الأحد، 21 نوفمبر 2021

عودة الخيرية لأمة محمد

 

عودة الخيرية لأمة محمد


حتى تعود الخيرية لهذه الأُمَّة لابد من أمور:
1- عدم الركون إلى الدنيا:
ودليل ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال:
«يوشكُ أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلةُ على قصعتها، قالوا: أمن
قلةٍ نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل إنكم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء
السيل، ولينزعنَّ الله من قلوب عدوكم المهابةَ منكم، وليقذفن في قلوبكم
الوهنَ، قيل: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت».

فعليك أخي الحبيب أن تربط أول الحديث بآخره؛ لتعلم أننا إذا أحببنا الدنيا
وكرِهنا الموت، تداعت علينا الأُمم، وصِرنا لا قيمة لنا، فهذه دعوة لنبذ
الدنيا من القلوب؛ لتعود لنا القيادة والريادة.

2- الاعتزاز بالدين وبالهوية الإسلامية:
ففخر لك أنك من الأُمَّة المحمدية، لكن منَّا مَن ينسلخ من هويته
الإسلامية، ويتابع شر البرية وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم
حيث قال: «لتتبعنَّ سَننَ مَن كان قبلكم، حذوَ القذةِ بالقذةِ، حتى لو دخلوا
جحرَ ضبٍ لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:
فمَن؟»؛ (أي: مَن غيرهم)؛ (أخرجه البخاري).

فأصبح شبابنا كشبابهم، ونساؤنا كنسائهم، فكلُّ ما نراه الآن من تخلُّف
مهين، وضعف مقيت بسبب بُعدنا عن ديننا وهويتنا الإسلامية.

إن تاريخ الأُمَّة يثبت أن عزة هذه الأُمَّة وعلوها، ورِفعة شأنها - يكون مع
تمسكها بإسلامها واتِّباعها لهدي نبيها صلى الله عليه وسلم،
وصدق الفاروق عمر رضي الله عنه؛ حيث قال:
"كُنَّا أذلَّ قومٍ فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزَّ في غيره أذلَّنا الله".

♦ وفي حديث القنوت الذي علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن،
وفيه: "إنه لا يذلُّ مَن واليت، ولا يعز مَن عاديت، تباركت ربنا وتعاليت"؛
(أخرجه الترمذي).

فالسيادة والقيادة لا تعود إلينا إلا بعد الرجوع إلى ربنا والصلح معه.

3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال تعالى:
{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }
[آل عمران: 110].

قال قتادة صلى الله عليه وسلم:
"بلغنا أن عمر رضي الله عنه في حجَّةٍ حجَّها رأى من الناس دَعَةً، فقرأ
هذه الآية:
{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ }
، ثم قال: "مَن سَرَّه أن يكون من هذه الأُمَّة؛ فليؤدِ شرط الله فيها"؛
(ابن كثير: 1 /374، وعزاه لابن جرير).

4- الإقلاع عن الذنوب:
فالذنوب أصل كل بلية وسبب للذلة؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن عبدالله
بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"وجُعلت الذلةُ والصغارُ على مَن خالف أمري،
ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم".

♦ وفي رواية: "وجعل الصغار والذلة على مَن خالف أمري".

♦ ويقول الحسن البصري رحمه الله في شأن العصاة والمخالفين
لأمر الله تعالى:

"لو طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين،
فإن ذلَّ المعصية سيدركهم، أبى الله إلا أن يذِلَّ من عصاه".

♦ والزنا والربا من المعاصي التي وقعت فيهما الأُمَّة، وهما سبب لهلاكها؛
فقد أخرج الحاكم في "المستدرك" عن ابن عباس رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية،
أذن الله بهلاكها".

♦ وأخرج البيهقي والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يا معشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتُم بهنَّ - وأعوذ بالله أن
تدركهنَّ - لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم
الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا..."؛
الحديث.

فلا خلاص لنا إلا بالإقلاع عن الذنوب، والرجوع إلى علام الغيوب؛ حتى
تعود لنا القيادة والريادة في الدنيا، وفي الآخرة الفوز بجنة النعيم، في
جوار رب العالمين، وفي صحبة النبي صلى الله عليه وسلم،
اللهم ارزقنا الجنة أجمعين.

5- العدل وعدم الظلم:
الله عز وجل جعل الظلم مُحرَّمـًا بين العبــاد؛ ففـي الحديـث الذي أخرجه
الإمــام مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل:
"يا عبادي إن حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه محرمًا بينكم فلا
تظَّالموا..."، فهذه وصية ربَّانية للأُمَّة المحمدية، ولكن إن خالفنا ووقعنا
في الظلم، فهذا إيذان بهلاك الأُمَّة؛ قال تعالى:
{ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ... }
[يونس: 13]؛
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنَّ الله تعالى ليقيمُ الدولةَ
العادلةَ وإن كانت كافرةً، ويهدم الدولةَ الظالمةَ وإن كانت مسلمة"؛
(مجموع الفتاوي: 28/63) (الاستقامة:2 /247).

فإذا ضاع في هذه الأُمَّة العدل، وضاع فيها حق الضعيف، ضاعت الأُمَّة
وهلكت، وصدق الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:
"إنما أهْلَكَ مَن كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق
فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت
محمد سرقت لقطعت يدها"؛ (أخرجه الإمام مسلم من حديث عائشة
رضي الله عنها).

وأخرج ابن ماجه وابن حبان عن جابر رضي الله عنه قال:
"لَما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر[1]، قال:
ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ فقال فتية منهم:
بلى يا رسول الله، بينما نحن جلوس مرَّت بنا عجوز من عجائزهم، تحمل
على رأسها قُلة من ماء، فمرَّت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفها ثم
دفعها فخرَّت على ركبتها فانكسرت قُلَّتها، فلما ارتفعت التفتت إليه،
فقالت: سوف تعلم يا غُدَر إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين
والآخرين، وتكلَّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون؛ فسوف تعلم
كيف أمري وأمرك عنده غدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
صدَقتْ صدقت، كيف يُقدِّسُ اللهُ أُمَّةً لا يُؤخذ لضعيفهم من شديدهم".

♦ وفي رواية عند الطبراني من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إن الله لا يُقدِّس أُمَّة لا يعطون للضعيف منهم حقَّه»؛
(صحيح الجامع: 1858).

♦ وفي رواية: "إنَّ الله لا يُقدِّسُ أُمَّةً لا يأخذ الضعيفُ حقه من القوي،
وهو غير متعتع"؛ (أخرجه البيهقي في سننه من حديث أبي سفيان
بن الحارث رضي الله عنه، وهو في صحيح الجامع: 1857).

[1] مهاجرة البحر: أي الذين هاجروا إلى الحبشة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق