السبت، 1 مايو 2021

غصون رمضانية ( 019 – 030 )

 

غصون رمضانية ( 019 – 030 )

عبدالله بن عبده نعمان


في غمرة مطالب العصر الحاضر التي أخذت على المسلم مساحةً رحبة

من التفكير والجهد والوقت؛ تحصل الغفلة - تامة أو قاصرة - عن حقٍّ يجب

أن يعطيه المرء جزءًا من الزمن والرعاية؛ لكون هذا الحق مطلبًا دينيًا،

ومطلبًا حياتيًا، تترتب عليه آثار حاضرة، وآثار مستقبلية. هذا الحق هو:

حق الأسرة: زوجة وأولاداً، من التربية والتقويم، والحماية والعناية.


قال تعالى :

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ

عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }


وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:

( كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع،

وهو مسؤول عن رعيته،

والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها )


وهذا الحق قد يتغافل الحريص الصالح عن بعض جوانبه المستحبة –

وهو حاضر على باله -؛ لانشغاله بأعماله - وقد تكون دينية

فيريد أن يوليه مزيداً من الاعتناء، ولكن تتعلق به جواذبُ الأعمال

فتحول بينه وبين ما يشتهي

ومع تكاثر الظباء على خراش لا بد من العناية الإيمانية والتربوية بالأسرة؛

لأن هذا حق لها يؤول إلى سعادة الجميع في الدنيا والآخرة.


فصلاح الأولاد ثمرٌ ينبت في حقل الأسرة؛ إذ البيوت حقول تجارب،

فإن أحسن الوالدان الرعاية لهذا الثمر بسقَ وأينع، وأورقَ إيّما إيراق،

وإن أساءا ذَبُلَ هذا النشء وانحرف في حاضره ومستقبله،

فكانت الثمرة المُرّة على الجميع:


وفي هبوب مواسم الخير ينبغي لرب الأسرة أن يستضيف بعض أنسامها

العبقة إلى بيته؛ ليتطيب البيت كله، ومن أعظم هذه المواسم،

وأنعم هذه النسائم: موسم رمضان المبارك.


فمن أحب أسرته فليدخل عليهم شهر الصيام برياض طاعاته الخضيلة،

وأفنانِ ثمراته المتهدلة، وأطايب قرباته الزكية،

ويكون ذلك بعمل برنامج رمضاني يقوم على ركيزتين: ركيزة التخلية،

وركيزة التحلية، فبرنامج التخلية يتم بإبعاد كل سبب يؤثر وجودُه

على روح الصيام، وتكدير جوّه النقي، مثل:

وسائل الإعلام المفسدة، وكثرة اللعب والعبث وهدر الوقت،

والإسراف في الفضول من طعام وشراب ونوم وكلام واجتماعات طويلة في غير طاعة.


وبرنامج التحلية يتم بعمل الوسائل التي تعين على ربح رمضان،

والقيامِ بالأعمال الصالحة العامة والخاصة التي يزخر بها الشهر الكريم

وهذا بعد الحفاظ على الواجبات، والابتعاد عن المحرمات.


وكذلك مراقبة سير التلاوة لأفراد الأسرة من أجل التقويم والتحفيز،

واصطحاب الأطفال إلى المسجد؛ لتعويدهم على صلاة الجماعة،

ورؤيتهم المصلين، وحضور حلقات العلم، مع تعليمهم آداب المساجد

قبل الذهاب إليها، والسماح لهم بجزء يسير من الوقت لمتابعة

بعض البرامج المذاعة أو المشاهدة التي تخدم الصيام، ولا تجرحه

ولا تلهي عنه، وتحذير نساء البيت من أن تتغفلهن بعض النسوة

عن خير رمضان بتضييع الوقت بكثرة الكلام والمراسلة،

والطعن في أعراض الناس بالغيبة والنميمة والاستهزاء.


فالبيت المسلم إذا سار على نحو هذا وأمثاله من البرامج النافعة في رمضان

التي دعا إليها الإسلام في خطاباته العامة فستظله سحب الخير،

وتمطر عليه غيث الهدى، فيخرج نباته بإذنه ربه

بخلاف البيوت التي لا تعرف في رمضان إلا الإسراف في الشراب والطعام،

وكثرة السهر ليلاً والنوم نهاراً، والاعتكاف أمام الشاشات

التي تفسد الدين والخلُق، واللهو عن الخيرات بالتلهي بالمفسدات،

فالأب له ما يشغله عن أسرته، والأم لها برنامج رمضاني مع النساء

تذهب به ثقل الصوم، والأولاد في وادي هواياتهم، وكل في فلك يسبحون!

فمثل هذا البيت الذي اجتمع على الضياع، وتفرق عن الصواب

ماذا ينتظره في نهاية الشهر الكريم؟!

ولمن ستكون جوائز الصائمين، وكرامات العابدين؟!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق