السبت، 5 فبراير 2022

الإخلاص مِسْك

 

الإخلاص مِسْك


ما أجمل وما أحلى عبارة ابن الجوزي رحمه الله، حيث قال في كتاب له لطيف
اسمه:'اللطف في الوعظ':' الإخلاص مِسْك مَصُون في مَسكِ القلب - أي:
أنه محفوظ في هذا الوعاء الذي هو القلب - ينُبئ ريحه على حامله، العمل
صورة والإخلاص روح، إذا لم تخلص فلا تتعب، لو قطعت سائر المنازل –
في الحج - لم تكن حاجاً إلا ببلوغ الموقف' .

وهو بهذا يريد أن يقول: إن منزلة الإخلاص من الأعمال كمنزلة الوقوف
بعرفة من أعمال الحج، ولو أن الإنسان ذهب إلى منى، ومزدلفة، وطاف
بالبيت الحرام، وما إلى ذلك من الأعمال التي يعملها الحجاج، ولم يقف
بعرفة، هل يكون ذلك الإنسان حاجاً؟ الجواب: لا، يقول : لو قَطَعتَ سائر
المنازل لم تكن حاجاً إلا ببلوغ الموقف . وصدق رحمه الله، وتأمل قوله
قبله:'الإخلاص مِسْك مَصُون في مَسك القلب يُنبيء ريحهُ على حامله'
فالإخلاص لا يحتاج منك إلى إظهار، ولا يحتاج منك إلى إعلام للناس أنك
مخلص، وإنما يظهر ذلك في حركات الإنسان، وسكناته، وتظهر آثاره على
العبد . وأما الذي يتصنع للناس، ويسعى لإعلامهم بعمله، وصلاح قلبه،
وما إلى ذلك، فالواقع أنه يُحطم الإخلاص في قلبه، ولا يزيده ذلك إلا شَيناً
في قلوب الخلق، والله المستعان.

فبهذا نعلم: أن الإخلاص هو عمود العمل، وهو سنامه؛ لأن العامل بدون
إخلاص كادح متعب نفسه، لا أجر له، فالله عز وجل يقول:
( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا[23]
[سورة الفرقان] .

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المشهور: [ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ...] رواه
البخاري ومسلم. والله يقول جل جلاله...لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا...[7]
[سورة هود]. ولم يقل: ليبلوكم أيكم أكثر عملًا، فليست العبرة بالكثرة
إنما العبرة بالصواب مع حسن القصد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق