الجمعة، 30 أبريل 2021

غصون رمضانية ( 018 – 030 )

 

غصون رمضانية ( 018 – 030 )

عبدالله بن عبده نعمان


الإعلام المعاصر - على اختلاف أنواعه - وسيلة من وسائل السيطرة

على أفكار الناس وسلوكهم؛ وذلك لما يمتلكه من قوة الوسائل المؤثرة

على المتلقين عامة كانت أو خاصة، ولِما يلقاه من شغف الجمهور به،

وإدمانهم الشديد على متابعة ما فيه، وهذا ما أكسبه جموحَ السيطرة،

ونفوذ السلطة؛ ولهذا عدّوه السلطة الرابعة،

فأصبح المتلقي له طوعَ العِنان يمتطيه إلى حيث يشاء.


والكارثة ليست هنا، وإنما الكارثة أن أغلبه طوع يدي شياطين الإنس،

الذين يوسوسون في صدور الناس، وينخرون في عقولهم،

ويهدونهم إلى صراط الجحيم، وذلك ببث الفساد العقدي والأخلاقي والعملي

في قوالب حسنة تستهوي المشاهد أو السامع أو القارئ،

ويكيلون الإطراء لأهله، ويسلطون أضواء التمجيد عليهم؛ دعوة للاقتداء بهم،

وفي المقابل يحاربون الحق وأهله حربًا شعواء،

ويعتبرون الحق الفكري أو السلوكي انحرافًا عن الجادة، وتخلفًا ورجعية،

ويصمِون أهله بالألقاب المنفرة، والتُّهم المحذرة منهم!

حتى جُعل الكفر حريةَ تعبير، والفاحشة ترفيهًا وحرية شخصية،

والصدق كذباً، والكذب صدقاً، والحق باطلاً، والباطل حقاً،

والخبيث طيباً، والطيب خبيثاً، والبطولة تهمة، والانحرافات السلوكية نجومية!


ولقوة القواعد التي ينطلق منها، وبراعة الآلة التأثيرية التي يتمتع بها؛

غدا ساحراً يتصرف في تصورات كثير من الناس وأخلاقهم،

حينما فقدوا رُقية دفع السحر، والتمييز بين الغيث والسمين،

وعدموا دروعَ الدين المتين، والخلق الرزين، اللذين يردان صولة

ذلك العدو الفتاك.


من القضايا البديهية اليوم أن الإعلام السيئ هو الاستعمار المعاصر

الذي ينصب شراك الهلاك بصور مغرية؛ لكي يصيد العقول؛

ليقوم بصياغتها حسب ما يريد؛ لتتجه بعد ذلك إلى المجتمع؛

لتفريغ شحنة تلك البضاعة العفنة فيه.


فلله كم صادت مصايدُه من قلوب كانت معمورة بالفضيلة،

فصارت مغمورة في مستنقعات الرذيلة، ولله كم سبت من عقول

كانت بالتصور الصحيح مشرقة، فأمست في التصورات الخاطئة مظلمة،

فضلّت وأضلت.

راحوا يعدون للصائمين - قبل مجيء رمضان بأشهر - ما يفسد عليهم صومهم

من الأفلام والمسلسلات والبرامج والفلاشات،

فيعرضون ما يخدش حجاب الحياء، وما يمزق ستار الأخلاق الحسنة،

وما يهد جدار العقيدة الصحيحة. وهناك طائفة إعلامية أخرى

قد لا يكونون شياطين، لكنهم لصوص في مساليخ متصدقين،

حيث يجهزون لأهل رمضان البرامج الترفيهية الكثيرة التي تسرق عليهم

وقتهم الثمين، فتصرفهم عن وظائف رمضان لتأسرهم في شاشة تلفاز

أو حاسوب أو جوال.


إن من المشاهد التي تجلب الأسى أن ينشغل قلةٌ من المسلمين بخيرات رمضان،

وينصرف الجمع الغفير عن نفيس الأوقات إلى العكوف أمام القنوات،

حتى في ليالي العشر الأخيرة، بل في الثلث الأخير من الليل منها،

فشتان بين العاكفين بين يدي رب العباد،

والعاكفين بين يدي أهل الفساد والإفساد!


إن المسلم الموفّق إذا نزل عليه رمضان ضيفًا كريماً انشغل به،

ولم ينشغل عنه، وهذا من كرم الضيافة، وآداب المضيف،

فمن اللؤم -عرفًا- انصراف صاحب المنزل عن النازل به إلى غيره؛

فلهذا فالصائم الموفق فورَ وصول رمضان يفتح له أبواب الروح

والقلب لينزل فيها، وتنشغل جوارحه بخدمته، كما يغلق أبواق الإعلام

الملهي عن إكرام الضيف

وبعد هذا، فمن الإنصاف أن نقول: إن في حشا الغثاء الكثير إعلامًا

هادفًا منفصلاً، ويمكن أن يخدم الصائم بالدروس الرمضانية،

والفتاوى، والتوجيهات والنصائح، فهذا مورد عذب، ومغنى أنيق،

وروض ممرع، ينبغي أن ينتجعه وينزل فيه؛ ليأخذ منه ما يحتاجه،

ولا يجاوز الحاجةَ إلى التخمة؛ لأن ذلك قد يلهيه عن التلاوة والصلاة

وغيرهما من وظائف الشهر الكريم؛ لأن ما أنبت الربيع قد يَقتل حبَطًا أو يُلِم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق