الخميس، 27 مايو 2021

موسوعة المؤرخين (35)

 

موسوعة المؤرخين (35)

ابن عذاري المراكشي (الجزء الثاني)

منزلته ومكانته

يتبوأ ابن عذاري المراكشي مكانة مرموقة بين أولئك النوابغ الذين أنجبتهم

الأمة خلال ذلك العصر العصيب، بالنظر إلى ما يمثله من تراث حي، لا يمكن

الاستغناء عنه في دراسة تاريخ المغرب والأندلس، ونقصد بذلك، كتابه القيم

الموسوم: البيان المعرب في أخبار الأندلس والمغرب. فلقد عاش

ابن عذاري في ذلك العصر، وتشرب الثقافة العربية الإسلامية التي كانت

سائدة في المشرق والمغرب، واهتم بهذه الثقافة، واطلع على أصولها,

فكان حصيلة ذلك كله، وعصارة فكره النير، سفرًا جليلًا، قدمه للأجيال

التالية، ليكون نبراسًا في التعرف إلى تاريخ المغرب العربي، بل الشمال

الأفريقي كله، بالإضافة إلى الأندلس، وذلك منذ السنوات الأولى للفتوح

الإسلامية والتحرير وإلى نهاية دولة الموحدين.

مؤلفات ابن عذاري

ومن أهم مؤلفات ابن عذارى التي وصل إلينا خبرٌ عنها أو أخبرنا هو بها:

"البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب"

وسوف نتحدث عن منهج ابن عذارى ومصادره فيه، وهو الكتاب الوحيد

الذي وصلنا من مؤلفات هذا المؤرخ.

"البيان المُشْرِق في أخبار المَشْرِق"

ويتضح من عنوان هذا الكتاب أن ابن عذارى خصصه لتاريخ المشرق

الإسلامي على غرار "البيان المغرب" الذي خصصه لتاريخ الأندلس

والمغرب، وقد أكد في أكثر من موضع من كتابه "البيان المغرب" على

موضوع هذا الكتاب، فإذا عرض لحادثة أو شخصية مشرقية أشار إلى أنه

استوفى الحديث عنها في كتابه "البيان المُشْرِق في أخبار المَشْرِق".

ومن أمثلة ذلك ما ذكره عن سقوط خاتم عثمان بن عفان رضي الله عنه

في بئر أريس سنة (30هـ / 650م) حيث قال: "وفى سنة 30هـ سقط

الخاتم من يد عثمان رضي الله عنه في بئر أريس، وقد ذكرنا خبر سقوطه

في كتابنا المسمى بـ (البيان المُشْرِق في أخبار المَشْرِق)".



ومن ذلك أيضًا ما ذكره عن مقتل محمد بن أبى بكر الصديق بمصر سنة

38هـ / 658م، حيث قال: "وفى سنة 38هـ قتل محمد بن أبى بكر الصديق

بمصر، قتله معاوية بن حديج بأمر معاوية بن أبي سفيان، وقد ذكرنا شرح

مقتله في (البيان المُشْرِق في أخبار المَشْرِق)".



وكذلك عند حديثه عن ولاية الخليفة العبيدي الفاطمي العزيز بالله نزار، قال:

"فولى الإمارة بمصر العزيز بالله نزار، المكنَّى بأبي المنصور، ابن معدّ

المكنَّى بأبي تميم، ولد بالمهدية في محرم سنة 344هـ، وولى العهد بمصر

في العاشر لربيع الأول سنة 365هـ، وسُتِرت وفاة أبيه، وسُلِّم عليه بأمير

المؤمنين. وقد ذكرنا بعض أخباره في أمراء مصر في (أخبار المَشْرِق)".



إلى غير ذلك من الأمثلة التي تؤكد صحة نسبة هذا الكتاب إليه، وتؤكد أيضًا

مدى أهمية ما يقدمه من معلومات تاريخية وافية ودقيقة

عن المشرق الإسلامي.



"صلة البيان المغرب"

وقد صرح ابن عذارى بأن له كتابًا جعله صلة للبيان المغرب، يستكمل فيه

الأحداث التي اختصرها في بيانه، وقد ذكر ذلك عند حديثه عن الفقيه

أبي القاسم العزفي عندما تملك مدينة سبتة، فذكر كثيرًا من أعماله، وكان

من أهمها احتفاله بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان يبذله في هذا

اليوم لأهل بلده من أنواع الخيرات وألوان الطعام، ثم قال: "وتوفي

رحمه الله عام سبعة وسبعين (وستمائة)، فكانت مدته نحو ثلاثين سنة

على ما يأتي ذكره في صلة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى".



"أخبار يزيد بن معاوية"

وليس هذا هو العنوان الصحيح أو المؤكد لهذا الكتاب، وإنما هو عنوان

تخمينيٌّ مبنيٌّ على ما قدمه ابن عذارى من معلومات عنه، فقد ذكر تأليفه

لهذا الكتاب عند حديثه عن وفاة معاوية بن أبى سفيان سنة (60هـ / 679م)

وخلافة ابنه يزيد من بعده، حينئذٍ ذكر أنه أفرد لأخبار يزيد بن معاوية تأليفًا

مستقلًا، فقال: "وفى سنة 60هـ توفى معاوية بن أبى سفيان يوم الجمعة

منتصف رجب، وهو ابن اثنين وثمانين سنة، وتولى الخلافة من بعده يزيد

ابنه، وتلقب بالمستنصر بالله في بعض الأقوال، وكنيته أبو خالد، وقد ذكرنا

أخباره في تأليفٍ".



"البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب"

اشتهر ابن عذاري المراكشي بكتابه "البيان المغرب في أخبار الأندلس

والمغرب"، يهتم ابن عذاري في هذا الكتاب بأخبار الأندلس والمغرب منذ

الفتح العربي الإسلامي حتى سنة 478هـ فيما يتعلق بأخبار الأندلس، وفيما

يتعلق بأخبار المغرب حتى سنة 667هـ.



عنوان الكتاب

اشتهر الكتاب بين الدارسين والمتخصصين في تاريخ المغرب والأندلس

بعنوان: "البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب"، وهو العنوان الذي

اختاره ناشرو الكتاب لأول مرة، وهم المستشرقون: الهولندي رينهارت

دوزى، والإنجليزي جورج كولان، والفرنسي ليفي بروفنسال، والإسباني

أمبروسيو أويثى ميراندا، وكذلك د/ إحسان عباس، ود/ محمد إبراهيم

الكتاني، و د/ محمد بن تاويت الطنجي، و د/ محمد زنيبر،

و د/ عبد القادر زمامة.



ولكن رغم ذلك فقد ذكر ابن عذارى نفسه في مقدمة كتابه العنوان الذي

اختاره له، فقال: "ولما كمل ما قيَّدته وجرَّدته جزأته على ثلاثة أجزاء، كل

جزء منها كتاب قائم بنفسه؛ ليكون لِمُطالِعه أوضحَ بيان، وأسهلَ مَرامٍ لدى

العِيان، وسمَّيْتُه بالبيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب".



خطة الكتاب

وضع ابن عذارى لكتابه مخططًا تأليفيًّا، بالمعنى الدقيق، فذكر أن كتابه يتألف

من مقدمة وثلاثة أجزاء، وقد ذكر أن كل جزء من هذه الأجزاء الثلاثة كتاب

قائم بنفسه، قال: "ولما كمل ما قيدته وجردته جزأته على ثلاثة أجزاء،

كل جزء منها كتاب قائم بنفسه؛ ليكون لمطالعه أوضح بيان، وأسهل مرام

لدى العِيان".



أما المقدمة فهي قصيرة موجزة تشتمل على بيان سبب تأليف الكتاب

وموضوعه، والمنهج الذي اتبع فيه، والمصادر التي اعتمد عليها

وأخذ منها، والأجزاء الثلاثة التي يتكون منها.



الجزء الأول: يعرض فيه بإيجاز لأخبار إفريقية منذ الفتح الأول في خلافة

أمير المؤمنين عثمان بن عفان حتى ابتداء الدولة اللمتونية المرابطية،

متناولًا أخبار أمراء إفريقية من ولاة الخلفاء الأمويين، ومن دخل المغرب

منهم، ومن قام بها من الصفرية والإباضية، ومن ملكها من بني الأغلب،

وأخبار بني عبيد الشيعة، وأخبار بني مدرار والأدارسة، وأخبار زناتة

والصنهاجيين وغيرهم. إذ يقول عنه: "فاختصرت فيه أخبار إفريقيا

من حين الفتح الأول ..، إلى حين ابتداء الدولة اللمتونية المرابطية".



الجزء الثاني: تناول فيه باختصار أخبار جزيرة الأندلس، ومن وليها من

الأمراء الأمويين منذ الفتح الإسلامي، ثم قيام دولة بني أمية في الأندلس،

ثم الدولة العامرية والفتنة البربرية، ثم عصر ملوك الطوائف حتى دخول

المرابطين إلى الأندلس سنة (478هـ / 1085م). يقول عنه: "فاختصرت

فيه أخبار جزيرة الأندلس …، وقيام الفتنة البربرية، وذكرت فيه أخبار ملوك

الطوائف ..، وكل ذلك إلى حين دخول لمتونة إلى الأندلس سنة 478هـ".



الجزء الثالث: اختصر فيه أخبار الدولة المرابطية اللمتونية واستيلائهم على

مملكة أمراء المغرب والأندلس إلى حين انتهائها وابتداء الدولة الموحدية ثم

سقوطها، وقيام الدولة الحفصية في إفريقية، ودولة ابن هود ثم دولة بني

نصر (بني الأحمر) في الأندلس، ثم استيلاء الإمارة اليوسفية المرينية على

مرّاَكُش، وقيام دولة بني مرين في المغرب، وينتهي الكتاب عند أحداث

سنة (667هـ / 1268م).



وقد تحدث ابن عذاري في هذا الجزء عن دولة الموحدين بشيء من

التفصيل، وتركيزه على الموحدين في هذا الجزء مع كونه حرر هذا الكتاب

(البيان) بعد أكثر من أربعة عقود على سقوط مراكش نهائيًا في يد المرينين،

وهذا الجزء بالذات هو أهم مصدر شامل للعصر الموحدي من حيث استيفاؤه

أهم أحداثه، يقول عنه: "فاختصرت فيه أخبار الدولة المرابطية،

وابتداء الدولة الموحدية، إلى عام 667هـ".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق