الأحد، 19 سبتمبر 2021

موسوعة المؤرخين (143)

 

موسوعة المؤرخين (143)


الجبرتي وكتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار (03)

عبد الرحمن الجبرتي.. سيرة وحياة وكتاب
يذكر المؤرخون أن الجبرتي حبشي الأصل، نزح أسلافه من جبرت –
إحدى مدن الزيلع الإسلامي في بلاد الحبشة- إلى مصر وتعاقبت أجيالهم
فيها . ولكن الدكتور محمد محمود الصياد ذكر أن صحة الاسم هو:
(جَبْرَه) بفتح الجيم والباء الموحدة والراء المهملة ثم هاء في الآخر،
هكذا رواه القلقشندي نقلاً عن صاحب تقويم البلدان .

ومهما يكن من أمر فإن نسبة الجبرتي ذاعت وانتشرت، وقد عرف بها
عدد من الرجال كان منهم العلامة الشيخ حسن بن إبراهيم بن الشيخ
حسن بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الجبرتي الحنفي والد مؤرخنا
الشيخ عبد الرحمن الجبرتي.

ويذكر المؤرخون أن الشيخ حسن -والد المؤرخ- كان من أعلام علماء
الأزهر الشريف، درس على الشيخ حسن بن الشيخ حسن الشرنبلاني
حتى أجازه، وتصدر للتدريس في الأزهر، وفي مدرسة السنانية ببولاق
بجامع سنان باشا، وكان الشيخ حسن الجبرتي على جانب كبير
من الثراء، وكان له بيوت ثلاثة، أحدها بالصنادقية والثاني على النيل
ببولاق والثالث بمصر العتيقة. وكانت مكتبته عامرة بالكتب القيمة
والمخطوطات النادرة، آهلة في كل وقت بالعلماء والمجاورين .

في هذا البيت العامر بالعلم والدين والأدب ولِد الشيخ عبد الرحمن
الجبرتي في عام 1167هـ / 1754م، وهو الابن الوحيد الذي عاش
للشيخ حسن الجبرتي من أبنائه الذكور، فاهتم به أشد الاهتمام، ورعاه
أحسن الرعاية خاصة بعد أن لمس فيه مخايل النجابة والذكاء ودقة الفهم

فقد حفظ القرآن الكريم وهو في الحادية عشرة من عمره، وكان يحفظ
كثيراً من الأحاديث والروايات والأخبار التي يقصها والده على المشايخ
الناشئين والمهاجرين الذين كانوا دائمي الترداد على منزله بالصنادقية.
ولهذا صار والده يخصه بأحداث العصر وأخبار الولاة والعلماء الذين
عرفوه وعرفهم، ولما توفي والده ترك له أموالاً طائلة وصداقات
عديدة أكثرها من المشايخ والمريدين والأمراء والحكام.

وواصل عبد الرحمن الجبرتي دراسته إلى أن تخرج في الأزهر بعد أن
درس علوماً شتى في الفقه واللغة، ثم عكف على خزانة والده يستزيد
من علوم الفلك والحساب والهندسة وغير ذلك. وصار الشيخ
عبد الرحمن يعقد حلقات التدريس وفق ما جرت به عادة
المتفوقين البارزين من علماء الأزهر.

وهنا في هذه الحقبة خَبرَ الشيخ عبد الرحمن الجبرتي أخبار العلماء
وأخلاقهم، وكان غير راض عن أعمال زملائه في الأزهر، ولعل عدم
الرضى هذا هو المسؤول فيما بعد عن عادة النقد والتفكير الجاد والتحليل
الذي عرف به الجبرتي عند كتاباته لتراجم الرجال. فقد أخذ على هؤلاء
العلماء افتتناهم بالدنيا وعدم إخلاصهم للعلم وحرصهم على جمع الأموال،
واستخدامهم لكثير من الخدم والمقدمين والأعوان، ومخاصماتهم الكثيرة
بعضهم مع بعضهم. ومن هنا تولدت عند الجبرتي جذور الإدراك الواسع
والفهم الدقيق لأخلاق الرجال، وطبيعة المشكلات التي يمر بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق