السبت، 29 مايو 2021

موسوعة المؤرخين (37)

 موسوعة المؤرخين (37)



أبو بكر ابن القوطية (الجزء الأول)
يعد أبو بكر ابن القوطية واحدا من أهم مؤرخي الأندلس الأوائل، وكتابه
"تاريخ افتتاح الأندلس" من أهم المصادر الأولية التي لا يستغني عنها
باحث في بابه، ولك يكن ابن القوطية مؤرخًا بقدر ما كان أديبا لغويا بارعا،
وله كتاب "الأفعال الثلاثية والرباعية" أول من صنف ف بابه. فمن
هو ابن القوطية؟

اسمه ونسبه
هو العلامة الأديب أبو بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز بن ابراهيم
بن عيسى بن مزاحم مولى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله،
الأندلسي، الإشبيلي الأصل، القرطبي المولد، النحوي، المؤرخ، علامة
في الأدب واللغة، حافظ للأخبار وأيام الناس، فقيه محدث متقن،
كثير التصانيف. المعروف بـ "ابن القوطية"، وكنيته "أبو بكر".

وعُرف بابن القوطية، نسبة إلى قوط بن حام بن نوح عليه السلام،
وهي نسب أمه القوطية، وهي سارة بنت ألمند بن غيطشة، أحد ملوك القوط
الذين حكموا إسبانيا قبل الفتح الإسلامي، وهي جدة لجده، وقد كانت سارت
إلى الشام زمن الخليفة هشام بن عبد الملك متظلمة من عمها أرطياس
فتزوجها بالشام عيسى بن مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز،
ثم سافر معها إلى الأندلس، وهو جد عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى.

نشأته وتعليمه
وأصله ابن القوطية من إشبيلية، ولكنه ولد بمدينة قرطبة ونشأ بها،
وهو من بيت علم ودين وقضاء، فقد كان أبوه أبو حفص عمر بن عبد العزيز
من موالي البربر، وهو شاعر وأديب، وكانت له رحلة إلى المشرق حج فيها،
ولعلمه وفقهه ولاه عبد الرحمن الناصر قضاء استجة في سنة 301هـ،
ثم استقضاه علي إشبيلية في شوال سنة 302هـ فكانت ولايته سبعة
أعوام وسبعة أشهر.

ثم انتقل ابن القوطية من قرطبة إلى إشبيلية، ولقي أكثر مشايخ عصره
بالأندلس فأخذ عنهم وأكثر النقل من فوائدهم. ودرس الحديث في قرطبة
على يد شيوخها، منهم: طاهر بن عبد العزيز، وأبي الوليد الأعرج، ومحمد
بن عبد الوهاب بن مغيث، ومحمد بن عمر بن لبابة، وعمر بن حفص بن أبي تمام،
وأسلم بن عبد العزيز، وأحمد بن خالد، ومحمد بن مشور، ومحمد
بن عبد الملك بن أيمن، وعبد الله بن يونس، وأحمد بن بشر الأغبس،
وقاسم بن أصبغ وغيرهم من نظرائهم.، وسمع بإشبيلية من محمد بن عبيد
الزّبيدي، ومن ابن القوق، وحسن الزبيدي، وابن جابر، وعلي بن أبي شيبة.
ودرس بجانب الحديث الأدب والفقه والشعر، والتاريخ على شكل خاص،
حيث كان حافظًا لأخبار الأمراء وأحوال الرجال.

علمه وفقهه
كان ابن القوطية رحمه الله جليلًا، من أعلم أهل زمانه باللغة والعربية، حافظًا
للفقه والحديث والخبر والنوادر والشعر، وله في الحديث قدم ثابت ورواية
واسعة، وهو على ذلك من أهل النسك والعبادة والورع. وكان صدرًا في
الأدب، بصيرًا بالغريب والنادر والشاهد والمثل. كان عالمًا بالخبر والأثر،
حافظًا لأخبار الأندلس وسير أمرائها وأحوال رجالها، جيد الشعر، صحيح
الألفاظ؛ إلاّ أنه تركه على الرغم من رقة نظمه، ورفضه مؤثرًا ما هو
أولى منه، ودافعه إلى تركه إنما هو ورعه.

وهو إمام من أئمة الدين، تام العناية بالفقه والسنّة، مع مروءة ظاهرة،
وكان عالمًا بالنحو، حافظًا للعربية، مقدّمًا فيها على أهل عصره، لا يشقّ
غباره، ولا يلحق شأوه، وكان أبو علي القالي يبالغ في توقيره.

هذا ما قيل فيه، غير أنّ ابن الفرضي قال عنه: "ولم يكن بالضابط لروايته
في الحديث والفقه، ولا له أصول يرجع إليها، وطال عمره حتى سمع منه
طبقة بعد طبقة من الشيوخ والكهل ممن ولي القضاء والشورى والخطط
من أبناء الملوك وغيرهم، وسمعت منه، وكانت فيه غفلة وسلامة وتقشف
في ملبسه وورع، وذكر أنه كان يدلس في حديثه".

منزلته ومكانته
قال عنه الحميدي في جذوة المقتبس: "كان إمامًا في العربية، وله كتاب
في الأفعال لم يؤلف مثله"، بينما قال عنه ابن الفرضي: "وكان: عالما
بالنحو، حافظا للغة متقدما فيها على أهل عصره لا يشق غباره، ولا يلحق
شأوه، وله في هذا الفن مؤلفات حسان منها كتاب: تصاريف الأفعال وكتاب:
المقصور والممدود وغير ذلك. وكان: حافظا لأخبار الأندلس، مليا برواية
سير أمرائها، وأحوال فقهائها وشعرائها. يملي ذلك عن ظهر قلب. وكانت
كتب اللغة أكثر ما تقرأ عليه، وتؤخذ عنه".

وقال القاضي عياض: "وقال ابن عبد الرءوف في طبقاته: كان أبو بكر
عالما من علماء الأندلس، فقيها من فقهائها، صدرا في أدبائها، حافظا للغة
والعربية، بصيرا بالغريب والنادر والشاهد والمثل، عالما بالخبر والأثر، جيد
الشعر، صحيح الألفاظ، واضح المعاني، إلا أنه تركه ورفضه مؤثرا ما هو
أولى منه، فهو إمام من أئمة الدين، تام العناية بالفقه والسنة، مع مروءة
ظاهرة وتمام خلقة وسمت، وحسن بيان. وقال ابن الحذاء: وله في الحديث
قدم ثابت، ورواية واسعة، وهو على ذلك من أهل النسك والعبادة".

وقال ابن حجر في لسان الميزان: " تقدم في فن الأدب وكان من أعلم أهل
زمانه باللغة والعربية والنوادر والشعر مع مشاركة قوية في الفقه والحديث
اثنى عليه بن الحذاء وابن عبد البر وغيرهما".

وقال عنه ياقوت الحموي: "كان أعلم أهل زمانه باللغة والعربية، إماما
مقدما فيهما، وأروى أهل عصره للأشعار والأخبار، لا يشقّ في ذلك غباره
ولا يلحق شأوه، وكان مع ذلك فقيها متمكنا حافظا للحديث والآثار، غير أنه
لم يكن له في ذلك أصول يرجع إليها، فلم يكن ضابطا للرواية".

وقال كذلك: "ومما كان يزين علمه وفضله اتصافه بالزهد والتقوى والنسك،
وكان في أول أمره ينظم الشعر بالغا فيه حدّ الاجادة مع الاحسان في المطالع
والمقاطع وتخير الألفاظ الرشيقة والمعاني الشريفة، ثم ترك ذلك وأقبل
على النسك والانفراد".

ولما دخل أبو علي القالي الأندلس اجتمع به، وكان يبالغ في تقديمه
وتعظيمه، حتى قال له الخليفة الحكم المستنصر: مَن أنبل من رأيته ببلدنا
في اللغة؟ فقال: أبو بكر ابن القوطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق