الثلاثاء، 14 فبراير 2012

البُسْتي


بسم الله الرحمن الرحيم
نحو (330ـ400هـ/941ـ1009م)

أبو الفتح علي بن محمد بن الحسين بن يوسف البُسْتي. اختلف في اسم أبيه؛ فقيل: أحمد؛ وفي اسم جَدّه؛ فقيل: الحسن. وهو من شعراء العصر العباسي المجيدين ومن الكتّاب المبرزين.

ويذكر البستي في شعره أنه ينتسب إلى الأرومة القرشية، ولم يذكر هذا غيره، فهو كما يقول من بني أمية؛ من فرع عبْد شمس:



أنا العبدُ ترفعُني نِسْبتي

إلى عَبْد شَمْسٍ قريعِ الزَّمانِ

وعَمِّي شَمْس العُلا هاشِمٌ

وخالي من رَهْط عبد المَدانِ




وقد ولد بقرية (بُسْت) وإليها نُسب، وهي بين سِجِسْتان وغَزْنة؛ وتقع اليوم في أفغانستان إلى الجنوب الغربي من مدينة قُنْدُهار.

وفي بُسْت تتلمذ أبو الفتح في شبابه على يد علاَّمة عصره المؤرخ واللغوي والمحدِّث والفقيه أبي حاتم محمد بن حِبَّان الذي رجع من نَيْسابور إلى بست سنة 340هـ وأنشأ فيها مجلس علم حتى وفاته سنة 354هـ، وكان أبو الفتح في الوقت نفسه مُؤَدِّباً ومن ثم كاتباً لأميرها (باي توز)، وهو عند ابن الأثير (باي تور)، الذي غزاه سُبُكتكين سنة 366هـ/976م فأَزال إمارته عنها بعد حرب شديدة. أدنى سبكتكين أبا الفتح من مجلسه لعلمه وفضله ومروءته وإتقانه لصنعة الكتابة؛ ثم طلب أبو الفتح إلى سبكتكين أن ينزله (الرُّخَّج) حاكماً لها؛ ليبتعد عن حساده؛ فأقره على طلبه، وظل يكتب له فتوحاته وشؤون ملكه حتى وفاة سبكتكين سنة 387هـ.

ولم يلبث يمين الدولة محمود الغزنوي بن سبكتكين أن استخلص السلطة من أخيه إسماعيل سنة 389هـ مستعيناً بأخيه نصر والي بُسْت؛ ثم وَطَّد سلطانه في خراسان ونيسابور وبخارى؛ واستقل بملكه منفرداً؛ وخطب للخليفة القادر بالله (381-422هـ/991-1031م)، وأعلن نفسه سلطاناً، واتخذ غَزْنَة مركزاً لدولته حتى وفاته سنة 421هـ/1030م.

وكان محمود الغزنوي لا يسمع بشاعر أو عالم أو أديب أو فيلسوف أو طبيب إلا استقدمه وكَرّمه؛ فحوى مجلسه علماء مبرزين وكتاباً وشعراء؛ كان أبو الفتح واحداً منهم. وقد حظي عنده بمنزلة رفيعة؛ وكان يكتب إليه وله؛ ويمدحه في شعره، ولكن النعيم لم يدم له؛ فلأمر ما نبذه السلطان عنه؛ فأخرجه إلى ديار التُّرك فيما وراء النهر، فمات غريباً وحيداً في بلدة يقال لها (أُوْزكَنْد) وفي العربية (أُوزجَنْد) من نواحي بُخارى، واختلفت الروايات في سنة وفاته. وليس بصحيح أنه مات في دمشق.

والبستي كاتب وشاعر وحكيم وعالم بالأدب واللغة والأخبار، وقد طبقت شُهْرته الآفاق، وسار ذِكْره في البلاد، وعُرف بالطريقة الأَنيقة في التجنيس الأَنيْس والبديع التأسيس في شعره ونثره، وكان يسميه هو (المتشابه). فقد أُولع بطريقة خاصة في اللفظ لا ينكرها عليه أحد، وهي تقوم على التصنيع والزركشة والزينة والسجع والتجنيس البديع والمثير، ولو على حساب المعنى، حتى صار علماً لها.

ومن ألفاظه وأمثاله في هذا الشأن قوله: مَنْ أصلح فاسده أَرغم حاسده، مَنْ أطاع غضبَه أضاع أَدَبَه، من سعادة جَدِّك وقوفك عند حَدِّك، الخيبة تهتك الهَيْبة.

ومن شعره الذي أُعجب به النقاد، وجاء به بمعنىً مخترع لم يُسبق إليه ما ورد في قوله للسلطان محمود الغزنوي حين تغيّر عليه:

إِني جَنيتُ ولم يَزل أَهْلُ النُّهى

يَهبُون للخُدّام ما يَجنونَهُ

ولقد جَمَعْتُ من العيونِ فنونَها

فاجمع من العَفْو الكريم فُنونَهُ

مَنْ كان يرجو عَفْوَ من هُوَ فوقَهُ

عن ذَنْبِهِ فليَعْفُ عمَّنْ دونَهُ




شهد الأدباء والنقاد لأبي الفتح بجودة شعره ونثره؛ وبطريقته الخاصة في الكتابة. وقد نظم شعراً باللغة الفارسية؛ مما يدل على إتقانه لها.

ولعل من أجود شعره قصيدته المطولة الوحيدة التي بلغت خمسة وستين بيتاً؛ ولها شهرة عريضة مما جعل الأدباء يقبلون على شرحها، فلها شروح عدة، وأخذت اسمها من مضمونها فهي (الحِكَم) لأنها تشتمل على حكم بارعة، ومطلعها:

زيادةُ المرءِ في دنياهُ نُقْصانُ

وربْحُهُ غيرَ محضِ الخَير خُسْرانُ


ومنها:

وللأُمور مواقيتٌ مُقدَّرةٌ

وكُلُّ أَمْرٍ له حَدٌّ وميزانُ

فلا تكن عَجِلاً في الأَمْر تطلبُهُ

فليس يُحْمَد قبل النُّضْجِ بُحْرانُ




وأكثر شعره، ما عدا القصيدة السابقة، يقوم على البيت والبيتين والثلاثة، وندر أن جاء شعره بين عشرة أبيات وعشرين بيتاً، وقَلَّ ما دون العشرة. وروي شعره بطرق عدة؛ أشهرها رواية أبي عثمان الصابوني (ت449هـ) وقد قرأه عليه، وأَذِن له في إنشاده.

ويدور شعر البستي في الغزل والمدح والهجاء والذم والعتاب والشكوى، والخمر، والشيب والكِبَر، والأدب والإخوانيات وفي وصف البلاغة والكتاب والقلم.

ومن يتصفح شعره في ديوانه يلحظ أنه كان يتصيد ما يناسب غرضه من الحكم والمواعظ والأمثال والنوادر، كما نقع فيه على شعر جرى مجرى الأحاجي ومعادلات الفقه والطب والرياضيات والفلسفة والنجوميات.
الموسوعة العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق