السبت، 17 مايو 2025

رب ارجعون

رب ارجعون


" رب ارجعون " إلى سالف الوقت يوم كانت لقلوبنا نبضات بحب الله تعالى، ولأعيننا عبرات من خشية الله.

" رب ارجعون " إلى الأيام الخالية حيث كانت أعمالنا بهمة عالية، وكانت الآخرة نصب أعيننا،

قبل أن تدخل علينا الدنيا، ويشتت همنا، ونصرخ كانت لنا قلوب ففقدناها.

" رب ارجعون " إلى أيام رمضان ولياليه، وليت العام كله رمضان، وليتنا لا نخرج من اعتكاف العشر،

لدنيا نصيبها، فرب ارجعني لأفضل أيام استقامتي، وأحلى أيام توبتي، قبل أن نغرق في أوحال المعاصي.

" رب ارجعون " إليك يا سيدي، ارجعني لسبيلك يا ربي، ارجعني لجنة الخلد حيث أخرج منها أبي آدم،

ارجعني للفردوس الاعلى ورفقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهذه دارنا فارجعنا لها.

" رب ارجعون " لعلي أعمل صالحًا.
 

وأتموا الحج والعمرة لله

وأتموا الحج والعمرة لله

قال الله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران (97)].

القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة. قال الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة (196)].

والأصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع، وهو أحد أركان الإسلام. والسبيل: الزاد والراحلة.

وقوله تعالى: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}، قال ابن عباس: ومن جحد فريضة الحج فقد كفر،

والله غني عنه. وقال سعيد بن المسيب: نزلت في اليهود حيث قالوا: الحج إلى مكة غير واجب.

وقال السدي: هو من وجد ما يحج به، ثم لم يحج حتى مات فهو كفر به.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من أطاق الحج فلم يحج، فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا. 

زكوات الأموال

زكوات الأموال


فرض الله زكوات الأموال وقدمها على فرض الحج؛ لأن في الحج مع إنفاق المال سفرا شاقا،

فكانت النفس إلى الزكاة أسرع إجابة منها إلى الحج، فكان في إيجابها مواساة للفقراء،

ومعونة لذوي الحاجات، تكفهم عن البغضاء وتمنعهم من التقاطع وتبعثهم على التواصل؛

لأن الأمل وصول والراجي هائب، وإذا زال الأمل وانقطع الرجاء واشتدت الحاجة وقعت البغضاء

واشتد الحسد فحدث التقاطع بين أرباب الأموال والفقهاء، ووقعت العداوة بين ذوي الحاجات والأغنياء،

حتى تفضي إلى التغالب على الأموال والتغرير بالنفوس. هذا مع ما في أداء الزكاة

من تمرين النفس على السماحة المحمودة ومجانبة الشح المذموم.
 

الجمعة، 16 مايو 2025

هل يوجد فرق بقول إن شاء الله وقول بإذن الله

هل يوجد فرق بقول إن شاء الله وقول بإذن الله


لا نرى فرقا بين الاستثناء بقولك : " إن شاء الله "، وقولك " بإذن الله "، وذلك لأسباب عدة ، أهمها :
أولا :
أن معنى كل من الاستعمالين متقارب ، فالتعليق على مشيئة الله ، يشابه التعليق على إذنه سبحانه ،
من حيث إن كلا من المشيئة العامة ، والإذن الكوني القدري ، من خصائص صفات الربوبية المستحق
للخالق جل وعلا ، وما شاءه الله ، فقد أذِن بكونه حقيقة ،
وما أذِن به سبحانه ، فقد شاء خلقَه وإيجادَه ، وهكذا يترادف استعمال كل منهما .
ثانيا :
أن الاستعمال القرآني لكل من هذين اللفظين أيضا متقارب ، ولم نجد فرقا بينهما في المعنى أو في السياق ،
قال تعالى : ( وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) إبراهيم/11، وقال سبحانه :
( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ) الرعد/38
وفي المشيئة يقول الله عز وجل :
( تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا ) الفرقان/10.
بل وفي القرآن الكريم بعض الآيات التي ورد فيها اللفظان يدلان على معنى متقارب في آية واحدة ،
وذلك في قول الله جل وعلا :
( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الشورى/51،
وقوله سبحانه : ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ) النجم/26
ثالثا :
لم نجد لدى المفسرين أو علماء العقيدة أو شراح الحديث من يفرق بين الاستعمالين ،
بل وجدنا عندهم من يفسر المشيئة بإذن الله سبحانه .
يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
" المراد بالمشيئة إذن الله له " انتهى من " التحرير والتنوير " (15/296) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذن الله نوعان : كوني ، وشرعي ؛ وسبق بيانهما في قوله تعالى : ( فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) البقرة/ 97 "
انتهى من " تفسير الفاتحة والبقرة " (3/36) .
ولدى الفقهاء باب يسمى باب " الاستثناء "، يَرِدُ في حديثهم عن الأيمان والنذور والطلاق وغيرها ،
وهو " كل تعليق على مشيئة الله ونحوه مما يُبطِل الحكم " كما في " الموسوعة الفقهية " (7/278)،
وقالوا : إن قولك " بإذن الله " استثناء كقولك " إن شاء الله ".
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي :
" هل يجوز الاستثناء في الحلف بغير إن شاء الله , مثلاً : بإذن الله ؟
فأجاب :
نعم يجوز , بإذن الله مثل بمشيئة الله " انتهى باختصار من " لقاء الباب المفتوح " (لقاء رقم/119، سؤال رقم/18) .

والله أعلم .
 

الحيوانات ومشاهدتها


الحيوانات ومشاهدتها

السؤال:

وضع الحيوانات في حديقة الحيوانات، وحبسها لمشاهدتها

الجواب:

ما نعلم في هذا شيء، لا حرج في ذلك؛ لأن فيه فوائد، يعرف الناس هذه الحيوانات

ويقفون عليها، لا بأس بذلك، يعرفونها ويتفرجون عليها، إذا كان الحابس لها يقوم

بحاجتها، يعطيها حاجاتها من الطعام والشراب، إذا حبسها وأعطاها حاجاتها

فلا حرج إن شاء الله.

المصدر: فتاوى الشيخ ابن باز

الجبال مع الإشارات القرآنية

الجبال مع الإشارات القرآنية

دعونا نتأمل هذا البحث الجديد حول الجبال وكيف جاء مطابقاً تماماً للآيات القرآنية .
. كلمتان فقط لخصتا لنا هذا البحث.. لنقرأ....
سلسلة جبال الأطلس في المغرب، وتبين لها ما يلي:
1- الجبال ترتفع لحدود 4 كيلو متر، ولكنها تغوص عميقاً في الأرض لعمق 35 كيلومتر.
كل جبل يتميز بوجود جذور عميقة أثبتها العلماء وهذه الجذور كثيفة وثقيلة، وتمتد لمسافات عميقة جداً تحت سطح الأرض.
2- هذه الجبال تعوم على طبقة منصهرة ووجود جذور عميقة لها يضمن الاستقرار والتوازن.
إن الجبال الجليدية تتميز بوجود كتل جليدية هائلة في أسفل الجبل تعمل مثل المرساة في السفينة،
ولولا هذه الجذور لا يمكن للجبل الجليدي أن يتوازن وسوف ينقلب كما تنقلب السفينة عندما تفقد توازنها.
يبين المخطط البياني هذا وجود جذور للجبال تعمل مثل الأوتاد وتساهم في تثبيت الجبل لأنه يعوم فوق
طبقة سائلة مرتفعة الحرارة. لقد تم استخدام أجهزة مسح الزلازل وتم تسجيل اهتزازات الأرض
حيث تمثل الخطوط المنحية هذه الأمواج الصادرة عن اهتزازات الأرض.
الخطوط الزرقاء هي حدود فاصلة بين طبقات مختلفة الكثافة وتشير إلى نهاية جذور الجبال المنغرسة
في الأرض (نلاحظ أن أوتاد الجبال تمتد وسطياً 35 كيلومتر).
العجيب أننا نجد ذكراً لهذه الحقائق في القرآن الكريم:
1- القرآن أخبر عن أشكال الجبال، قال تعالى: (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) [النبأ: 7]. وهذه إشارة قوية
تؤكد أن الجبل يأخذ شكل الوتد المنغرس في الأرض
وبالفعل هذا ما رآه العلماء من خلال أجهزة قياس الهزات الأرضية Seismometers.
2- القرآن يؤكد أن هذه الجبال هي رواسي تشبه السفينة التي تعوم على السائل، قال تعالى:
(وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) [الأنبياء: 31]،
هذه الآية تؤكد أهمية الجبال في توازن الأرض أو ما يسمى Isostasy لأن القشرة الأرضية رقيقة جداً
وتحتاج لهذه المثبتات أو الجبال لتبقى هذه القشرة في حالة توازن.
إذاً بكلمتين لخص لنا القرآن هذا البحث، الكلمة الأولى (أَوْتَادًا) وهي تصف لنا شكل الجبل
وبالفعل هذا وصف دقيق جداً ، فكما أن الوتد ينغرس معظمه في الأرض كذلك الجبل ينغرس معظمه تحت الأرض.
والكلمة الثانية (رَوَاسِيَ) تصف لنا عمل الجبل، وبالفعل ثبت يقيناً أن الجبل يطفو على طبقة سائلة
وهذا واضح من عنوان البحث الأصلي Mountains float on superhot rock من خلال كلمة (float) أي الجبال تطفو.
وكذلك من خلال “Isostasy” أي توازن وهو ما عبر عنه القرآن بكلمة (أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) أي تنقلب وتضطرب ..
وأخيراً..
ماذا يدل هذا التطابق الكامل بين بحث علمي مؤكد نشر في 2014 وبين كتاب أنزل قبل أكثر من 1400 عام؟
إنه يدل على أن هذا الكتاب هو كلام الله تعالى، لأنه يستحيل في ذلك الزمن التنبؤ بهذه الدراسة العلمية الدقيقة..
وبالتالي تتجلى أمامنا دقة كلمات القرآن وبلاغتها، فكل كلمة في كتاب الله تعالى لها مهمة وعمل محدد،
وفي كلمتين (أَوْتَادًا) و (رَوَاسِيَ) وصف علمي دقيق لشكل الجبال وآلية عملها..
وهذا منتهى الإعجاز.. ولا نملك إلا أن نقول سبحان الله !!

ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل

الخميس، 15 مايو 2025

ما يعينك على القيام

 ما يعينك على القيام


أقلل من الطعام؛ فإن كثرة الطعام مجلبة للنوم،

ولا يخف قيام الليل إلاَّ على من قلَّ طعامه،

ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حدود الشبع وآدابه

فقال: «ما ملأ آدمي وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه،

فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».

[رواه أحمد والترمذي، وهو في صحيح الجامع برقم: 5550].

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ


قال تعالى:
" الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ "
[البقرة: 197]
ذكر الحج في الآية ثلاث مرات، فما هو المراد بالحج في كل مرة؟ (ج)
المراد بالأول: زمان الحج.
وبالثاني: الحج نفسه المسمى بالنسك.
وبالثالث: ما يعم الزمان والمكان وهو الحرم [آيات الأحكام للصابوني].
 

المجاهر بالمعاصي

المجاهر بالمعاصي


السؤال:
هل الكلام في عرض الشخص الذي يزني أو يترك الصلاة
يكون من الغيبة أم لا؟

الجواب:
من أظهر المعاصي لا غيبة له، من لا يصلي يجب أن ينكر عليه ويذكر بعيبه
ويحذر منه ويهجر ولا تجاب دعوته، ولا يزار، ولا يعاد إذا مرض حتى يتوب
إلى الله عز وجل، وهكذا من أظهر الفواحش بين الناس كالزنا جهرةً بين
الناس أو شرب الخمر كل هذه المعاصي الظاهرة يستحق صاحبها الهجر
والإنكار والتأديب، وأعظمها ترك الصلاة فإنه كفر، كفر أكبر، وإن لم يجحد
وجوبها فهو كفر أكبر في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي ﷺ:
)العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )
أما من جحد الوجوب كفر بإجماع المسلمين.

وقد بين أهل العلم أن من تجاهر بالمعاصي يستحق الهجر، وقد هجر النبي
ﷺ ثلاثةً من الصحابة تخلفوا عن الغزو بغير عذر شرعي فهجرهم النبي ﷺ
وهجرهم الصحابة خمسين ليلة حتى تابوا وتاب الله عليهم.

فلا يجوز للمسلمين أن يتساهلوا مع تارك الصلاة، بل يجب أن يهجروه
ويجتهدوا في أسباب هدايته، فإن اهتدى وإلا وجب على ولي الأمر أن
يستتيبه، فإن تاب وإلا قتل عن طريق المحكمة الشرعية وما يقوم مقامها،
استتابته لعله يرجع لعله يتوب، ولا يجدوا إيمان الناس إذا عرفوا بأنهم قد
تركوا الصلاة وهم يدعون الإسلام، وهكذا من تظاهر بالمعاصي بشرب
الخمر أو الربا أو القمار أو ما أشبه هذا من المعاصي الظاهرة يجب أن يمنع
من ذلك وأن يقام عليه الحد إذا كانت المعصية فيها حد كالخمر، أو يؤدب
ويعزر بما يردعه إذا كانت المعصية لا حد فيها كالقمار والربا ونحو ذلك؛
لأن هذا من أسباب صلاح المسلمين، ومن أسباب صلاح المجتمع، ومن
أسباب اختفاء الرذائل وظهور الفضائل، وإذا ترك الناس من غير ردع
انتشرت المنكرات، وظهرت الشرور، وفسد المجتمع ولا حول ولا قوة
إلا بالله، نسأل الله السلامة والعافية. نعم.

فتاوى الشيخ ابن باز

 

الأربعاء، 14 مايو 2025

للمتدبرين أسرار

 للمتدبرين أسرار


فالتمحيص تخليص الشيء ممَّا يخالطه ممَّا فيه عيب له فهو كالتزكية،

وقلوبنا تحتاج إلى تمحيصات، وتحتاج إلى عمليات إزالة شوائب،

وشفط لدهون الأوزار المتراكمة على القلب، والتي توشك أن تصيبة بجلطات فيها هلاكه،

فلابد من (تمحيص) الآن أجري العملية بالعمل المستمر للإزالة بغير التدخل الطبي، الآن بالوقاية،

وهذا بتحقيق قوله صلى الله عليه وسلم: " فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه "

أريد أن تتوقفوا عند " نزع " مع " وليمحص " هذه هي الطريقة " انزع " الغفلة بالذكر،

محص الكبر بالتواضع، انزع كثرة الكلام اللغو بشغل اللسان بالمناجاة والتضرع،

وإلا فالتدخل الطبي غير مأمون العواقب، والمقصود الابتلاءات الشديدة فحذار "

والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما " فهو حليم لا يعاجل بالعقوبة،

ولكن احذر " إن بطش ربك لشديد "

نجاتك في مناجاتك

نجاتك في مناجاتك


إلهي ! لولا أنّك بالفضلِ تجود، ما كانَ عبدُكَ إلى الذنبِ يعُود.

ولولا محبّتُك للغفران، ما أمهلتَ مَن يُبارزُكَ بالعصيان، وأسبلت سترك على من تسربَلَ بالنسيان، وقابلتَ إساءتَنا منكَ بالإحسان.

إلهي ! ما أمرتَنا بالاستغفارِ إلاّ وأنتَ تُريدُ المغفرة، ولولا كرمُك ما ألهمتَنا المعذرة.

أنتَ المبتدئُ بالنوالِ قبلَ السؤالِ، والمعطي مِن الإفضالِ فوقَ الآمال، إنّا لا نرجُو إلاّ غفرانَك، ولا نَطلبُ إلاّ إحسانَك.

إلهي ! أنتَ المحسنُ وأنا المُسيء، ومِن شأنِ المحسن إتمامُ إحسانِه، ومِن شأنِ المسيءِ الاعترافُ بعدوانِه.

يا مَن أمهلَ وما أهمَل، وسَترَ حتّى كأنّه غفَر، أنتَ الغنيُّ وأنا الفقير، وأنتَ العزيزُ وأنا الذليل.

إلهي ! مَن سواكَ أطمعَنا في عفوِك وجودِك وكرمِك؟ وألهمَنا شُكرَ نعمائِك،

وأتى بنا إلى بابِك، ورغّبَنا فيما أعددّتَه لأحبابِك؟ هل ذلكَ كلُّه إلاّ منكَ، دللتَنا عليكَ، وجئتَ بنا إليك. 

فضول الكلام

 فضول الكلام

الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدله،وألهمه نور الإيمان فزينه به وجمله، وعلمه البيان فقدمه به وفضله،
وأمده بلسان يترجم به عما حواه القلب وعقله، فاللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة
، فإنه صغير جرمه عظيم طاعته وجرمه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان وهما غاية الطاعة والعصيان،
ومن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخى العنان سلك به الشيطان في كل ميدان،
وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم،
ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة
ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله، ففي حديث معاذ رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم:

" وهل يكب الناس في النار على وجوههم ـ أو قال على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم "
والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات،
ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيراً من قول أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد الندامة.

وظاهر حديث معاذ يدل على أن أكثر ما يدخل الناس به النار النطق بألسنتهم
فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك وهو أعظم الذنوب

عند الله عز وجل، ويدخل فيها القول على الله بغير علم وهو قرين الشرك، ويدخل فيها شهادة الزور
والسحر والقذف وغير ذلك من الكبائر والصغائر كالكذب والغيبة والنميمة، وسائر المعاصي الفعلية لا يخلو غالبا
من قول يقترن بها يكون معينا عليها.

وقد ورد في فضل الصمت أحاديث كثيرة، منها حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال:
" قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف على؟ قال: هذا وأخذ بلسانه ".

وفي كتاب الإيمان في صحيح البخاري قوله: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "،
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: " قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت "
وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ففيه أمر بقول الخير وبالصمت عما عداه،
فالكلام إما أن يكون خيرا فيكون مأمورا بقوله، وإما أن يكون غير ذلك فيكون مأموراً بالصمت عنه،
وقد قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18).

الثلاثاء، 13 مايو 2025

يا أيها الغافل

 يا أيها الغافل !

يا أيها الغافل ! الغارق في المعاصي ! هل علمت أن للمعاصي عقوبات تحل بأهلها في الدنيا والآخرة؟

إن نيران المعاصي إذا اشتعلت أحرقت كل شيء ! ونيران المعاصي لا تطفئها إلا التوبة النصوح؛
التي يخلص العبد فيها الرجوع إلى الله تعالى فيا من أوبقتك المعاصي! انج بنفسك من عقوباتها قبل أن تنزل بك.

قال الله تعالى: " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [الروم: 41].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع
لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب» (رواه ابن ماجه صحيح ابن ماجة ) .

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يملي للظالم، فإذا أخذه لم يُفلته» ثم قرأ "
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " (رواه البخاري ومسلم).

الغَضَبُ غَريزةٌ

الغَضَبُ غَريزةٌ


الغَضَبُ غَريزةٌ رَكَّبَها اللهُ في طَبيعةِ الإنسانِ، وهو: تَغيُّرٌ يَحصُلُ عِندَ فَوَرانِ دَمِ القَلبِ؛ لِيَحصُلَ عنه التَّشَفِّي في الصَّدرِ،

والنَّاسُ مُتَفاوِتونَ في مَبْدَئِه وأثَرِه؛ ومِن ثَمَّ كان منه ما هو مَحمودٌ، وما هو مَذمومٌ؛ فمَن كان غَضَبُه في الحَقِّ،

ولا يَجُرُّه لِمَا يُفسِدُ عليه دِينَه ودُنياه؛ فهو غَضَبٌ مَحمودٌ. ومَن كان غَضوبًا في الباطِلِ،

أو لا يَستَطيعُ التَّحكُّمَ في غَضَبِه إذا غَضِبَ، ويَجُرُّه الغَضَبُ لِتَجاوُزِ الحَدِّ، وإفسادِ دِينِه ودُنياهُ؛ فهذا غَضَبٌ مَذمومٌ.

وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:

«ليس الشَّديدُ بالصُّرَعةِ»، أي: لا تظُنُّوا أنَّ الرَّجلَ القويَّ هو ذلك الرَّجلُ الَّذي يَتمتَّعُ بقوَّةٍ بَدنيَّةٍ يَستطيعُ

بها أنْ يَصرَعَ الآخَرين، وإنَّما الرَّجلُ القويُّ حقًّا الكاملُ في قوَّتِه،

هو الرَّجلُ القويُّ في إرادتِه، الَّذي يَستطيعُ أنْ يَتحكَّمَ في نفْسِه عندَ الغَضبِ، ويَكظِمَ غَيْظَه ويتحَلَّمَ،

ويَمنَعُ نفْسَه عن تَنْفيذِ ما تَدْعوه إليه مِن إيذاءِ النَّاسِ بالشَّتْمِ والضَّرْبِ والعُدوانِ، وغيرِ ذلك من أنواعِ الإيذاءِ.

وهذا يدُلُّ على أنَّ مجاهَدةَ النَّفسِ أشَدُّ مِن مجاهدةِ العَدُوِّ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم

جعل للذي يملِكُ نَفْسَه عند الغَضَبِ من القُوَّةِ والشِّدَّةِ ما ليس للذي يغلِبُ النَّاسَ ويَصرَعُهم.

وفي الحَديثِ: أنَّ مِن أعظمِ الأدلَّةِ على قوَّةِ الشَّخصيَّةِ: الحِلمَ، وضَبْطَ النَّفسِ عندَ الغضبِ.

وفيه: أنَّ الغضَبَ وإنْ كان غَريزةً نفْسيَّةً جبَّارةً، فإنَّه يُمكِنُ مُقاومتُه بعْدَ وُقوعِه.

وفيه: أنَّ مُقاومةَ الغضبِ وامتلاكَ النَّفسِ عند وُقوعِه، مِن أفضلِ الأعمالِ الصَّالحةِ الَّتي يُثابُ عليها.

وفيه: فَصيحُ كَلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتصويبُه للمفاهيمِ الخاطِئةِ؛

لأنَّه لَمَّا كان الغضبانُ في حالةٍ شَديدةٍ مِن الغيظِ، وقدْ ثارَتْ عليه شَهوةُ الغضبِ،

فقهَرَها بحِلمِه، وصرَعَها بثَباتِه -كان كالصُّرَعةِ الَّذي يَصرَعُ الرِّجالَ ولا يَصْرَعونَه. 

الإمام ابن الجوزي

الإمام ابن الجوزي


الإمام ابن الجوزي: «من تأمل عواقب المعاصي، رآها قبيحة، ولقد تفكرت في أقوام أعرفهم،

يقرون بالزنا وغيره، فأرى تعثرهم في الدنيا مع جلادتهم ما لا يقف عند حد، وكأنهم ألبسوا ظلمة؛

فالقلوب تنفر عنهم؛ فإن اتسع لهم شيء؛ فأكثره من مال الغير، وإن ضاق بهم أمر؛

أخذوا يتسخطون على القدر هذا وقد شغلوا بهذه الأوساخ عن ذكر الآخرة، ثم عكست فتفكرت

في أقوام صابروا الهوى، وتركوا ما لا يحل، فمنهم من قد أينعت له ثمرات الدنيا،

من قوت مستلذ ومهاد مستطاب وعيش لذيذ وجاه عريض؛ فإن ضاق بهم أمر وسعه الصبر،

وطيبه الرضى ففهمت بالحال معنى قوله تعالى: " إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " [يوسف: 90]».

الاثنين، 12 مايو 2025

لا تعلِّموا العلم إلا لمن يعطي ثمنه

لا تعلِّموا العلم إلا لمن يعطي ثمنه

قال رحمه الله:

لا تعلِّموا العلم إلا لمن يعطي ثمنه، فقيل له: وما ثمنه؟ قال: «يضعه العالم عند من يعمل به»

وبيَّن سفيان الثوري السبب في ما قال عكرمة، فانطلق يشرح:

«إذا رأيتم طالب العلم يطلب الزيادة من العلم دون العمل فلا تعلِّموه،

فإنَّ من لم يعمل بعلمه كشجرة الحنظل كلما ازداد ريًّا بالماء ازداد مرارة،

وإذا رأيتموه يُخلِّط في مطعمه ومشربه وملبسه ونحو ذلك ولا يتورع،

فكُفُّوا عن تعليمه تخفيفًا للحجة عليه غدًا» .

وصدق الشاعر حين قال:

لو كان العلم دون التقى شرف لكان أشرف خلق الله إبليس

لذا لما بعث قوم إلى سفيان الثوري يطلبون أن يُحدِّثهم اشترط عليهم:

«حتى تعملوا بما تعلمون، ثم تأتوني فأحدِّثكم»، ثم أردف في صراحة فاضحة:

«يدنِّسون ثيابهم ثم يقولون تعالوا اغسلوها!!»

ولذا خوَّفك سري بن المغلِّس السقطي فقال:

«كلما ازددت علمًا كانت الحجة عليك أوكد» 

وأهل النار خمسة

وأهل النار خمسة



قال صلى الله عليه وسلم:

" إن رجالا يتخوَّضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة "

ويدخل في هذا الحديث: المرتشون، والغشاشون، وأي مؤتمن خائن،

وكل من استرعاه الله أمانة فخانها، والذين ينظرون إلى مصالح الأمة على أنها غنيمة باردة

ولقمة سائغة وفرصة للتربح وحيلة للثراء، وفي حديث البخاري:

" وأهل النار خمسة:...، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دقَّ إلا خانه،... ".

وما أجمل هذه الوصية التي وجَّهها والدٌ رحيمٌ بولده مشفق عليه من عواقب شرهه،

وهو والد عبيد الله بن شميط بن عجلان حين رأى في المال وظيفة أخرى عند أهل النفاق فقال موصيا ابنه:

" الدنانير والدراهم أزِمَّة المنافقين بها يُقادون إلى النار "

ولسنا نتعلم أصول الأمانة وطهارة اليد من جيل أتقى من الصحابة عليهم سحائب الرضوان.
 

المعصية الواحدة

 المعصية الواحدة

المعصية الواحدة قد يغفرها الله لك كما يملك أن يُعذِّبك بها فاسمع: «يا مغرورًا بالأماني:
لُعِن إبليس وأُهبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أُمر بها، وأُخرج آدم من الجنة بلقمة تناولها،
وحُجب القاتل عنها (أي: الجنة) بعد أن رآها عيانًا بملء كف من دم، وأُمر بقتل الزاني أشنع القتلات
بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحل له، وأمر بإيساع الظهر سياطًا (أي: الجلد) بكلمة قذف أو بقطرة من مسكر،
وأبان عضوًا من أعضائه بثلاثة دراهم 1، فلا تأمنه أن يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيه " وَلَا يَخَافُ عُقۡبَـٰهَا " [الشمس: 15].

دخلت امرأة النار في هِرَّة، وإن الرجل المتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب» 2.

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي درج الجنان ونيل فوز العابد

ونسيت أن الله آخرج أدمًــــــــــــا منها إلى الدنيا بذنب واحد

وقد تنسى ذنبك ولكن الله لا ينسى!!

نموت ونبــــلى غيـــر أنَّذنـــــــــــــوبنا إذا نحــــــن مِتـــنا لا تموت ولا تَبلى.

الأحد، 11 مايو 2025

عبادات ضائعة

 عبادات ضائعة


قال النبي عليه الصلاة والسلام: رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع،

و رب قائم ليس له من قيامه إلا السهر.

و تأمل حال هذا الصائم الذي ضاع صيامه بذنب أذنبه:

كلمة غيبة أو افتراء كذب أو نظرة حرام أو رشوة،

فخسر الآخرة و باع الدين، واتعب جسده من غير طائل أو مصلحة.

قال يحي بن كثير:

* يصوم الرجل عن الحلال الطيب، و يفطر على الحرام الخبيث- لحم أخيه- يعني اغتيابه.

و تأمل حال هذا القائم الذي نوى بقيامه مراءاة الناس، فحبط عمله و ضاع ثوابه، بسبب هذه الخطيئة القلبية.

الحرمان اليوم أهون

 الحرمان اليوم أهون


أظنك يا أخي لم تسمع حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي قال فيه:

أن كنتم تحبون حلية الجنة و حريرها، فلا تلبسوها في الدنيا.

إخواني... من لبس الحري في الدنيا حرم من لبسه في الآخرة،

و من شرب الخمر في الدنيا حرمها في الجنة، ومن أطلق بصره اليوم في بنات الطين

حرم غدا النظر إلى الحور العين، و من استمع إلى غناء الدنيا حرم الاستماع إلى غناء الآخرة.

قال ابن عباس: ويرسل ربنا ريحا تهز ذوائب الأغصان

فتثير اصواتا تلذ لمسمع الـ انسان كالنغمات و الألحان

يا أيها الآذان لا تتعوضــي بلذاذة الأوتار و العيــدان

واحدة بواحدة

قال سلمة بن دينار: ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم.

وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ

وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ


قَالَ الله تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

وقال تَعَالَى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134].
1/621-

وعن أَنسٍ قَالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَحْسنَ النَّاسِ خُلقًا. متفقٌ عَلَيْهِ.
2/622-

وعنه قَالَ: مَا مَسِسْتُ دِيباجًا ولا حَرِيرًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلا شَمَمْتُ رائحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِن رَسُولِ اللَّه ﷺ،
وَلَقَدْ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عشْرَ سِنينَ، فَما قالَ لي قَطُّ: أُفٍّ، وَلا قالَ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَهُ؟
وَلا لشيءٍ لَمْ أفْعَلْهُ: أَلا فَعَلْتَ كَذا؟ متفقٌ عليه.

3/623- وعن الصَّعْبِ بنِ جَثَّامَةَ قَالَ: أَهْدَيْتُ رسُولَ اللَّهِ ﷺ حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَرَدَّهُ عليَّ، فَلَمَّا رأَى مَا في وَجْهي قالَ: إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ متفقٌ عَلَيْهِ.

فهذه الآيات والأحاديث فيها الحثّ على إحسان الخُلُق، وطلاقة الوجه، وطيب الكلام مع المسلمين
، ومع الأقارب، ومع الأهل، هكذا كان ﷺ حَسَنَ الخُلُق مع الناس، قال الله جلَّ وعلا:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]،

وأوصى ﷺ معاذًا فقال: وخالِق الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ، والله جلَّ وعلا يقول: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

قالت عائشةُ رضي الله عنها: "كان خلقه القرآن"، يعني: يعمل بأوامر القرآن، وينتهي عن نواهي القرآن،
ويعمل بما حثَّ عليه القرآن ورغَّب فيه.
وقال تعالى في وصف المتقين: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133، 134]، فهذا من حُسن الخلق: كظم الغيظ، والعفو عن الناس،

وقال تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199].

وقال أنسٌ : "كان النبيُّ ﷺ أحسنَ الناس خلقًا"، بطيب الكلام، وطلاقة الوجه، والعفو، والصفح عليه الصلاة والسلام.
وخدمه أنسٌ عشر سنين فلم يقل له شيئًا يسوؤه مع طول المدة، وكان أنسٌ أديبًا ممتثلًا
لما يُرشد إليه عليه الصلاة والسلام، وكان حين خدمه ابن عشر سنين، وتوفي عنه النبيُّ ﷺ وهو ابن عشرين سنةً .
ولما أُهدي إليه حمار وحشي وهو مُحْرِمٌ في حجَّة الوداع ردَّ على مَن أهداه، فلمَّا رأى ما في
وجهه من التَّغير قال: إنَّا لم نردّه عليك إلا أنا حُرُمٌ يعني: ما رددناه عليك لأنَّ في أنفسنا عليك شيئًا
، إنما رددناه لأنَّا حُرُمٌ، يعني: مُحرمون، والمحرم لا يأخذ الصيد، ولا يقبل الصيد، ولا يصيد الصيد،
ولا يشتريه، فبيَّن له ﷺ أنه ردَّه للعذر الشرعي؛ حتى لا يجد في نفسه ويظنّ أنه ردَّه عليه لأمرٍ آخر.
والمقصود أن المؤمن يُراعي خاطر أخيه بطلاقة الوجه، يقول ﷺ: إنَّكم لا تسعون الناسَ بأموالكم،
ولكن ليسعهم منكم بسطُ الوجه، وحُسن الخلق، فإذا خاطب أخاه بشيءٍ وخشي
أن يكون في نفسه شيءٌ فعليه أن يُبين له الأسباب التي تُزيل ما في النفس.
وفَّق الله الجميع.