السبت، 28 أغسطس 2021

موسوعة المؤرخين (121)

 
موسوعة المؤرخين (121)


الإمام الذهبي شيخ المحدثين ومؤرخ الإسلام (07)

آثار ومؤلفات الإمام الذهبي
لعل خير ما يصور منزلة الذهبي العلمية واتجاهاته الفكرية هو دراسة
آثاره الكثيرة التي خلفها، وتبيان قيمتها مقارنة بمثيلاتها، ومدى اهتمام العلماء
والدارسين بها في العصور التالية، والمساهمة الفعلية التي قدمتها
للحضارة الإسلامية. وسيرة الذهبي العلمية، استنادا إلى آثاره، ذات وجوه
متعددة يستبينها الباحث الفاحص من نوعية تلك الآثار.

وأول ما يلاحظ الدارس هذا العدد الضخم من الكتب التي اختصرها
والتي تربي على خمسين كتابا، معظمها من الكتب الكبيرة التي اكتسبت
أهمية عظيمة عند الدارسين، ومما يثير الانتباه أن مختصرات الذهبي لم
تكن اختصارات عادية يغلب عليها الجمود والنقل، بل إن المطلع عليها
الدارس لها بروية وإمعان يجد فيها إضافات كثيرة، وتعليقات نفيسة،
واستدراكات بارعة، وتصحيحات وتصويبات لمؤلف الأصل إذا شعر
بوهمه أو غلطه، ومقارنات تدل على معرفته وتبحره في فن الكتاب
المختصر، فهو اختصار مع سد نقص وتحقيق ونقد وتعليق وتدقيق،
وهو أمر لا يتأتى إلا للباحثين البارعين الذين أوتوا بسطة في العلم
ومعرفة بفنونه.

ومما اختصره الإمام الذهبي: تاريخ مصر لابن يونس (ت 347 هـ)،
أسد الغابة في الصحابة لابن الأثير (ت 630 هـ)، المستدرك على
الصحيحين للحاكم النيسابوري (ت 405 هـ)، السنن الكبرى للبيهقي
(ت 458 هـ)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، تاريخ دمشق
لابن عساكر (ت 571 هـ).

ومع أن الذهبي قد عاش في عصر غلب عليه الجمود والنقل
والتخليص، فإنه قد تخلص من كثير من ذلك بفضل سعة دراساته وفطنته،
قال تلميذه صلاح الدين الصفدي (ت 764هـ): "ولم أجد عنده جمود
المحدثين ولا كودنة (بلادة) النقلة، بل هو فقيه النظر له دِرْبة بأقوال
الناس ومذاهب الأئمة من السلف وأرباب المقالات، وأعجبني منه
ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه
من ضعف متن أو ظلام إسناد، أو طعن في رواته، وهذا لم أر غيره
يراعي هذه الفائدة فيما يورده ..". وبلغ اعتراف حافظ عصره الإمام
ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) بفضل الذهبي وبراعته إلى درجة أنه
شرب ماء زمزم سائلا الله أن يصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ وفطنته.

ولعل مما يميز الذهبي عن غيره من بعض مؤلفي كتب الرجال
والتراجم أنه لم يقتصر في تأليفه على عصر معين، أو فئة معينة
، أو تنظيم معين، بل تناولت مؤلفاته رجال الإسلام من أول ظهوره
حتى عصره، بله المعاصرين له.

ومعرفة الذهبي الواسعة في الرجال دفعت تاج الدين السبكي إلى
القول: "إنه كان شيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جمعت الأمة
في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق