الثلاثاء، 5 ديسمبر 2023

قصص عن الظلم في عهد الصحابة

 قصص عن الظلم في عهد الصحابة


الإفك الذي تعرضت له السيدة عائشة إنّ من أشد الظلم الذي قد يتعرّض له الرجل الصالح هو أن تُتهم زوجته بالزنا،
ومن أشد الظلم والإفك والافتراء أن تتهم العفيفة الصالحة المؤمنة القانتة أم المؤمنين وزوجة أكرم الخلق على الله بالزنا،
وهي الطاهرة العفيفة التي لم تدري ماذا يدور حولها إلا بعد حين.
يروي القرطبي قصة الظلم الذي تعرضت له السيدة عائشة في تفسيره؛ ونلخص هنا بعض الإضاءات الهامة من هذه القصة فيما يأتي
:[١] (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم
مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)،
[٢] الذي اتهمها بالزنا هو زعيم المنافقين؛ ظنًا منه أنه سيؤذي المؤمنين ويصب عليهم الشر بذلك،
لكن تلك الحادثة رفعت من شأن السيدة عائشة؛ بأن نزلت براءتها من عند الله -تعالى-،
وبينت المنافقين الذين يتربصون بالمؤمنين الدوائر، وبينت أن للمنافقين عذاب أليم. أمر الله -تعالى-
تجاوز القضية بين المؤمنين بالعفو والصفح؛ وقد كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-
قد منع صدقةً كان يعطيها لأحد فقراء المسلمين ممن خاض بعرض السيدة عائشة؛ فأمره الله -تعالى-
بأن يعفو ويصفح، وأن يُبقي صدقته كما كانت طلبًا لرضوان الله تعالى.
قال تعالى-: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ
فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
.[٣] هل سرق الصحابي الأرض؟ ثبت عن عروة بن الزبير أنّ أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئًا من أرضها،
فذهبت لتخاصمه إلى مروان بن الحكم، فتعجب سعيد من دعواها، إذ كيف يسرق أرضًا بغير حق،
وهو الذي قد سمع التحذير الشديد من الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ على أنّ من أخذ شبرًا من الأرض بغير حق،
يخسف به إلى سبع أرضين
.[٤] ولم يسأل مروان بعدها سيدنا سعيد -رضي الله عنه- بينة ولا دليل؛ لأنّ حديثه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان كافيًا،
فدعا عليها سيدنا سعيد بن زيد -رضي الله عنه- إن كانت كاذبة أن يعمى بصرها وأن تُقتل في أرضها،
فلم تمت حتى ذهب بصرها، ووقعت في حفرة وهي تمشي في أرضها فماتت، وهذه القصة ذُكرت في الصحيحين.
[٤] ظلم وقع على الصحابي سعد بن أبي وقاص أرسل سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سيدنا سعد بن أبي وقاص على الكوفة،
فشكوه إلى سيدنا عمر، فأوصى عليهم عماراً -رضي الله عنه-، وقالوا أنّ سيدنا سعد -رضي الله عنه- لا يُحسن الصلاة،
فلما سأله سيدنا عمر عن ذلك، أخبره أنه لا يحيد عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه كان يصلي كصلاته
دون أن يغيّر فيها شيئًا، فقال له سيدنا عمر: (ذَاكَ الظَّنُّ بكَ يا أَبَا إسْحَاقَ).[٥] ثم أرسل معه سيدنا عمر رجلًا
أو رجالًا إلى الكوفة وكان الناس في الكوفة يثنون خيرًا على سعد في كافة أنحاء الكوفة، عدا رجل يقال له أسامة بن قتادة،
قال أنّ سيدنا سعد -رضي الله عنه- كان ظالمًا غير عادل حيث قال: (كانَ لا يَسِيرُ بالسَّرِيَّةِ، ولَا يَقْسِمُ بالسَّوِيَّةِ، ولَا يَعْدِلُ في القَضِيَّةِ).
[٥] ولما سمع سيدنا سعد ذلك منه دعا عليه قائلًا: (اللَّهُمَّ إنْ كانَ عَبْدُكَ هذا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وسُمْعَةً، فأطِلْ عُمْرَهُ، وأَطِلْ فَقْرَهُ، وعَرِّضْهُ بالفِتَنِ)،
[٥] فكبر في السن حتى سقط حاجباه على عينيه وهو يتعرض للجواري في الطرقات يغمزهن،
وإن سئل عن ذلك قال: أصابتني دعوة سعد. العبرة من القصص نستنتج من هذه القصص العديد من الفوائد والعبر؛
ومنها: الظلم واقع في كلّ زمانٍ ومكان، وطالما نحن في هذه الدنيا التي هي دار ابتلاء واختبار؛
فنحن معرّضون للاختبار، إلا أنّ عافية الله -تعالى- أوسع بنا، عافانا الله وإياكم. الله -سبحانه وتعالى-
يدافع عن الذين آمنوا، ويظهر الحق ولو بعد حين: (إِنَّ اللَّـهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)
.[٦] الظلم ظلمات يوم القيامة، فلنتخيل أن شبرًا أخذت بغير حق تطوق صاحبها إلى سبع أرضين،
فكيف بغيرها مما هو أكثر من ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق