السبت، 24 أبريل 2021

غصون رمضانية ( 012 – 030 )

 غصون رمضانية ( 012 – 030 )

عبدالله بن عبده نعمان


اطلَّ الإنسان على هذه الحياة وعلى كَتَده جرابُ أمانات استُودِعها؛

ليحفظها، ويقوم بحقوقها، فإن نثرها متخففًا منها؛

هرعًا إلى شهواته ثقلَ عليه الحساب، وخسر عند السؤال يوم المآب.


ومن تلك الأمانات: أمانة السمع، قال تعالى:

{ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ

كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }


لقد أعطى الله الإنسان هبةَ السمع إنعامًا عليه؛

لتكون وسيلة إلى تحصيل العلوم، واستنارة الفهوم،

يمشي الإنسان في أحضان هذه الحياة، ويتقلب بين أكنافها

فتتوارد إلى سمعه أصوات مختلفة يهتز ببعضها، وينقبض من أخرى،

فيسمع الأصوات المحبوبة فيصغي إليها، ويلتذ بسماعها،

فينعم باله، وينشرح قلبه، وتنبسط نفسه.

وتصل إلى سمعه الأصوات المكروهة فيمجها، ويعرض عنها،

ويتخذ الموقف المناسب إزاءها.


ولسماع القرآن العظيم تأثير عظيم على النفوس؛

ولهذا كان الكفار يصفونه بالسحر؛ لقوة انجذاب السامعين إليه،

حتى كانوا يتواصون بعدم سماعه،

فكم أسلم في القديم والحديث من الناس لسماع آيات هذا الكتاب العظيم.


وبهذه النعمة - نعمة السمع - تصل إلى الإنسان أحكام الدين،

فيعرف الحلال فيتبعه، ويعلم الحرام فيجتنبه،

وبه يتلذذ بوصول كلام والديه وأولاده ومن يحب.


فما أعظم نعمة السمع التي يتقلب الإنسان في نعيمها

وقد لا يشعر بعظمها، إلا إذا ضعُفت أو فُقِدت!.

بيد أن هناك سامعين لم يعرفوا قدر هذه الأمانة؛

فأعرضوا عن أداء حقها، فسخروها في سماع الباطل،

وتتبع السوء: من جنوحٍ محبٍّ إلى استماع الانحرافات العقدية،

والاعوجاجات الأخلاقية؛ بغية تشرّبها،


إن رمضان إذا أشرق نجمُه في النفوس شعشعَ فيها أنوارَ المعرفة

لنعم الله تعالى، فسخر العبد الموفق ما وهبه الله منها في مرضاته،

فيلتفت إلى سمعه ليشاركه في الصوم، فيهدي إليه الأصوات النافعة،

ويحول بينه وبين سماع الأصوات المضرة، فإذا جاءت أصوات الحق كان أَسْمَع مِنْ سِمْعٍ لها،

وإن وردت أصوات الباطل أعرض عنها


ففي هذا الشهر الكريم يزين سمعه ويصغيه إلى سماع القرآن

وقلبُه حاضر؛ ليثمر ذلك السماع الجامع لأركان الفائدة التدبرَ

والخشية وزيادة الإيمان، والإقبال على العمل الصالح

ويحليه بسماع الموعظة، وكلماتِ النور التي تهديه إلى الصراط المستقيم.


ويجعل بينه وبين سماع ما يجرح الصوم، ويصيب الديانة في مقتل،

خندقًا من ورع وإعراض، كاستماع الحروف المظلمة

التي تدعو إلى انحراف القلب والفكر عن الجادة المستقيمة،

وكاستماع الغيبة والنميمة، والفحش والبذاء، والطعن في الأعراض،

والكذب والبهتان، والغناء والخنا، والدعوة إلى الرذيلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق