الاثنين، 19 أبريل 2021

غصون رمضانية ( 007 – 030 )

 
غصون رمضانية ( 007 – 030 )



عبدالله بن عبده نعمان


في ليلة مباركة من رمضان سطع نورٌ عظيم في السماء،

وهبطَ في سكون الليل البهيم إلى مكان ناءٍ ضمَّ بين جوانحه حاملَ

هذا النور الموعود، الذي فرَّ من الدياجي القاتمة التي تحاصر

بلدته "مكة"؛ ليجد في هذه البقعة القصية نورَ الأُنس بنور السماوات

والأرض، وليرقب هذا اليومَ الأغرَّ الذي يعانق فيه نورَ الوحي،

ويمضي به إلى الوجود؛ ليهديه من حيرته،

وينجده من أمواج ظلمه وظلامه إلى ضفاف العدل والهدى.


الأرض الداجية؛ ليطوي به دهوراً حالكة جثمت على صدور الخلق،

وليرسله إلى القلوب فيغسل عنها أدران الشرك والانحراف،

فتشرق بالتوحيد والصفاء، وتبرق بالحياة والبهاء.


هذا الكلام العظيم الذي أنزله الله تعالى على النبي الكريم نبعٌ عذب

يتدفق على النفوس بالحياة الحقيقية التي تنتشلها من جفاف الموت،

وعبوس الضلالة، وأغلال الأحزان؛ فتدب فيها الحياة كلّ الحياة،

وتتشح بأثواب الهدى الضافية، وترسم على محياها مخايلَ

السعادة الممتدة التي تحطّم قساوةَ الهموم والغموم.


إن للقرآن في رمضان خصوصية وعلاقة متصلة؛

فرمضان شهر القرآن الذي أُنزل فيه، فالإكثار من قراءته

في شهر بواكير نزوله تذكرٌّ لهذه النعمة التي لا تنقطع،

وشكرٌ لمن أنزلها، واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم

الذي كان يدارس جبريل القرآن كلّ عام في رمضان،

وفي رمضان تتضاعف الأجور، وقراءة القرآن من أعظم ما تُجتلب به

الحسنات،

وفي رمضان تخف البطن، وتضيق مجاري الشهوات، فيصفو العقل،

ويرق القلب، وتقبل النفس، وتشرق الروح،

فيعظم ميل المسلم إلى القراءة، وفي هذه الأحوال تؤتي تلك القراءة

مع التدبر أكلَها كل حين بإذن ربها على الجوارح استقامةً وهداية.


ولهذا كان الصالحون - وما زالوا - يُعنَون بالقرآن في شهر الصيام

عناية خاصة، ويولونه اهتمامًا منقطع النظير،

وكان العلماء منهم خاصة يدَعون كل شيء حتى مجالس الحديث والعلم؛

لينصرفوا عاكفين على قراءة كتاب الله تعالى

فيا أيها المسلم، الباغي الخيرَ، الحريص على الأجر،

دونك هذه الغنيمةَ الباردة، والنعمة المهداة،

عبَّ من منهلها الثرِّ علالاً بعد نهل، والزمْ باب التلاوة ملازمة

الدائن البخيل، وليكن القرآن في رمضان هِجِّيرك ليلك ونهارك؛

فالربح وفير، والعمر قصير، والأعمار تتصرم ببغتة الحِمام،

والنجاة حاجتك، والثواب طِلبتك:

ولكن لا تنسَ أن القراءة النافعة هي التي لازمها التدبرُ

والحضور والتأمل، وباعدها الهذَّ والشرود والهذرمة،


وأورثت رُقيَّ الروح، ونقاء القلب، وعملَ الجوارح،

فمن نال ذلك فقد صار من أصحاب القرآن .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق