الثلاثاء، 11 يناير 2022

المطففين

 
المطففين


توعد الله سبحانه وتعالى المطففين بالويل في آية حملت وصف القوم
وابتدأت بهم. قال تعالى : {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [1]}..
ذهب بعض أهل التفسير في المراد بالويل هنا
إلى أنه: وادٍ في نار جهنم أعدّه الله لمن يتلاعبون بالكيل والميزان زيادة أو نقصان؛ وأما طريقة تلاعبهم فلقد وردت في آيتين متواليتين:
{الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [2]
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [3]} .. أي أنهم إذا أرادوا أن يكتالوا
من أحد يأخذون مرادهم ويستوفون كيلهم حقّ استيفاءه.

وأما إذا كالوا هم أو وزنوا لغيرهم فإنهم يُخْسِرون أي ينقصون الوزن
والكيل ويبخسون؛ فهذا الوجه المشهور عنه تراجم الآية.

ولما كانت العبرة في الآيات بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فإنّ للتطفيف
وجه آخر لا يقل قباحة عن الوجه الأول وهو مما ينبغي الوقوف عنده ملياً
لأنه لسان حال واقعنا الاجتماعي اليوم .. حيث أن التطفيف دخل في التعامل
المباشر أثناء البيع والشراء.

ولما كان البيع باب من أبواب التجارة المشروعة إذا لم يخالطها حرام؛
فإنّ ما ينقلها إلى مصاف التحريم في أحد طرقها إنما يكمن في قيام التجّار
بالتلاعب بالأسعار عند بيعهم للسلع والمنتوجات لأصحاب المحلات الذين
يشترونها منهم بسعر يخضع للربح الفاحش عند بيعها وذلك ضمن لعبة
ميزان الصرف في العملة الصعبة.. ويعمد بعد ذلك من يشتريها من أصحاب
المحلات إلى بيعها للناس بسعر فاحش ليعوض ما دفعه ثمناً مرتفعاً للتجّار
الذين عرضوا ما عندهم بعد أن أخفوها ليكون طلبها من الباعة أكثر إلحاحاً
لحاجة الناس اليها.. وهكذا يقع عامة الناس فريسة في أفواه الجشعين
من التجّار والباعة الذين لا همّ لهم إلا الربح السريع من دون خسارة.

ولو أنهم هم أنفسهم كانوا في الموقع المقابل لكانوا أكثر ما يكونوا
حرصاً على نيل ما يشتهون من دون نقص أو منع...
أليس هذا وجه من وجوه التطفيف واللعب بميزان رقمي لا حديدي ولكن
وقعه على الناس أشد من وقع الحديد ألماً؟! وسيكون على مقترفيه يوم
القيامة ويلاً وعذاباً أليماً.
نسال الله السلامة في الدين، وأن نكون من المقسطين في زمن المطففين.
............
(سورة المطففين الآيات: ١-٣).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق