الأحد، 23 مايو 2021

موسوعة المؤرخين (31)

 موسوعة المؤرخين (31)


محمد عبد الله عنان (الجزء الأول)

لعلَّه من قبيل الصدفة أن تكون ذكرى وفاة المؤرِّخ المصري الكبير

محمد عبد الله عنان (يناير 1986) في الشهر نفسه الذي سقطت فيه

الأندلس (يناير 1492)، ولكن المؤكد أن عنان هو رائد الدراسات الأندلسيَّة

في العالم العربى.. وهو أجدر من يستحق لقب عاشق الأندلس.



نسب عنان وحياته

هو محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن عرفة العناني، وُلِد في (7 من يوليو

1896م = 26 من المحرم 1314هـ)، في قرية بشلا مركز ميت غمر

بالدقهليَّة، وهو من أسرةٍ ترجع أصولها إلى السادة العنانيَّة، الذين ينتسبون

إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وبدأ تعليمه في كتَّاب

القريَّة، وبعد انتقال الأسرة إلى القاهرة واصل تعليمه حتى حصل على

البكالوريا من المدرسة الخديويَّة بالقاهرة عام 1914م، ثم نال شهادة

الحقوق (الإجازة) من مدرسة الحقوق السلطانيَّة عام 1918م.

وقد عمل بالمحاماة والصحافة منذ بدايته، إلى أن التحق بالوظيفة الحكوميَّة

في عام 1935م، وظلَّ بها إلى أن أُحيل إلى المعاش في عام 1955م.

وقد كان يكتب بانتظام في جريدتي "السياسة" و"السياسة الأسبوعيَّة"،

ولم يكن في كتاباته منحازًا إلى أحد الأحزاب وقتها، وقد انخرط في الحياة

الوطنيَّة السياسيَّة والحزبيَّة، وكان أحد أشهر الكتَّاب المرموقين، وكان أحد

مؤسِّسي "الحزب الاشتراكي المصري"، ولم يلبث أن دبَّت الاختلافات بين

أعضاء الحزب بعد أن تغيَّر اسمه إلى"الحزب الشيوعي المصري"، وقد قدَّم

عنان بيانًا هاجم فيه تطرُّف الحزب أو ما أسماه "ارتكابه الشطط ومناداته

بأبعد المبادئ تطرفًا وأدعاها إلى تشويه المبادئ الاشتراكية الصحيحة"،

ولم يُؤْثَر أن انتمى عنان إلى أيَّة تنظيماتٍ سياسيَّةٍ بعد ذلك؛ بل تفرَّغ للبحث

وللمهمة التي خُلِق من أجلها وهو التاريخ الأندلسي.



عنان مؤرخًا:

على الرغم من عمله بالمحاماة والصحافة لسنواتٍ كثيرة، لكنَّه تركها ليتفرَّغ

لعشقه الكبير وهو الكتابة والتأريخ للعالم الإسلامي عامَّة والأندلسي خاصَّةً،

ولكن ممارسته للمحاماة و-أيضًا- الصحافة أكسبته صفةً مهمَّةً للمؤرِّخ؛

وهي التحقُّق وتقصِّي الأدلَّة والمقارنة قبل أن يُصدر حكمًا ما، وهو ما جعل

كتاباته محلَّ ثقة دارسي التاريخ في أنحاء العالم.



وقد امتلك رحمه الله من أدوات المؤرخ من الوثائق ودقَّة استعمالها

وتوظيفها واستخراج النتائج العلميَّة السليمة، وأتقن بسببها عدَّة لغات

قديمة: كالقشتاليَّة، واللاتينيَّة بالإضافة إلى إجادته (الإنجليزيَّة- الفرنسيَّة-

الألمانيَّة- الإسبانيَّة).



وكان لا يكلُّ عن الترحال؛ فقد زار إسبانيا ودول شمال إفريقيا ستَّ عشرة

رحلةً لا يدَّخر جهدًا في البحث والتنقيب، وتقصِّي مختلف المصادر والوثائق

القشتاليَّة في مختلف مواطنها، وكذلك التجوال المتكرِّر في ربوع الأندلس

القديمة، والزيارات المتعدِّدة للقواعد الأندلسيَّة الذاهبة، ولا سيَّما القواعد

الكبرى، مثل: (قرطبة، وإشبيلية، وبلنسيَّة، وشاطبة، ومرسية، وسرقسطة،

وطليطلة، وبطليوس، وماردة، وأشبونة، وباجة، وغرناطة، وألمرية،

ومالقة، وغيرها..)، والدراسة المستفيضة لآثارها ونقوشها الأندلسيَّة

الباقية، وهذه المشاهدات لطبائع الإقليم والبقاع والأوساط التي حلَّت فيها

الأمَّة الأندلسيَّة وعاشت عدَّة قرون ووضعت أسس حضارتها العظيمة،

كانت لها أبلغ الأثر عليه وعلى كتاباته وأمدَّته بكثيرٍ من الحقائق.



وانتفع خلال هذه الرحلات في استيعاب المصادر القشتاليَّة، واللاتينيَّة

القديمة، والمصادر الغربيَّة الحديثة، وانتفع بالكثير من المخطوطات المهمَّة

الموجودة بمكتبة "دير الأسكوريال"، والمخطوطات الموجودة بـ(فاس،

والجزائر، وتونس)، وقابل الأعلام من مؤرِّخي الأندلس كـ: "ليفي

بروفنسال"، و"غرسيه غومث"، و"بلاثيوس"، وغيرهم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق