الجمعة، 26 أكتوبر 2018

كيف يعيش المعاق؟ (3)

كيف يعيش المعاق؟ (3)


القِصَّة الأخيرة:
مِن العراق، لشابٍّ في مُقتَبل العمر، كان رافضيًّا ثم أنعم الله عليه بالهدايةِ
إلى طريقِ أهل السُّنة والجماعة، لقدْ شرَح لي كيف عذَّبه الرافضة
خلالَ الحرْب العراقية الأخيرة، فكان مِن بين ما قال:
يظنُّ الناس أنَّ الأمريكان هم مَن يعذبون أهل العراق، ولكن الحقيقة
هي أنَّ الرافضةَ هم الذين يُعذِّبوننا ضِعْفَ ما يفعله الأمريكان بِنا .

اقتيد هو ومجموعةٌ مِن الشباب العِراقي السُّنِّي إلى معاقل للتعذيب، ثم
أُعطي كلُّ واحِد منهم كُتيبًا يحوي ألوانًا شتَّى مِن طُرق التعذيب، وأُرغِم
كلُّ واحد منهم على اختيارِ الطريقة التي يُعذَّب بها! فاختار صاحبُ
القصة طريقةَ تعذيب تُسمَّى بالعراقية دبة الزهرا ، وهي طريقة تقوم
على رفْع أنبوبة الغاز عاليًا، ثم ربْطها بالمروحة المعلَّقة في السقف،
وبعدَ ذلك يقومون بإسقاطها فوقَ الشخص المرادِ تعذيبُه!

يقول:
كنت أسمع صوتَ أضْلاعي وهي تتهشَّم، وأسمع أصواتَ الرؤوس بقُرْبي
وهي تُشَجُّ، ولا أدري بعدَ كل هذا كيف استطعتُ أن أعيشَ حتى اليوم؟! .

حين سألتُه: لِمَ اخترتَ هذه الطريقة بالذات؟
قال: لقدْ كانت أخفَّ طرق التعذيب !

فبالله عليكِ، ما الذي يحتاجه مثلُ هذا الشابِّ المعذَّب في سبيل الله سوى
الثِّقة بالله، والتحلِّي بالإرادة والإيمان لقهْر الأعداء؟!

كل واحدٍ منَّا يظنُّ نفْسَه المعذَّب الوحيد في الدُّنيا، أو أنَّه المبتلَى الأكثر
بلاءً وامتحانًا على وجهِ الأرْض، لكنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول:
( أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل )؛
رواه النسائي والبيهقي.

ومَن يقرأ القرآن ويُدرك حقيقةَ ابتلاء الأنبياء - عليهم السلام – وشدَّة
آلامهم لأجلِ إعلاء كلمةِ التوحيدِ، يُدرك أنَّه في نِعمة يَغبِط نفْسَه عليها.

تصِف السيدةُ الطاهرة عائشة - رضي الله عنها - وجَعَ النبي
- عليه الصلاة والسلام - في مرضِه الذي مات فيه بقولها:
( ما رأيت رجلاً أشدَّ عليه الوجع مِن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم )؛
متفق عليه.

( يا أيُّها الناس، أيُّما أحدٍ من الناس أو مِن المؤمنين أُصِيب بمصيبة،
فليتعزَّ بمصيبتِه بي عنِ المصيبة تُصيبه بغيري؛ فإنَّ أحدًا من أمَّتي
لن يُصابَ بمصيبة بعْدي أشدَّ عليه مِن مصيبتي )؛
رواه ابن ماجه.

في غمرةِ الابتلاء ينسَى المبتلَون أنَّ الله ابتلاهم؛ لأنَّه يحبُّهم؛
( إنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمَن رضِي فله الرِّضا، ومَن سخِط
فله السُّخْط )؛
رواه الترمذي.

أفلا ترضين أن يُحبَّكِ الله؟! إذًا تذكَّري دومًا:
( مَن رضِي فله الرِّضا، ومَن سخِط فله السخط ).

تقولين:
المعاق يَعيش لحظاتِ ضياعٍ، الإعاقة أخذَتْ كلَّ صلاحياته ، وهذا
تفكيرٌ خاطِئ ولا شكَّ؛ لأنَّ الإعاقة لا تأخُذ كلَّ الصلاحيات كما تَزعُمين،
إلا إذا كانتْ إعاقةً عقليَّة كاملة.

لديَّ صديقتانِ كفيفتان؛ إحداهما تزوَّجتْ بعدَ الجامعة رجلاً بصيرًا،
والأُخرى تعمل الآن مُعلِّمة للكفيفات وبراتبٍ جيِّد، اللهمَّ بارك.

وإنْ كان أمر هاتين الفتاتين مجهولاً لدَى الناس، إلا أنَّ كثيرًا مِن
الناس يعلمون أنَّ الذين تعاقبوا على منصِب مفتي عام
المملكة العربية السعودية قد فَقَدوا أبصارَهم في مرحلةٍ
ما مِن أعمارهم، بدءًا بسماحة الشيخ محمد
بن إبراهيم بن عبداللطيف - يرحمه الله - مرورًا بصاحب السماحة
العلاَّمة فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - يرحمه الله
- وانتهاءً بصاحب السماحة فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ - حفِظه الله.

لقدْ كان الصحابيُّ الجليل ابن أم مكتوم - رضي الله عنه - ضريرًا،
وفيه نزَل قولُه - تعالى -:
{ عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى }
[عبس:1 - 2]،
ومع ذلك لم تكن إعاقتُه البصرية لتُفقِده كلَّ صلاحياته،
فقدْ كان مؤذِّنًا للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع بلال - رضي الله عنه - واستخلَفه
النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مرَّتين على المدينة، فكان يُجمِّع بالناس،
ويخطب ويُصلِّي، وكان مجاهدًا، إذا غزَا قال:
ادْفعوا إليَّ اللواءَ فإنِّي أعْمى لا أستطيع أن أفرَّ، وأقيموني بين الصفَّيْن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق