الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

موسوعة المؤرخين (145)

 موسوعة المؤرخين (145)



الجبرتي وكتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار (05)

الجبرتي وطلبه العون
وقد استعان الجبرتي في علمه هذا بكل من اعتقد أن عندهم عوناً،
ومن هؤلاء صديقه إسماعيل الخشاب الذي التحق شاهداً بالمحكمة،
وكان من العدول المشهورين بالعلم والأدب.

لا شك أن الجبرتي بعد ذلك قد أعد الدفاتر واطمأن باله، فقد كان يشكو
من استبهام المائة الماضية عليه حتى السنة السبعين، أي من عام
1070هـ حتى 1170هـ، لأن هذه السنوات سابقة على حياته، فهو قد
ولِد سنة 1167 هـ، كما سبق القول، ولذلك حرص على أن يدون الأسماء
من الدواوين الرسمية والأوراق الثبوتية المعتمدة، أما بعد ذلك فهو عليه
هيِّن، يقول: "إنها تستبهم عليَّ (المائة الماضية إلى السنة السبعين)
وأما ما بعدها فأمور شاهدتُها، وأناس عرفتهم، على أني سوف أطوف بالقرافات (المقابر) وأقرأ المنقوش على القبور، وأحاول جهدي أن أتصل
بأقرباء الذين ماتوا، فأطلع على إجازات الأشياخ عند ورثتهم، وأراجع
أوراقهم إن كانت لهم أوراق، وأسأل المعمرين ماذا يعرفون عمن
عايشوهم، ولا أرى بعد ذلك مرجعاً أعتمده غير ما طلبتُ منك
(أي من إسماعيل الخشاب)" .

ويبدو حرص الجبرتي على الحقيقة، مع ما يحس به من الضعف
البشري الذي هو من طبيعة الإنسان في قوله: "فلا أكتب حادثة حتى
أتحقق صحتها بالتواتر والاشتهار، وربما أخَّرْتُ قيد الحادثة حتى أثبتها
ويحدث غيرها وأنساها، فأكتبها في طيّارة حتى أقيدها في محلها إن شاء
الله تعالى، عند تهذيب هذه الكتابة، وكل ذلك من تشويش البال، وتكدر
الحال، وهمّ العيال، وكثرة الأشغال وضعف البدن، وضيق العطن" .

الجبرتي والحملة الفرنسية على مصر
ظل الجبرتي منهمكاً في جمع أخباره وتقييدها في دفاتره وكراساته
وأوراقه حتى فاجأته وفاجأت المصريين جميعهم الحملة الفرنسية على
مصر سنة 1798م، كان الجبرتي في الرابعة والأربعين من عمره. كان
في عنفوان شبابه واكتمال ذاكرته ورجاجة عقله، ولذلك فهو لم ينقطع
خلال فترة بقاء الفرنسيين في مصر عن تسجيل أعمالهم، ورصد
حركاتهم، والتعليق على أقوالهم وأفعالهم، وكان أكثر العلماء الأزهريين
دقة في تدوين ملاحظاته على نظام الحياة في مجتمع الجنود الفرنسيين
وطرائقهم في تنظيم حياتهم.

وقد انقسمت ملاحظات الجبرتي تلك إلى قسمين:
1- ملاحظات سياسية تتعلق بنظم الحكم ومنشورات الفرنسيين وتحليل
أقوالهم ورصد أهدافهم، وفي هذا القسم لم يكن الجبرتي ملمّاً بالحياة
الفرنسية وبالعالم الخارجي، فلم يستطع تحليل الأحداث تحليلاً عميقاً مثل
ما فعل في القسم الثاني من ملاحظاته وهي الملاحظات الاجتماعية.

2-ملاحظات اجتماعية: ففي هذا القسم يتحدث الجبرتي عن مشاهداته
الشخصية وتجاربه العملية، وهو من عَلِمْنا دقة ملاحظة وحضور بديهة.
وقد تفاوتت مواقفه من الحياة الاجتماعية والثقافية للفرنسيين فأحياناً
كنتَ تراه معجباً ببعض مظاهر السلوك ولا سيما ما يتعلق بالمعرفة وحب
العلم وإجراء التجارب واستخدام الأجهزة والأدوات. وأحياناً كنتَ تراه
ساخطاً بَرماً خاصة فيما يتعلق بتصرفات النساء وخروجهن للعمل
سافرات على غير المعهود في المجتمعات الإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق