الخميس، 16 نوفمبر 2023

الأمانة

 الأمانة


الأمانة حملٌ عظيم ناءت به السماوات والأرض ،

قال تعالى :

{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ

فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا

وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }

سورة الأحزاب:72

فمن ولي أمانةً ما في وظيفته فإنه يحتاج إلى مراقبة الله فيها أولاً ،

ثم أدائها على أتم وجه ، فمن فعل ذلك فإنه مع النبيين والصدِّيقين ،



( التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصدِّيقين والشهداء )

ومن لم يؤدِّ الأمانة كان خائناً ،

وقد قال صلي الله عليه وسلم :



( لا إيمان لمن لا أمانة له )

ومن أعظم الأمانة ؛ الأمانة في المال ، لأن المال محبوبٌ للإنسان ،

كما قال سبحانه :



{ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }

وقال عز وجل :



{ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً }

سورة الفجر:20

فالأموال التي يؤتمن عليها الموظف في العمل ،

سواء كان مديراً له حق التصرف في الميزانية ، أو أمين صندوق ،

أو موظف حسابات ، أو غيرهم ، فإنها وديعة بيده يجب أن يحافظ عليها ،

ولا يتصرف فيها إلا فيما فيه مصلحة العمل ، سواء كان العمل عاماً

أي حكومياً – ، أو خاصّاً – أي أهلياً - .

ولا حق لأحدٍ من الموظفين أن يقول : إن لي حقاً في هذا المال ؛

لأني أحد المواطنين ، وهذا المال هو للمواطنين ،

أو يقول : إن غيري يسرق من المال ، فأسرق مثله .

فإن المال وإن كان عاماً ، فلا يجوز أخذ شيءٍ منه ،

إلا بإذن ولي الأمر ، وإلا كان الأمر فوضى

ومن الأمانة في المال : أداء الحقوق للآخرين ،

قال سبحانه وتعالى :



{ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ }

فيجب على أرباب العمل ، والمسؤولين أن يؤدوا للموظفين حقوقهم المالية

كاملة ، دون تأخير أو أذى ؛ لأن المسؤل قد يعطي الحق كاملاً ،

ولكنه يؤخره ويماطل فيه ، فيؤذي أخاه المسلم ،

وإذا كان الله تعالى قد منع الأذى في الصدقة بقوله :



{ لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى }

فمن باب أولى منع الأذى في حقوق الآخرين



أمور تنافي أمانة الوظيفة والمنصب:

• المحاباة والانحياز لقرابة ونحوها:

حيث يترتب عليه الظلم وانتشار الأحقاد والضغائن بين أفراد المجتمع،

وقد روى الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:



( من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه،

فقد خان الله ورسوله والمؤمنين )

ضعفة الألبانى



وروي كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:



( مَنْ ولِيَ من أمرِ المُسلمينَ شيئًا فاحتجب دون خَلَّتِهم

وحاجتِهم وفقرِهم وفاقتِهم

احتجَب اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يومَ القيامةِ دون خَلَّتِه وحاجتِه وفاقتِه وفقرِه )



• استغلال الوظيفة للمصالح الخاصة: سواء كان اختلاساً

أو استحلالاً لأدوات العمل؛ تملكاً أو استخداماً،

لذلك فالأمانة تقتضي المحافظة على أدوات العمل ،

وعدم استعمالها فيما لا يخصّ مصلحة العمل ، كالأوراق ، والأجهزة ،

والسيارات ، ومكائن التصوير ، والهواتف وغيرها ،

فإن هذه الأدوات لم توضع إلا من أجل مصلحة العمل ،

لا للاستعمال الشخصي.



• ولا ينبغي له استغلال منصبه ليجني من ورائه ما لا يحل له

لمصالحه الشخصية فضلاً عن أقاربه وذويه،

فقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك قائلاً:



( من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطاً

فما فوقه كان ذلك غلولاً يأتي به يوم القيامة )

رواه مسلم



ويستوى الوعيد في اختلاس القليل والكثير، والجليل والقدير،

وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم أحد المختلسين بقوله:



( إن الشملة لتلتهب عليه ناراً

أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم )

وذلك بسبب أنه لم يستأذن وليّ الأمر في أخذها.



• ومن المناسب هنا أن نذكر قصة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه

حين جاءه بريدٌ من إحدى الجهات ليلاً فأوقد شمعةً

و جلس معه يسأله عن أحوال المسلمين ويتفقدهم ،

فلما فرغ سأله الرجل عن حاله وحال أهله ،

فاستأذن عمر وأطفأ الشمعة وأوقد أخرى صغيرة ،

فلما سأله الرجل عن ذلك قال :



[ كنت تسأل عن حال المسلمين فأوقدت الشمعة

التي هي من بيت مال المسلمين ،

فلما صرتَ تسألني عن حالي أوقدت شمعتي ! ]



• ومثالٌ آخر عنه رحمه الله :

فقد كان وهب بن منبه على بيت مال اليمن ،

فكتب إلى عمر بن العزيز رضي الله عنه :



[ إني فقدت من بيت مال المسلمين ديناراً . فكتب إليه :

إني لا أتهم دينك ولا أمانتك ، ولكن أتهم تضييعك وتفريطك .

وأنا حجيج المسلمين في أموالهم ، و لِأدناهم عليك أن تحلف ، والسلام ]



• أخذ الرشوة لإنجاز العمل الواجب : وأصلها لغةً من الرشا ، وهو الحبل ،

ووجه الشبه بينهما أنها يتوصل بها إلى المقصود ببذل المال



• وهي سحتٌ حرام ، ومن صفات اليهود ،

قال سبحانه وتعالى :



{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ }

ومن تشبَّه بهـم لحقته اللعنة كاليهود ،

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :



( لعن الله الراشي والمرتشي )

وسبب تحريمها أنها طريقٌ لتجاوز النظام ،

وطريقٌ لتعويد الموظفين على عدم تقديم أعمالهم إلا بالرشوة ،

وبالتالي التسبب في إفساد ذممهم،

والتسبب في حرمان الكثير من نيل حقوقهم الطبيعية بالطرق المشروعة،

لعدم إمكانهم دفع الرشوة ديناً أو عجزاً،

وقد يكون ذلك سبباً في انتشار الضغائن والأحقاد في المجتمع من قبل

أولئك الذين يشعرون بالظلم والغبن. وبالتالي يحرم الكثير من الناس

من قضاء مصالحهم إلا بعد أن يقدموا الرشوة .

• وللرشوة صور ؛ منها : دفع المبالغ المالية للموظف أو المسؤل

مقابل قضاء مصلحة الراشي ،

إذا كانت هذه المصلحة من صميم عمل الموظف ،

ولا يشترط أن تكون الرشوة مبلغاً كبيراً ،

بل أي مبلغ يدفع لهذا الغرض فهو رشوة قلّ أو كثر .

• ومنها : أن يقدم الخدمات للمسؤول كتخفيض سعر السلعة لهذا المسؤول ،

أو ترقية أحد أقاربه .

• ومنها : أن يتوصل إلى رشوة المسؤول عن طريق زوجته أو أبنائه .

فعلى الموظف العام أن يكون فطناً لهذه المداخل ،

فقد أهدى رجل من عمال عمر رضي الله عنه إلى امرأة عمر نمرقتين ،

فدخل فرآهما ، فقال : من أين لكِ هاتان ؟ أشتريتهما ؟

قالت : بعث بهما إليّ فلان .

فقال : قاتل الله فلاناً ، لما أراد حاجة فلم يستطعها من قِبلي

أتاني من قِبل أهلي . فاجتذبهما اجتذاباً شديداً

من تحت من كان عليهما جالساً ، ثم أخرجهما من بيته ،

وفرَّقهما بين امرأتين من المهاجرين والأنصار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق