الثلاثاء، 14 فبراير 2012

تَميم بن أُبيّ بن مُقبِل


بسم الله الرحمن الرحيم
تَميم بن أُبيّ بن مُقبِل

(... ـ بعد 60 هـ /... ـ بعد 679م)
تَميم بن أُبيّ بن مُقبِل بن عوف، أبو كعب، ينتهي نسبه إلى بني العجلان من عامر بن صعصعة، من قيس عيلان. شاعر مخضرم معمَّر، عاش في الجاهلية زمناً، ثم أدرك الإسلام وأسلم، وعاش فيه زمناً فأدرك زمن عبد الملك بن مروان، يدل على ذلك ذكره حرب قيس وتغلب بالجزيرة، وهجاؤه الأخطل شاعر تغلب. وقيل بلغ عمره نحو مئة وعشرين عاماً. وكان أعور، وهو أحد عوران قيس الخمسة من الشعراء.
ورث في الجاهلية الدهماءَ زوجةَ أبيه بعد وفاته، وتزوجها على عادة الجاهليين، وأحبها حباً شديداً، وحظيت عنده حظوة عظيمة وتعلّق بها، ولمّا أسلم فرّق الإسلام بينهما، فلم يستطع سلوانها، وظل يذكرها ويحن إليها في شعره، من ذلك قوله:
هل عاشقٌ نال من دهماءَ حاجتَه
في الجاهليةِ قبل الدِين مرحومُ
وفي الإسلام تزوج، على كَبر، سليمية بنت عَصَر العُقيلي في قصة مشهورة وردت في أخباره، وذكرها في شعره، فقال:
قالت سُليمى ببطن القاع من سُرُح
لا خير في العيش بعد الشَيب والكِبَرِ
وكان لابن مقبل ابنة تدعى أم شريك، ويبدو أنها كانت على شيء من العلم والأدب، فقد أخذ عنها العلماء رواية بعض أشعاره وشرح ألفاظها.
عاش تميم جُلَّ حياته في البادية، ولم يقرب الحاضرة إلا لماماً، ولذلك لم نجد له أثراً في الحواضر، ولا مشاركة فيما كان يجري من أحداث في زمنه، باستثتناء نزعته العثمانية التي ظهرت بعد مقتل عثمان بن عفان[ر] رضي الله عنه، فكان ابن مقبل شديد المطالبة بثأره داعياً إلى ذلك بقوة، وله قصائد في وقعة صفين.
ويبدو أن ابن مقبل كان رقيق الإسلام، جافياً في الدين، فقد عُرف عنه أنه كان كثير الحنين إلى الجاهلية يبكي أهلها وذكرياته فيها، ولما سئل عن ذلك قال:
ومالي لا أبكي الديارَ وأهلَها
وقد زارها زوّارُ عكٍّ وحميرا
ألهفي علي عزٍّ عزيز وظهرة
وظلّ شباب كنتُ فيه فأَدبرا
يُعدُّ تميم بن أبي بن مقبل في فحول الشعراء المخضرمين، وقد جعله ابن سلام في الطبقة الخامسة من طبقات فحول الشعراء الجاهليين. وكان الأخطل يعد ابن مقبل في أشعر الناس. أما الأصمعي فكاه يراه دون ذلك.
ولشعر ابن مقبل أهمية بالغة عند اللغويين لكثرة الغريب فيه، ولما فيه من ظواهر لغوية وأمثلة فصيحة صحيحة، ولغلبة الطابع البدوي عليه، ولذلك أكثرت كتب اللغة والأدب من الاستشهاد بشعره.
تناول ابن مقبل في شعره كل موضوعات الشعر العربي المعروفة، بيد أن بعض هذه الموضوعات كان هزيلاً بالقياس إلى غيره. فقد أكثر من الوصف، وشملت أوصافه معظم ظواهر البادية وصورها وما يراه فيها من طيور وحيوانات وشجر، وسحاب ومطر وسيل، وفرس وجمل وناقة وثور وحشي، وسلاح وغارة وظعائن، كما برع في وصف قِداح الميسر، وكان يصفها بالأبيات ذوات العدد حتى قيل:قِدْح ابن مقبل.
وكان لمعاني الفخر نصيب وفر في شعره، ولاسيما تلك المعاني والقيم التي كان العربي في الجاهلية يعتّد بها، كالفخر بالأنساب، والقبيلة ومكانتها وعزتها ومنعتها، وبالشجاعة والإقدام والنجدة، والكرم وبذل المال والقيام بواجبات الضيف، وبمعاقرة الخمر ولعب الميسر، وما إلى ذلك من مفاخر إضافة إلى إبراز سجاياه ورزانته.
كما برز الغزل في شعره بروزاً واضحاً من غير إسفاف أو تصريح، مما يدل على أنه كان يتناول هذا الموضوع على أنه تقليد فني متبع في الغالب، ويؤيد هذا أن معظم غزله جاء في مقدمات قصائده، أو على سبيل الذكرى والحنين، دون أن يوحي ذلك الغزل بعاطفة متأججة.
أما الهجاء فكان قليلاً، في شعره، ولعله كان يتخلق بطباع تمنعه من مهاجاة الناس والنيل منهم، وكانت نفسه تأنف من الهجاء، ولاسيما إذا كان المهجو من قبيلته قيس عيلان، والأخبار تدل على ذلك وتؤيده، من ذلك أنه لما هجا الأعورُ بن براء الكلابي قومَ ابن مقُبل، وحمله قومه على الردّ امتنع من هجائه لأنه قيسي من قبيلته وقال:
ولستُ وإن شاحنتُ بعضَ عشيرتي
لأذكر ما الكهل الكلابي ذاكرُ
وكانت لابن مقبل مشاركة شعرية في الحرب التي نشبت بالجزيرة بين قيس وتغلب زمن عبد الملك بن مروان، فهجا قبيلة تغلب وهجا شاعرها الأخطل.وكان المدح أقل الموضوعات ظهوراً في شعره، ولعل مرد ذلك إلى أنه لزم البادية، ولم يكن له اتصال ظاهر بأولي الشأن في زمنه، كما أنه كان يأبى التكسُّب في شعره.
وكذلك كانت مراثيه قليلة، وأبرز رثائه كان في عثمان بن عفان، وقد ضمنه المطالبة بثأره، ومن رثائه قوله:
ليبكِ بنو عثمانَ مادام جذمُهم
عليه بأسيافٍ تُعرَّى وتُخشَب
وكان ابن مقبل معجباً بشعره معتداً به وبمقدرته عليه، فقد قال:
إذا متُّ عن ذكرِ القوافي فلن تَرى
لها تالياً بعدي أطبَّ وأشعرا
وقد عُني القدماء والمحدثون بشعره، فجمعوه وتناولوه بالشرح والإيضاح والتعليق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق