الجمعة، 8 مايو 2020

درس اليوم1

درس اليوم
فضل مَن أدرَك رمضان

الحمد لله ولي التوفيق، وهادي مَن استهداه لأقوم الطريق، والصلاة والسلام
على سيدنا محمد سيد الداعين وإمام الهادين، ورضي الله عن أصحابه
الغر الميامين وسلم تسليمًا، وبعد:

فإدراك رمضان نعمة من المنعم سبحانه وتعالى على المنعَم عليه، فكم من
أناس كانوا معنا رمضان الماضي، لكن سبق القدر، فكانوا في عالم آخر غير
عالمنا، فاستشعِرْ تلك النعمة، وكن ممن أحسن الصيام والقيام، واسأل
نفسك: هل أنا في هذا العام كالعام الماضي أم أفضل؟ هل أحسنت هذا العام
واجتهدت أم أسأت وقصرت؟ هل يا ترى سيكون إدراكي لرمضان سببًا في
أن أحصِّل ما وعدني به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن من صلى الصلوات الخمس،
وأدى الزكاة، وصام رمضان وقامه، سيكون مع الصديقين والشهداء؛ عن
عمرو بن مرة الجهني، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت
الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان، وقمته، فممن أنا؟،
قال: ((من الصِّدِّيقين والشهداء)).

كما أن من أدرك رمضان قد يسبق درجة الشهيد في سبيل الله، بفضل صيامه
وقيامه، وصلاته وسجوده؛ عن طلحة بن عبيدالله: أن رجلين من بَلِيٍّ قدِما
على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما جميعًا، فكان أحدهما
أشد اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستُشهد، ثم مكث الآخر بعده
سنةً، ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام: بينا أنا عند باب الجنة، إذا أنا
بهما، فخرج خارجٌ من الجنة، فأذن للذي توفي الآخِرَ منهما، ثم خرج، فأذن
للذي استشهد، ثم رجع إلي، فقال: ارجع؛ فإنك لم يأنِ لك بعدُ، فأصبح طلحة
يحدث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم،
وحدثوه الحديث، فقال: ((من أي ذلك تعجبون؟)) فقالوا: يا رسول الله، هذا
كان أشد الرجلين اجتهادًا، ثم استشهد، ودخل هذا الآخِرُ الجنة قبله، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أليس قد مكث هذا بعده سنةً؟))، قالوا:
بلى، قال: ((وأدرك رمضان فصام، وصلى كذا وكذا من سجدةٍ في السنة؟))،
قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض)).

فإدراك رمضان منَّةٌ كبرى، ونعمةٌ عظمى، فبإدراكه وصيام نهاره
وقيام ليله، تسبق الشهداءَ في سبيل الله.

ويتأكد وعد الله عز وجل بأن الذي يصوم رمضان كان حقًّا على الله أن يدخله
الجنة؛ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

((من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقًّا على الله أن
يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها))، قالوا:
يا رسول الله، أفلا ننبئ الناس بذلك؟ قال: ((إن في الجنة مائة درجةٍ، أعدها
الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض،
فإذا سألتم الله فسَلُوه الفِردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه
عرش الرحمن، ومنه تَفَجَّرُ أنهارُ الجنة)).

وقال بعض السلف: إذا حضر الرجلَ الموتُ، يقال للملك: شَمَّ رأسه، قال: أجد
في رأسه القرآن، قال: شَمَّ قلبه، قال: أجد في قلبه الصيام، قال: شَمَّ قدميه،
قال: أجد في قدميه القيام، قال: حفِظ نفسه، فحفظه الله

ثم احذر أن تكون ممن أدرك رمضان فلم يغفر لك، أو أن تكون ممن أدرك
رمضان، فانسلخ ولم تكتب من أهل الجنة، أو أدرك رمضان فمضى ولم تعتق
رقبتك من النار، فهؤلاء يصدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((رغِم أنف رجلٍ ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ، ورغم أنف رجلٍ دخل عليه
رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجلٍ أدرك عنده أبواه
الكِبَرَ فلم يُدخِلاه الجنة).

قال المناوي: "أي: رغِم أنف مَن علم أنه لو كف نفسه عن الشهوات شهرًا
في كل سنة، وأتى بما وظف له فيه من صيام وقيام، غفر له ما سلف من
الذنوب فقصر ولم يفعل حتى انسلخ الشهر ومضى، فمن وجد فرصة عظيمة
بأن قام فيه إيمانًا واحتسابًا عظمه الله، ومن لم يعظمه حقره الله وأهانه".

ومِن عظيم كرم الله أن الذي يدرك رمضان فيقوم بحقه، يغفر له ما بين
الرمضانين؛ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:

((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان،
مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)).

فتلك بشارة عظيمة، وهي أنك لو صمت رمضان، يغفر الله لك ما فعلته من
ذنوب وصغائر منذ رمضان الماضي، فهل بعد هذا كرم؟! وهل بعد ذلك
فضل؟! فلا تضيع الفرصة، ولا تحرم نفسك؛ فإن من حُرِم هذا الخير فقد حُرِم.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق