الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

الأمانة .. بين الصيانة و الخيانة

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل
أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى
بالله شهيدا، قال فأئتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت،
فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته،
ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد
مركبا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه
إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال:
اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا
فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله
شهيدا، فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له
فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه،
ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج
الرجل الذي أسلفه، ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة
التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال
والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال:
والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبا
قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك
أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك
الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدا ).
هذا الحديث ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ليبين لأمته أهمية الأمانة
والوفاء، ويربي فيهم هذا الخلق الجميل كما يربي أتباعه دائما على خير
السجايا، وأنبل الشمائل، وأحسن الأخلاق.
والأمانة عظيم في الدين قدرها،
وكبير ـ عند الله ـ شأنها، وجليل بين الناس أثرها.. ولذلك جاء الأمر من
الله برعايتها وتحقيقها.. قال تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا
وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا }
(النساء: 58)
وقال سبحانه:
{ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ }
(البقرة:283)
ونهى عن الخيانة فقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
(الأنفال:27).
وجعل أعظم علامات الإيمان وصفات المؤمنين مراعاة الأمانة وحفظها
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }
(المؤمنون:8)،
وأعاد الآية نفسها في وصف أهل الصلاة أهل الإيمان في سورة المعارج
{ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }
(المعارج:32).
وأعظم آية في بيان مكانة الأمانة وعظم منزلتها قوله عز وجل:
{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ
فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ
إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }
(الأحزاب:72).
فانظر كيف أشفقت السموات والأرض والجبال من حمل الأمانة،
وخفن من عواقب حملها لما يترتب على التقصير في ذلك من النكال
والعذاب الأليم.
الأمانة في السنة:
وفي السنة المطهرة نَسْجٌ على منوال القرآن.. فقد بين النبي
صلى الله عليه وسلم أن خيانة الأمانة ليست من صفات أهل الإيمان
الطاهرين وإنما هي من صفة المنافقين الخائنين..
فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال صلى الله عليه وسلم:
( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب،
وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان )
وفي حديث عبدالله بن عمرو قال عليه السلام:
( أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خلةٌ منهن
كانت فيه خلةٌ من نفاقٍ حتى يدعَها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد
غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر )
(متفق عليه).
ونهى أن تكون الخيانة في خلق المسلم حتى وإن خانه غيره.
وأخبر عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات أن ذهاب الإيمان مع ذهاب
الأمانة، وأن ذهاب الدين مع خيانة العهد.. فقد روى الإمام أحمد
وأبو يعلى عن أنس قال: ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا قال:
( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له )
(حسنه ابن حجر والمنذري)..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق