السبت، 22 مايو 2021

موسوعة المؤرخين (30)

 

موسوعة المؤرخين (30)


شمس الدين السخاوي (الجزء الرابع)

تابع مؤلفات السخاوي



الشافي من الألم في وفيات الأمم:

وكتب السخاوي إلى جانب الضوء اللامع كتبًا أخرى في التراجم منها حسبما

يذكر كتاب (الشافي من الألم في وفيات الأمم) وهو ثبت لوفيات الأعيان

في القرنين الثامن والتاسع مرتب حسب السنين، وعدة تراجم مطولة

لبعض الأئمة.



كتاب الجوهر والدرر:

بيد أنه لم يصلنا من هذه الكتب سوى ترجمة شيخه ابن حجر في مجلد ضخم

أسماه (كتاب الجوهر والدرر)، وفي خاتمته ما يفيد أن السخاوي كتبه

في مكة سنة 871هـ؛ وفيه يتحدث بإفاضة عن نشأة أبن حجر، وتربيته،

وصفاته، ومواهبه، وعن حلقاته ودروسه وتصانيفه، ثم يورد مختاراته

من كلامه وفتاويه، وما قيل في رثائه من نثر ونظم.



كتب تاريخية أخرى للسخاوي:

وهناك عدة مؤلفات تاريخية أخرى يذكر السخاوي أنه كتبها، ولكنها لم تصل

إلينا مثل (التاريخ المحيط) الذي يشغل ثلاثمائة رزمة، وتاريخ المدنيين،

وتلخيص تاريخ اليمن، ومنتقى تاريخ مكة، ثم طائفة أخرى منوعة منها:

ختم السيرة النبوية لأبن هشام، القول النافع في بيان المساجد والجوامع،

القول التام في فضل الرمي بالسهام، عمدة المحتج في حكم الشطرنج، الكنز

المدخر في فتأوي شيخه أبن حجر، القول البديع في الصلاة على الحبيب

الشفيع؛ ومن هذا الأخير نسخة بدار الكتب.



تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط والمزارات والبقاع المباركات:

ونجد أخيرًا في تراث السخاوي أثرين من نوع خاص ولهما أهمية خاصة،

وقد انتهى كلاهما إلينا؛ أولهما كتاب (تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط

والمزارات والبقاع المباركات) وهو دليل لخطط المشاهد والمزارات والبقاع

المقدسة، ولا سيما مصر القاهرة؛ وفيه وصف لأحياء مصر القاهرة التي تقع

فيها هذه المشاهد في أواخر القرن التاسع؛ وذكر لكثير من المشاهد والمدافن

التي لم يمن بها المقريزي في خططه، ولا يزال الكثير منها باقيًا إلى اليوم؛

ومن ثم كانت أهمية الكتاب في تاريخ الخطط المصرية، إذ نستطيع بالرجوع

إلى معالمه أن نحدد كثيرًا من مواقع القاهرة القديمة وأحيائها وشوارعها

في القرن التاسع الهجري.



الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ:

وأما الثاني، فهو كتاب (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) وهو رسالة نقدية

قيمة، يعرف السخاوي فيها علم التاريخ ويشيد بفضله؛ ويتناول طائفة كبيرة

من المسائل والمباحث النقدية التي تدخل في حيز التاريخ؛ ثم يذيلها ببيانات

ضافية لجميع المؤلفات التاريخية الإسلامية التي ظهرت في مختلف أبواب

التاريخ وعصوره، مثل كتب السيرة، وكتب التراجم المختلفة، وما ألف

في تواريخ الطوائف والجماعات المختلفة، مثل تواريخ القضاة والحفاظ والشعراء

واللغويين والأطباء والأشراف والأدباء والعشاق والصوفية

وغيرهم؛ فهو بذلك فهرس بديع شامل لأمهات الكتب التي وضعت في هذه

النواحي المختلفة، ويتخلل ذلك مواقف نقدية كثيرة تجعل لهذا الأثر

قيمة خاصة.



وقد أقام السخاوي بهذا الكتاب نصبًا قيِّمًا لعلم التأريخ العربي، والكتاب كما

يدل عليه العنوان كان ذا صفة اعتذارية، وقد كُتِبَ للدفاع عن دراسة التأريخ

موضوعًا ثقافيًا مساعدًا في مناهج الدراسة الدينية. كما أنه يقدم عرضًا

شاملًا، وأحيانًا رائعًا، لعلم التاريخ الإسلامي وآماله ومعضلاته لمن

يعرف كيف يقرأه.



يتكون كتاب "الإعلان بالتوبيخ" من ثلاثة أقسام:

القسم الأول:

يتناول بعض الملاحظات العامة عن طبيعة علم التاريخ، فعرَّف التاريخ لغة

(الإعلام بالوقت)، وإصطلاحًا (التعريف بالوقت الذي تُضبَطُ به الأحوال)

وحدد موضوعه (الإنسان والزمان، وفائدة التاريخ (معرفة الأمور

على وجهها).



فحدَّ السخاوي من أفق هذا العلم، وجعله علمًا فرعيًا مساعدًا لعلم الحديث

بتحقيق تواريخ ميلاد الرواة أو وفاتهم، والتثبُّت من صحة رواة الحديث

أو عدم صحتهم وتقديم مادة نافعة في تفسير القرآن الكريم، وإضافة إلى

ما سبق فهو حافل بالعبر والمواعظ، وأفرد السخاوي بحثًا عن ذم ناقدي

التاريخ، كما حدد شروط المؤرخ ومنها: العدالة مع الضبط التام، والتمييز

بين المقبول والمردود مما يصل إليه من ذلك، والمحاباة المفضية للعصبية،

ويشترط على المؤرخ ألا يكون جاهلًا بمراتب العلوم، ولاسيما الفروع

والأصول، كما يحتاج إلى مصاحبة الورع والتقوى.



القسم الثاني:

خصَّه لكتب التاريخ كما وردت في تصنيف الذهبي.



القسم الثالث:

يتضمن سردًا لكتب التاريخ تبعًا لتصنيف السخاوي قصد أن تكون تكملة

للذهبي، ومنها على سبيل المثال: الرسول والأنبياء، الصحابة، الأشراف،

آل أبي طالب وآل علي، الرواة المعتمدون، وغيرهم.



فما بين الرواية الشفوية القديمة وفلسفة التاريخ للعلامة ابن خلدون وتاريخ

التاريخ للسخاوي قد نما التاريخ عند العرب وتفرع وأزهر وأثمر.



وفاة الإمام السخاوي:

أقام السخاوي حينًا في القاهرة؛ ثم سافر إلى مكة ليحج للمرة السابعة؛

وعكف بعد أداء الفريضة على الإقراء والدرس، وتردد حينًا بين مكة

والمدينة؛ ثم استقر أخيرًا بالمدينة؛ واستمر في الإقراء بها حتى توفّى

فِي عصر يوم الأحد 28 من شعبانسنة 902هـ / 1497م،

في الحادية والسبعين من عمره، ودفن بالبقيع بجوار مشهد الإمام

مالك. فرحمه الله رحمة واسعة.

ولا ريب أن مجال البحث والقول يتسع لأضعاف هذا العرض الموجز، إذا

أردنا أن نفي شخصية السخاوي ونواحيه الأدبية والنقدية المتعددة حقها

من التحليل والبحث؛ وقد كان السخاوي بلا ريب من أعظم شخصيات

مصر الإسلامية والعالم الإسلامي في القرن التاسع الهجري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق