الخميس، 17 مايو 2018

كلمة التوحيد وأثرها في نفس المؤمن (1)


قال تعالى
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ
وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (*) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ
الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}

[إبراهيم: 24,25]

فشبه سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة؛ لأن الكلمة الطيبة
تثمر العمل الصالح والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع .. وهذا ظاهر
على قول جمهور المفسرين الذين يقولون:
الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله
فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة؛ فكل عمل
صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة.

وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال:
كلمة طيبة شهادة أن لا إله إلا الله، كشجرة طيبة وهو المؤمن، أصلها
ثابت قول لا إله إلا الله في قلب المؤمن، وفرعها في السماء يقول يرفع
بها عمل المؤمن إلى السماء

وقال الربيع بن أنس: كلمة طيبة هذا مثل الإيمان فالإيمان الشجرة الطيبة،
وأصلها الثابت الذي لا يزول الإخلاص فيه، وفرعه في السماء خشية الله ..
والتشبيه على هذا القول أصح وأظهر وأحسن؛ فإنه سبحانه شبه
شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع
في السماء علوًا التي لا تزال تؤتي ثمرتها كل حين .. وإذا تأملت هذا
التشبيه رأيته مطابقًا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب، التي فروعها من
الأعمال الصالحة الصاعدة إلى السماء ولا تزال هذه الشجرة تثمر
الأعمال الصالحة كل وقت بحسب ثباتها في القلب ومحبة القلب لها
وإخلاصه فيها ومعرفته بحقيقتها وقيامه بحقوقها ومراعاتها حق
رعايتها.

فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها واتصف قلبه
بها وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها، فعرف حقيقة
الإلهية التي يثبتها قلبه لله ويشهد بها لسانه وتصدقها جوارحه ونفى
تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي
والإثبات وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة سالكة سُبُل ربِّه
ذللاً غير ناكبة عنها ولا باغية سواها بدلاً .. كما لا يبتغي القلب سوى معبوده
الحق بدلاً، فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا
تزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت ..

فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل الصالح إلى الربِّ تعالى،
وهذه الكلمة الطيبة تثمر كلامًا كثيرًا طيبًا يقارنه عمل صالح فيرفع
العمل الصالح إلى الكلم الطيب ..

كما قال تعالى
{.. إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ..}
[فاطر: 10]

فأخبر سبحانه أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب،
وأخبر أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملاً صالحًا كل وقت.

والمقصود: أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفًا بمعناها
وحقيقتها نفيًا وإثباتًا، متصفًا بموجبها قائمًا قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته ..
فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من هذا الشاهد،
أصلها ثابت راسخ في قلبه وفروعها متصلة بالسماء وهي مخرجة لثمرتها كل وقت.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق