتابه الذي سمّاه «شرح القصائد السبع» وعُرف وطُبع باسم «شرح المعلقات السبع»، فكان يشرح المفردات الغريبة ويعرض لما يناظرها ـ غالباً ـ في اللغة أو القرآن أو الشعر، ثم يسوق المعنى العام بأسلوب أدبي موجز ومفيد. أما «شرح بائية ذي الرُّمة» فقد اختلف في نسبته إليه. وعلى الرغم من قلة مؤلفات الزوزني فقد اجتمع الناس على وصفه بأنه عالم، وإمام محقق، وقاضٍ حصيف، فقد نوّه به السيوطي في «بغية الوعاة» فقال: «كان إمام عصره في النحو واللغة والعربية».
كان كتاب الزوزني «شرح القصائد السبع» سبب شهرته لأنه لقي عناية القدماء والمحدثين، وطُبع مجموعاً، كما طُبع بعض شروح قصائده منفرداً كقصيدة امرئ القيس وطرفة وزهير، مع أن كثيراً من نُسخ الشرح مازال مخطوطاً في العديد من مكتبات العالم. وكان عثمان بن عبد الله بن أبي علي التنوخي قد جمع بين شرحه وشرح أبي جعفر النحاس المعروف باسم «شرح القصائد التسع المشهورات»؛ على حين بسط عبد الرحيم بن عبد الكريم صاحب كتاب «إيضاح المكنون» شرح الزوزني بشيء من التفصيل. ويظل لشرح الزوزني فرادة خاصة لما اتصف به من سهولة المأخذ وقرب التناول ووضوح العبارة على دقتها وإيجازها، مما تميز بالجودة والقبول لدى العامة والخاصة، لهذا كله أُعد إعداداً مناسباً للدراسة، وطُبع مايزيد على ثلاث وعشرين طبعة، أفضلها طبعة محمد علي حمد الله في دمشق عام 1383هـ/1963م.
وقد ترُجم الشرح مجموعاً أو منفرداً إلى العديد من لغات العالم، ولذلك كله ظهر الزوزني عالماً وأديباً ولغوياً، وإماماً محققاً دقيق المنهج ومتضلعاً من العربية والفارسية، ومن الفقه والقضاء، فاستحق مكانته بين فضلاء عصره وأدبائهم
الموسوعة العربية

أحمد بن حاتم الباهلي


بسم الله الرحمن الرحيم

( … ـ 231هـ/ … ـ 845م)


أبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي، العالم اللغوي الأديب. ولد في البصرة في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة. وكانت البصرة آنذاك في ذروة ازدهارها تعج بعلمائها وأدبائها وشعرائها ورواتها الكبار، فتفتحت لأبي نصر أبواب المعرفة، وأقبل على الأدب والشعر واللغة إقبال مشغوف حتى نبغ وتفوق، ووصل حباله بحبال الأصمعي عالم البصرة وراويتها الكبير، ولغويها الفذّ، فأخذ عنه، وقرأ عليه كتبه في اللغة والأدب والشعر قراءة واعية، وصحبه ولازمه وتخرّج به حتى عرف بصاحب الأصمعي، وقال قوم: غلام الأصمعي، تنويهاً بتلك المنزلة التي استحقها بدرسه الدائب، وذكائه المتوقد، وحافظته القوية، وإخلاصه لأستاذه راوية العرب.


وأخذ أيضاً عن علامتي البصرة: أبي عبيدة معمر بن المثنى، وأبي زيد الأنصاري، وهما ما هما من معرفة اللغة والأدب ورواية أخبار العرب وأشعارها.


وانتقل الباهلي إلى بغداد، وقد روّى نفسَه علماً، وأصبح في عداد كبار العلماء، وأقام بها ينشر علمه، ويروي ما ثقفه من علوم العربية وأشعارها، واتصل بأبي عمرو الشيباني الراوية الكوفي الكبير، وأخذ عنه.


وتقاطر عليه قاصدوه والآخذون عنه لما عُرف به من الأمانة في النقل، وما تحلى به من الخلق المتين، مع سعة الرواية، والتعمق في معرفة العربية وعلومها، والوقوف على أساليبها وأسرارها. وكان يملي في حلقته أشعار العرب وأخبارها وآدابها. ومما أملاه فيما وصل إلينا من أخباره، شعر الشماخ وشعر ذي الرمة، فكان المأمون الثقة الصادق فيما يرويه، حتى قال فيه الأصمعي: «ما يصدق عليَّ إلا أبو نصر». وحين وازن العلماء والنقاد بينه وبين عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي رجحت كفة أبي نصر، ورأوه أوثق من عبد الرحمن وأثبت.


ومن أشهر العلماء الذين أخذوا عنه ببغداد إبراهيم الحربي، وأحمد بن يحيى ثعلب.


وألّف الباهلي طائفة من الرسائل اللغوية على طريقة الأصمعي، منها: كتاب الشجر والنبات، وكتاب الإبل، وكتاب أبيات المعاني، وكتاب اشتقاق الأسماء، وكتاب ما تلحن فيه العامة.


وطارت شهرة الباهلي، واستجاب لدعوة تلقاها من أصبهان، وكانت مركزاً مهماً من مراكز العلم، فشدَّ إليها رحاله بعد سنة 220هـ، ونقل معه مصنفات الأصمعي وأشعار شعراء الجاهلية وشعراء الإسلام مقروءة على الأصمعي.


والتفّ حوله طلاب العلم ومحبو المعرفة، يقرؤون عليه، وينهلون من علمه الثرّ، ومعينه العذب الصافي. ونشر في أصبهان علم الأصمعي وروايته.


وكان من أشهر تلاميذه بأصبهان أبو علي الحسن بن عبد الله الأصبهاني المعروف بلغدة (ولكدة أيضاً). وقد أصبح بعد إماماً في النحو والشعر واللغة. وكان من وفائه لأستاذه أبي نصر أن ألَّف كتاباً شرح فيه كتاب أبيات المعاني لأستاذه.


ومن تمام الحديث عن أبي نصر أن نشير إلى ما قام بينه وبين راوية الكوفة الكبير ابن الأعرابي من منازعات ومنافسات جرت العادة أن تقوم بين الأنداد. وكان أبو نصر «يتعنّت ابن الأعرابي ويكذّبه، ويدّعي عليه التزيُّد ويزيّفه، وابن الأعرابي أكثر حفظاً للنوادر منه، وأبو نصر أشدُّ تثبتاً وأمانة وأوثق».


بقي لنا من كتب الباهلي كتابان:


أحدهما مخطوط هو كتاب اشتقاق الأسماء (مكتبة أسعد أفندي بالأستانة / رقم2357). والثاني مطبوع، وهو ديوان ذي الرمة، وقد وصل إلينا برواية أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي نصر الباهلي عن الأصمعي.


وتكشف مطالعة الديوان عن الثروة النفيسة التي قدمها أبو نصر الباهلي بروايته الشعر، وشروحه البديعة، وتفسيره الألفاظ الغريبة.


وعاد الباهلي في آخر عمره إلى البصرة، ووافته المنية وقد نيّف على السبعين.


الموسوعة العربية