الثلاثاء، 1 مارس 2022

المنخفضات الأخلاقية

 

المنخفضات الأخلاقية

المتأمل في حال المجتمعات اليوم يدرك الأزمة الحقيقة التي تعيشها الأمة
والتي تتمثل في الأزمة الخُلقية، ومن غض الطرف أو كابر وحاول أن يعاند
حول تمحور الأزمة في الأخلاق إنما هو غافل أو متغافل.

فأمتنا الإسلامية لا ينقصها عدد ولا عتاد أو مقدرات فهي متوافرة بحمد الله،
ولكن ينقصها منظومة خُلقية راسخة في نفوس أبنائها وبناتها لا يحيدوا عنها قيد أنملة
ولا يجعلونها كما العارية أو الثوب المستعار يرتدونها متى
كانت جالبة لهم الفوائد وينسلخون منها متى تعارضت مع مصالحهم
فمنافعهم ومصالحهم عندهم المعيار بالقدر الذي يعود تمسكهم بالمنظومة
الخلقية بالنفع عليهم تقمصوها وإذا تعارضت مع مصالحهم خلعوها
وتنصلوا منها.

"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (رواه البيهقي)
فالأخلاق قطعا ليست أهم من أساسيات الدين المتمثلة بالعقيدة، غير أن
العقيدة أمر بينك وبين الله محلها قلبك وهذا في خفية عن عين البشر إلا أن
أخلاقك هي الوجه الذي تقابل به الناس وتتابع سيرك في الحياة وانظر وتفكر
في ثناء القرآن الكريم على الرسول الكريم:
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].

وأمنا عائشة عندما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم أجابت: "كان خلقه القرآن"
(رواه أحمد). نعم لا يهم العدد من الآيات التي تحفظها عن ظهر قلب من
القرآن بالقدر الذي يهم مدى رسوخ القرآن في نفسك! فكم من حافظ للقرآن
لم يتجاوز ترقوتهم فكانوا غلاظا شداد الفظاظة تكسوا ملامحهم وتفيض بها
جوارحهم فكانوا كما الصحراء الجرداء لا أنبتوا في أنفسهم ولا استظل
بهم عابر.

وتأمل قيمة الخُلق في حياة المسلم وأنّ الاستهانة به لا يشفع فيها كثرة
عباداتك فقد ورد عن أبي هريرة قال: "قال رجل: يا رسول الله إن فلانة يذكر
من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال:
هي في النار! قال يا رسول الله: فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها
وصلاتها وإنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها قال
هي في الجنة" (رواه أحمد).

بل لو توقفت الهوينى وتأملت بالشعائر التعبدية التي افترضها الشرع الحنيف
لوجدت كل شعيرة منها تصب في ينبوع الأخلاق من إقامة الصلاة وصوم
رمضان مرورا بالزكاة والحج وغيرها من المستحبات التي انتدبها شرعنا
وحببها إلينا من تبسم في وجه أخيك المسلم وإفشاء السلام والتهادي، إنما
هذه أمثلة تدل على ترسيخ الأخلاق الفاضلة وشيوعها بين الناس وامتداد
خصالها بينهم، كما تمتد الدوحة بفروعها ناشرة الفيء والظلال، وانظر
لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقا" (رواه البخاري). فإن من يتمسك
بشعار الدين مظهرا فهو أشبه ما يكون بشجرة لا ثمار لها وهل الخلق
الحسن إلا ثمرة من ثمار شجرة الإيمان الراسخة ومن حال بين التزامه
وبين حسن خلق حائل إنما هو نتاج فهم مغلوط لروح الدين الذي ارتضاه
ربنا عز وجل لنا، إن أركان الدين الحنيف لو تفكرت بها لتبين لك متانة
الأواصر التي تربط هذه الأركان بالأخلاق.

والأزمات التي تمر بها الأمة اليوم لهي خير معيار يكشف عن معادن الناس
وأخلاقياتهم ومدى توافق أعمالهم مع أقوالهم، وإن الأزمات لهي أفضل
كاشف يكشف لنا عن جواهرنا ويسفر عن حقائقنا ويفضح عوراتنا، فتأمل
أزمة كورونا التي يمر بها العالم اليوم وما أسفرت عنه من بخس الإنسان
وتجاهل حقوقه لا سيما عند صناع القرار والسعي الحثيث لفئة من أرباب
الأموال أن تظل تجارتهم وأموالهم في ازدهار ولو كان الثمن الإنسان نفسه،
وانظر لسقطات الناس الأخلاقية وما يمارسه البعض من تنمر على من قُدر
عليه أن يصاب به فيشار له وكأنه أتى بشنيعة أخلاقية الكل ينظر له بتوجس
وريبة بل عن أولئك الذين هتكوا أعراض الناس وتعدوا على حرماتهم
يسيرون جهارا نهار بلا أدنى ذرة من خجل أو حياء، فثبت سقوطنا بامتياز
في هذه المواقف التي تحتاج ليد الرحمة مع الأولين وليد القوة مع الآخرين.

إنما أخلاقنا هي علامة صادقة على ما ندين به من كمعتقدات وأفكار ومبادئ
وهي ترجمان مدى تمسكنا بشرعنا واقتدائنا بنبينا عليه أفضل الصلوات
وأتم التسليم وحسن الخُلق غاية عظيمة وثماره كذلك في الفرد والمجتمع
وهو مدرسة نستقي تعاليمها من قدوتنا ونبينا فلا بد من متابعة جادة لأخلاقنا
وما تسفر عنه من سلوكيات وعرضها على أخلاق المصطفى ومن تبع هديه
وسار على نهجه وحسبنا قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليدرك بحسن الخلق درجة
الصائم القائم" (رواه أحمد)، فركعتين في جوف الليل ينهيانك عن الفحشاء
والمنكر لهما أثقل في الميزان من ساعات طويلة في المحراب لا تمنعك
من استهزاء أو سخرية في القول والعمل، وصيام يوم يزرع فيك بذور
التقوى خير من صيام دهر لا يمنعك من فحش الكلام أو شهادة زور.

وصدق القائل: إذا أصيب القوم في أخلاقهم...فأقم عليهم مأتما وعويلا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق