السبت، 23 مايو 2015

حكم من نوى الصيام ثم مرض

 
الســــؤال :
رجل قرر أن يصوم شعبان ، وأثناء صيامه لأيام شعبان داهمه
مرض فأفطر وفي نيته إكمال شعبان بالصيام ،
 فهل له أجر تلك النية ؟ .
 
الإجابة
يرجى له ثواب ما نواه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
 
( إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل
ما كان يعمل مقيما صحيحا )
أخرجه البخاري في صحيحه ،
 
 ولقوله صلى الله عليه وسلم :
 
 ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )
 
و بالله التوفيق ،
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء

اغرس شجرة


قصة إيمان سحرة فرعون

** تحدى موسى عليه السلام فرعون بعصاه التي تحولت لحية عظيمة ,
فاتفقوا على الاجتماع في يوم الزينة وهو يوم احتفال سنوي عندهم وفيه
يجتمع الناس من كل مكان لمواجهة موسى عليه السلام مع سحرة
فرعون  ووعد فرعون سحرته بأن يجزل لهم العطاء ويجعلهم من
المقربين له عند الفوز على موسى عليه السلام في هذه المواجهة .
 
  وفي اليوم الموعود :
 اجتمع الناس وبدأ سحرة فرعون في تقديم أعمال سحرهم العظيمة التي
تسحر عيون الناس و تفتن الألباب من تحول الحبال إلى حيات تسعى , ثم
بدأ دور موسى عليه السلام في تقديم عرضه المتحدي لفرعون وسحرته
فألقى عصاه التي حولها الله تعالى لثعبان عظيم فتح فمه والتهم جميع ما
صنعه سحرة فرعون من حيات وخلافه , وهنا فقط علم سحرة فرعون أن
هذا العمل لا يقدر عليه إلا الله تعالى وعلموا أن موسى وهارون هما نبيان
أرسلهما الله تعالى لفرعون فكان رد فعلهم هو السجود لله تعالى والإيمان
بموسى وهارون عليهما السلام. وواعد فرعون سحرته العذاب وذلك
بقطع أيديهم وأرجلهم بالتبادل وبصلبهم في جذوع الأشجار وبالتنكيل بهم
إن هم ثبتوا على إيمانهم بموسى وهارون عليهما السلام , ولكن السحرة
قالوا لفرعون بثبات وبيقين قوي على الله تعالى : لن نفضلك فنطيعك
ونتبع دينك, على ما جاءنا به موسى من البينات الدالة على صدقه
ووجوب متابعته وطاعة ربه, ولن نُفَضِّل ربوبيتك المزعومة على
ربوبية اللهِ الذي خلقنا, فافعل ما أنت فاعل بنا, إنما سلطانك في هذه الحياة
الدنيا, وما تفعله بنا, ما هو إلا عذاب منتهٍ بانتهائها , فكان موقفهم
من عجائب المواقف ومن أعظم المواقف .
 
قال تعالى :
 
{ قالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا
وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى{63}
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى{64}
قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى{65}
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى{66}
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى{67} قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى{68}
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ
 وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{69}
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى{70}
قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ
فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ
وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى{71}
قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا
فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{72}
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ
وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{73}
إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى {74}
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى{75}
طه

ما حكم التوسل؟

السؤال: ما حكم التوسل؟
الإجابة لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
هذا سؤال مهم، فنحب أن نبسط الجواب فيه؛ فأقول:

 التوسل:
مصدر توسل يتوسل أي اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده؛ فأصله طلب
الوصول إلى الغاية المقصودة.

 وينقسم التوسل إلى قسمين:
القسم الأول: قسم صحيح، وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة
 إلى المطلوب؛ وهو على أنواع نذكر منها:

 النوع الأول: التوسل بأسماء الله تعالى؛ وذلك على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون ذلك على سبيل العموم؛ ومثاله ما جاء في حديث
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والغم قال:

 ( اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض
 فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت
به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك،
 أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي. )

الخ؛ فهنا توسل بأسماء الله تعالى على سبيل العموم

( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك )

الوجه الثاني:أن يكون ذلك على سبيل الخصوص بأن يتوسل الإنسان
باسم خاص لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم، مثل ما جاء في حديث
 أبي بكر رضي الله عنه حيث طلب من النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً
يدعو به في صلاته، فقال:

( قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت
فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم )

 فطلب المغفرة والرحمة وتوسل إلى الله تعالى بإسمين من أسمائه
مناسبين للمطلوب وهما "الغفور" و "الرحيم".
وهذا النوع من التوسل داخل في قوله تعالى:

{ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }
[سورة الأعراف: الآية 180]

فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة.

 النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته،
 وهو أيضًا كالتوسل بأسمائه على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون عامًا كأن تقول: "اللهم إني أسألك بأسمائك
الحسنى وصفاتك العليا" ثم تذكر مطلوبك.

الوجه الثاني: أن يكون خاصًا، كأن تتوسل إلى الله تعالى بصفة معينة
خاصة لمطلوب خاص، مثل ما جاء في الحديث "اللهم بعلمك الغيب
وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت
الوفاة خيرًا لي" فهنا توسل لله تعالى بصفة "العلم" و"القدرة"
وهما مناسبتان للمطلوب.ومن ذلك أن يتوسل بصفة فعلية مثل:
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم
 وعلى آل إبراهيم.

النوع الثالث: أن يتوسل الإنسان إلى الله عز وجل بالإيمان به، وبرسوله
صلى الله عليه وسلم فيقول:"اللهم إني آمنت بك، وبرسولك فاغفر لي
أو وفقني"، أو يقول: "اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا"،
ومنه قوله تعالى:

{ إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
 لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا
 وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ }
 [سورة آل عمران: الآيتان 190-191]

إلى قوله:

 { رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ
 فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ }
 [سورة آل عمران: الآيتان 192-193]

فتوسلوا إلى الله تعالى بالإيمان به أن يغفر لهم الذنوب، ويكفر عنهم
السيئات، ويتوفاهم مع الأبرار.

النوع الرابع: أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح؛ ومنه
قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غار ليبيتوا فيه، فانطبق عليهم الغار
بصخرة لا يستطيعون زحزحتها، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح
فعله؛ فأحدهم توسل إلى الله تعالى ببره بوالديه؛ والثاني بعفته التامة؛
والثالث بوفائه لأجيره، قال كل منهم: "اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك
فافرج عنا ما نحن فيه" فانفرجت الصخرة، فهذا توسل إلى الله
بالعمل الصالح.

النوع الخامس: أن يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله يعني أن الداعي
يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة، ومنه قول
موسى صلى الله عليه وسلم:

{ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }
[سورة القصص: الآية 24]

يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله أن ينزل إليه الخير. ويقرب من ذلك قول
زكريا عليه الصلاة والسلام:

{ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً
 وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً }
سورة مريم

 فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة؛ لأنها أسباب صالحة لحصول
المقصود بالتوسل بها.

النوع السادس: التوسل إلى الله عز وجل بدعاء الرجل الصالح الذي
ترجى إجابته، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون النبي
صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله عز وجل لهم بدعاءٍ عام، ودعاءٍ خاص؛
ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه

( أن رجلًا دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب
فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا،
فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: "اللهم أغثنا" ثلاث
مرات، فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي
المطر أسبوعًا كاملًا. وفي الجمعة الأخرى جاء ذلك الرجل أو غيره
والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: يا رسول الله، غرق
المال، وتهدم البناء فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع النبي
 صلى الله عليه وسلم يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا"
 فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، حتى خرج الناس
يمشون في الشمس.)

وهناك عدة وقائع سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم
على وجه الخصوص ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن
 في أمته سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وهم الذين
 لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام
عكاشة بن محصن وقال:

( يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: "أنت منهم" )

فهذا أيضًا من التوسل الجائز وهو أن يطلب الإنسان من شخص ترجى
إجابته أن يدعو الله تعالى له؛ إلا أن الذي ينبغي: أن يكون السائل يريد
بذلك نفع نفسه، ونفع أخيه الذي طلب منه الدعاء، حتى لا يتمحض
السؤال لنفسه خاصة؛ لأنك إذا أردت نفع أخيك ونفع نفسك صار في هذا
إحسان إليه؛ فإن الإنسان إذا دعا لأخيه في ظهر الغيب قال الملك: "آمين
ولك بمثل" وهو كذلك يكون من المحسنين بهذا الدعاء والله يحب
المحسنين.

 القسم الثاني: التوسل غير الصحيح وهو:
أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بما ليس بوسيلة، أي بما لم يثبت
في الشرع أنه وسيلة؛ لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو، والباطل المخالف
للمعقول، والمنقول؛ ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بدعاء
ميت يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له؛ لأن هذا ليس وسيلة شرعية
صحيحة؛ بل من سفه الإنسان أن يطلب من الميت أن يدعو الله له؛
 لأن الميت إذا مات انقطع عمله، ولا يمكن لأحد أن يدعو لأحد بعد موته،
حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته؛ ولهذا
لم يتوسل الصحابة رضي الله عنهم إلى الله بطلب الدعاء من رسوله
صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد
عمر رضي الله عنه قال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا
نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" فقام العباس رضي الله عنه فدعا الله تعالى.
ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغًا، ووسيلة صحيحة لكان عمر ومن
معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن
إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم أقرب من إجابة دعاء العباس رضي الله عنه
 فالمهم أن التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من ميت توسل باطل
 لا يحل، ولا يجوز.

 ومن التوسل الذي ليس بصحيح:
أن يتوسل الإنسان بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن جاه الرسول
صلى الله عليه وسلم ليس مفيدًا بالنسبة إلى الداعي؛ لأنه لا يفيد
 إلا الرسول صلى الله عليه وسلم أما بالنسبة للداعي فليس بمفيد حتى
يتوسل إلى الله به؛ وقد تقدم أن التوسل اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر.
فما فائدتك أنت من كون الرسول صلى الله عليه وسلم له جاه عند الله ؟!
وإذا أردت تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل: اللهم بإيماني بك
وبرسولك،أو بمحبتي لرسولك، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا الوسيلة
 الصحيحة النافعة.

مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح
 العثيمين المجلد الثاني - باب التوسل.

(ومضة من وفاء عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)

عَنْ أَسْلَمَ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
 إِلَى السُّوقِ فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ :
 
( يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا وَاللَّهِ
مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمْ
الضَّبُعُ وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ
 ثُمَّ قَالَ :"مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ" ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ
مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا
نَفَقَةً وَثِيَابًا ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ثُمَّ قَالَ :"اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى
يَأْتِيَكُمْ اللَّهُ بِخَيْرٍ" فَقَالَ رَجُلٌ :"يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا!"
قَالَ عُمَرُ:" ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا
حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ )
رواه البخاري 3843
 
معاني المفردات

( كراعا ):
بضم الكاف هو ما دون الكعب من الشاة ، قال الخطابي : معناه أنهم لا
يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه ، ويحتمل أن يكون المراد
 لا كراع لهم فينضجونه .
 
( ليس لهم ضرع ) :
 ليس لهم ما يحلبونه .
 
( ولا زرع ) :
أي ليس لهم نبات .
 
( وخشيت أن تأكلهم الضبع ) :
أي السنة المجدبة ، ومعنى تأكلهم أي تهلكهم . وقال الداودي سميت
بذلك لأنه يكثر الموتى فيها حتى لا يقبر أحدهم فتأكله الضبع.
 
( بنسب قريب ) :
يحتمل أن يريد قرب نسب غفار من قريش ، لأن كنانة تجمعهم .
 أو أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف .
 
( بعير ظهير ) :
 أي قوي الظهر معد للحاجة .
 
( غرارتين  ) :
 تثنية غرارة وهي التي تتخذ للتبن وغيره .
 
( بخطامه  ) :
 أي بخطام البعير وهو الحبل الذي يقاد به سمي بذلك لأنه يقع
 على الخطم وهو الأنف
 
( ثكلتك أمك ) :
 هي كلمة تقولها العرب للإنكار ولا تريد بها حقيقتها . كقولهم تربت يداك
ومعناه الحقيقي فقدتك أمك وهو الدعاء بالموت من الثُكل بضم الثاء
وسكون الكاف وهو فقد الولد.
 
( قد حاصرا حصنا ) :
 لم أعرف الغزوة التي وقع فيها ذلك ، ويحتمل احتمالا قريبا
 أن تكون خيبر لأنها كانت بعد الحديبية وحوصرت حصونها .
 
( نستفيء ) :
 أي نسترجع ، يقول هذا المال أخذته فيئا . وسمي فيئا لأنه مال استرجعه
المسلمون من يد الكفار ومنه تتفيأ ظلاله أي ترجع على كل شيء
من حوله ومنه فإن فاؤا أي رجعوا.
 
( سهماننا ) :
 أي أنصباؤنا من الغنيمة .
مستفاد من فتح الباري لابن حجر ومن عمدة القاري للبدر العيني
 
ومضات من القصّة
ما أعظم اللمحة التربويّة التي تحملها هذه القصّة ، إنها إشراقةٌ أخلاقيّةٌ
ترقى بسلوك المؤمن إلى أعلى مستوى يمكن أن تصل إليه ، وتفجّر بين
جنباته معاني الإحساس بالمسؤوليّة ؛ تظهر القصة مسؤولية الراعي
 تجاه الرعية . كما أن في القصة الوفاء والشهامة والرفق الذي
 كان بين الصحابة.
 
هنا يتجلى لكل أب وكل مربي وكل متصدق أنّ ما بذلته في حياتك من خير
وما كنت عليه من صلاح سيعود نفعه على أبنائك عاجلا أو آجلا..وصدق
الله :
 
{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا
وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ }