السبت، 9 فبراير 2019

زميلاتي لا يتودَّدن إليَّ إلا لمصلحتهنَّ

زميلاتي لا يتودَّدن إليَّ إلا لمصلحتهنَّ

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاةٌ مِن نوعِ المحدودي العَلاقات الاجتماعية، وليس لدي صديقات

يُذْكَرن، وفي دراستي متفوِّقة - والحمد لله - وطيِّبة لدرجة جيدة،

لكن لديَّ سؤال كثيرًا ما حيَّرني؛ فأنا أحسُّ أني أُستَغَل بدرجةٍ كبيرة،

خاصة من زميلات الدراسة؛ إذ هنَّ لا يتحدَّثنَ معي، ولا يُلقِين حتى

التحية عليَّ، لكن بمجرد اقتراب الامتحانات تَكثُر عليَّ التحيات، والمودَّة،

والأُلْفة، وكل هذا فقط مِن أجل مساعدتهنَّ في فهمِ الدروس، وهناك

مَن لا تأتي للجامعة، وهي متَّكِلة عليَّ، حتى أعطيها المحاضرات التي أحضرها!

أنا أحب مساعدة الناس؛ لأنه واجب اجتماعي، لكنني أحس بأنني مستغلَّة

بدرجة تكاد تَخنِقُني، ويضايقني هذا الأمر جدًّا؛ فأنا لا أحبُّ هذا الوضع

بتاتًا، ومن جهة أخرى أحبُّ أن أكونَ متفوِّقة دراسيًّا، وأن أكتمَ بعضَ



معلوماتي التي تعبتُ في الحصول عليها، وسهرتُ الليالي من أجل جمعِها.

سؤالي هو: هل أمتنع عن مساعدةِ زميلات الدراسة؛ تحقيقًا لرغبتي في

إحلال الراحة النفسية لي، والتفوق الدراسي، أو أبقى على

حالتي برغم الضغوطات التي أشعر بها؟!

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

ابنتي الكريمة، وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

سائلين المولى القدير

أن يستخدمنا ويسخِّرنا في تقديمِ ما ينفعكِ وينفع جميعَ المُستشِيرين.

كما أودُّ أن أحيِّي ما لمستُه فيكِ من طموحٍ وبذلٍ في سبيله، وكياسةٍ وخلقٍ نبيل،

ولومٍ ذاتيٍّ محمود، وهي سماتٌ إيجابيةٌ تُحسَب لكِ، وأتمنَّى منكِ تعزيزَها

واستثمارَها في جميع نواحي حياتِكِ، وليستِ الدراسية فقط؛ لتكوني قدوةً

ونموذجًا صالحًا يُحتَذى به، بإذن الله تعالى.

إن مدَّ يدِ العون والمساعدة لكلِّ سائلٍ هي من كرمِ ونُبْلِ الأخلاق،

التي ترفعُ قدرَ صاحبِها عند الناس، وهناك مَن هم أكثر سموًّا ورقيًّا

في الخُلُق، وهم الذين يبقون على إحسانِهم حتى لمن أساء إليهم،

ولذلك - يا عزيزتي - فإن حسنَ الخُلُق يعدُّ أيضًا مراتبَ ودرجاتٍ،

كما هو حال المراتب الأكاديمية والوظيفية والاقتصادية وغيرها،

ولأني لمستُ فيك الطموحَ الأكاديمي، أتمنَّى منكِ أن تَرتَقِي للطموحِ

في مراتب الخُلُق أيضًا، والتي أجدُكِ قد ارتقيتِ فيها مراتبَ محمودةً

- بفضل الله تعالى - وحتَّى تروِّضي نفسَكِ على ذلك، وهو الإحسان

لمَن أساء إليكِ بنفس مطمئنة - فما عليكِ إلا قيامك بحصرِ فكرِكِ في

الغاية من تقديمِ مساعدتك وعطائك، وهي نَيْلكِ رضا الله تعالى وحده،

والذي منَّ عليك بالهُدَى والتوفيق من بين الكثيرات، وحينها ستشعرين

بالراحة والاستبشار، كلما قدَّمتِ أيةَ مساعدةٍ بهذه النيَّة،

دون أن تلتفتي لإساءةٍ صدرتْ من هذه أو من تلك في حقكِ.

ولكي تَبنِي وتعزِّزي في نفسِك هذا الإطارَ الفكري، الذي سيُشَكِّل دافعَكِ

في التصرف مع الآخرين؛ أَنصحُكِ بالتأمُّل في مواقف النبي

- عليه الصلاة والسلام - والسلف الصالح مع مَن أساء إليه

م؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر: تأمَّلي موقف سيدنا أبي بكر

- رضي الله تعالى عنه - حين آثرَ العودةَ للإنفاقِ على مَن أساء

بهتانًا لابنته أمِّ المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها

- رغم شدَّة ألمِه النفسي من تلك الإساءة.

لكن هذا لا يَعنِي أن تفتحي أبواب المساعدة لزميلاتك على مصراعيها،

فما ذكرتُه يتعلَّق بآليةِ تعامُلك مع مشاعر الانزعاج من سلوكيات زميلاتك.

أما عن نوع المساعدة التي تقدِّمينها لهن، فلا بدَّ أن تتحدَّد بشرطين أساسيين:

الأول: هو عدم تضررك مِن ذلك؛ كأن يؤثِّر الأمر على وقت مراجعتك للمادَّة،

أو يشوِّش فكرَكِ في متاهاتٍ تؤثِّر على إجابتك في الامتحان،

أو غير ذلك من الأضرار التي لكِ أنتِ أن تقدِّريها.

أما الشرط الثاني: فلا تتجاوز المساعدةُ شرحًا للذي استصعب عليهن،

أو ما يحتاج لتوضيحٍ أكثر، ونحو ذلك، وأن تَبتَعِدي عن تقديم ما

يعزِّز لديهن الاتكالَ والكسل؛ مثل سؤالهن إياكِ عن شرح موضوع

كامل لم يَقْرَأنَ عنه، أو غير ذلك من أنواع الإهمال.

وأخيرًا، أختم بالدعاء إلى الله تعالى أن يمنَّ عليكِ بمزيد من التوفيق،

ويسدِّدكِ وينفع بكِ، وسنسعد بسماع أخباركِ الطيبة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق