الثلاثاء، 14 نوفمبر 2023

لا تغتَرُّوا بالنَّعماء

لا تغتَرُّوا بالنَّعماء

اتَّقوا الله؛ فإن الأمسَ مثَل، واليوم عمَل، وغدًا أمَل

{ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }

[ المزمل: 20 ].

أيها المسلمون:

الشُّكرُ طريقُ المَزيد، وعلامةُ التُّقَى والتوفيق

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }

[ إبراهيم: 7 ].

قال الرَّبيعُ بن أنَس:

" إن الله ذاكِرٌ مَن ذَكَرَه، وزائِدٌ مَن شكَرَه، ومُعذِّبٌ مَن كفَرَه ".

شكَرتُك إن الشُّكرَ حَبلٌ مِن التُّقَى

ومــا كُلُّ مَن أولَيتَه نِعمةً يَقضِي

عن المُغيرة بن شُعبة - رضي الله عنه - قال:

كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيَقُوم ليُصلِّي، حتى ترِمَ قَدَماه أو ساقَاه،

فيُقال له، فيقولُ:



( أفلا أكونُ عَبدًا شَكُورًا ؟ )

أخرجه البخاري.



لك الحمدُ يا ربِّ والشُّكرُ ثَمْ

لك الحمدُ ما باحَ بالشُّكرِ فَمْ



لك الحمدُ في كُلِّ ما حــــالَةٍ

فقد خصَّنِي مِنك فَضلٌ وعَمْ



فمِنك لِيَ البصَرُ المُقتَفِي

وسَمعٌ ونُطقٌ وذَوقٌ وشَمْ



نهارٌ مُضِيءٌ وليلٌ أحَمْ

وبَحرٌ عَمِيقٌ وطَودٌ أشَمْ



ونَبتٌ يقُومُ على سَاقِهِ

وآخَرُ لا ساقَ يُعلِيهِ ثَمْ



أيها المُسلمون:

إنَّكم تعِيشُون في بُحبُوحةٍ مِن الأمنِ الشديدِ المَديدِ،

ورِزقٍ مُخصِبٍ رَفيهٍ غَزيرٍ كثيرٍ رَغِيدٍ، وعيشٍ رخِيٍّ، وشَرابٍ رَوِيٍّ،

والنَّاسُ مِن حولِكم يقتُلُهم الجُوعُ الأغبَر، والموتُ الأحمر، يُسلَبُون قَتلًا وأسرًا وسِباءً،

ويُؤخَذُون عَبيدًا وإماءً، ويُقاسُون بلاءً ووباءً، ويُكابِدُون غَلاءً وجَلاءً وفَناءً،

ولا ترَى إلا صِبيةً يُكثِرُون الصِّياحَ، ونِسوَةً صَحِلَت حُلُوقُهنَّ مِن النِّيَاح،

وشُعوبًا أنهَكَتها الحُروبُ والجِراحُ.



فاحذَرُوا الازدِهاءَ بالرَّخاء، ولا تغتَرُّوا بالنَّعماء، ولا يُنسِيَنَّكم بهاءُ النِّعم شُكرَها،

وانظُرُوا ما أسبَغَ عليكم مِن النِّعَم واعرِفُوا حقَّ مُنعمِها،

وكُونُوا مِمن انقَادَ له شُكرًا على نِعمِه، ولا تستَعِينُوا بالعطايا على الخطايا،

ولا تغُرَّنَّكم الشياطِين، ولا يخدَعنَّكم أعداؤُكم بالباطِلِ،

ولا تُجاهِرُوا بالعِصيان بعد الرِّزقِ والأمان، والعافِيةِ والامتِنان.



وأحسِنُوا جِوارَ النِّعَم تحفَظُوا النِّعمَ الموجُودة، وتجلِبُوا النِّعَم المفقُودة،

وتستَدِيمُوا عطاءَ الله وكرمَه وجُودَه؛ فما أدبَرَت نِعمةٌ بعد ما أقبَلضت،

ولا رُفِعَت مِنَّةٌ بعد ما نزَلَت، ولا سُلِبَت كرامةٌ بعد ما مُنِحَت، إلا بسببِ عطايا ما شُكِرَت،

أو بسبب خطايا فُعِلَت، والنِّعَمُ إذا شُكِرَت قرَّت، وإذا كُفِرَت فرَّت.

يا مَن سرَى في دَيجُور الفُجُور .. يا مَن وضَعَ رِجلَه في رِكابِ أهلِ الكُفر

والفِسقِ والشُّرُور .. أغرَّكَ حِلمُ الله وإنظَارُه؟!

حتى أعرَضتَ بوجهِك وجعَلتَ حقَّ الله وراءَ ظَهرِك؟!



ألا أيها الإنسانُ إنَّك سامِدُ

كأنَّك لا تَفنَى ولا أنت هالِكُ



يا مَن أشِرَ وبَطِرَ .. يا مَن عصَى وفسَقَ وفجَرَ .. أتظُنُّ أن العطاءَ لا يَبِيدَ؟!

والنِّعمَ لا تُسلَب؟! لقد غرَّك الإمهالُ والإملاءُ وتَركُ المُعاجَلَة،

فأقصِر عن باطِلِك؛ فما أخذَ اللهُ قومًا قطُّ إلا عند سَكرَتهم وغِرَّتهم ونَعِيمِهم.

فكَم أعطَى اللهُ أقوامًا رِزقًا وسَعَةً ونَعِيمًا، فجعَلُوا رِزقَ الله ذَريعةً ومُتسلَّقصا

إلى معاصِيه، وتدرَّجُوا به إلى مناهِيه، وظنُّوا الإنعامَ والعطاءَ إكرامًا وإيثارًا،

وتفضِيلًا واختِيارًا، وما كان إلا استِدراجًا واستِجرارًا.

وكَم مِن مُستدرَجٍ بالإحسانِ إليه! وكَم مِن مفتُونٍ بالثَّناءِ عليه !

وكَم مِن مغرُورٍ بالسَّترِ عليه !



أيها المُسلمون:

احذَرُوا رُكوبَ المعاصِي، والانبِعاثَ فيها، والعَبَّ مِنها، والتساهُلَ في خَرقِ سِياجِ الآدابِ،

وجَنابِ التوحيدِ، وحِمَى الشَّريعة والدِّين.

وتباعَدُوا عن المُحرَّمات، واحذَرُوا مُقارَبَتها ومُباشَرَتها، ولا تُخالِطُوا أسبابَها ودواعِيَها؛

شُكرًا لله مِنكُم على سوابِغِ إحسانِه، وعظيمِ امتِنانِه.



قال مَخلَدُ بن الحُسين:

"كان يُقال: الشُّكرُ تَركُ المعاصِي ".



أيها المُسلمون:

احذَرُوا أنصارَ الشيطان وأعوانَه الذين يُردُون إضلالَكم بالخَديعَة،

وإغواءَكم بالتَّهيِئة. احذَرُوا مدارِكَهم الباطِلَة، ومسالِكَهم الضالَّة،

وأعرِضُوا عن دعوَتِهم، واهجُرُوا فَريقَهم، وانبُذُوا طَريقَهم،

وإيَّاكُم والهَروَلَةَ نحوَ أهوائِهم ورغبَاتهم وشهَوَاتهم،



{ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا }

[ الإنسان: 24 ]



{ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }

[ الكهف: 28 ]



{ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا }

[ النجم: 29 ].



والمُستبصِرُ المُستَبِينُ يعرِفُ الغثَّ مِن السَّمِين، والشَّرابَ مِن السَّراب،

والذَّوبَ مِن الشَّوبِ، وليس كلُّ بيضاء شَحمَة، ولا كلُّ سَوداءَ تَمرة،

وليس كلُّ ماءٍ رَواء.



فبَعضُ الماءِ ماءُ رَبابِ مُزنٍ

وبعضُ الماءِ مِن سبَخٍ مِلاحِ



والصَّيرفِيُّ النقَّادُ يعرِفُ الزُّيُوفَ مِن الجِياد.

أُعيذُها نَظَراتٍ مِنك صـــــــــــــــادِقةً

أن تحسَبَ الشَّحمَ فيمَن شَحمُهُ ورَمُ



وما انتِفاعُ أخِي الدُّنيَا بنــــــاظِرِهِ

إذا استوَتْ عِنده الأنوارُ والظُّلَمُ



أيها المُسلمون:

إيَّاكُم ورُكوبَ الحِيَل لإبطالِ أحكامِ الشَّريعَة، والتوصُّل إلى الأفعال المُحرَّمة الشَّنِيعَة،

وليس رُكوبُ تلك الحِيَل من صنائِعِ المُوحِّدين الشَّاكِرِين،

بل هو مِن صِفاتِ الفاسِقِين الفاسِدِين.

قال مُحمدُ بن الحسن:

"ليس مِن أخلاقِ المُؤمنين الفِرارُ مِن أحكامِ الله بالحِيَل المُوصِلَة إلى إبطالِ الحقِّ".

جعلَني الله وإيَّاكُم مِمَّن شكَرَ في الرَّخاءِ، وثبَتَ على دِينِه بلا التِواء.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق