السبت، 16 فبراير 2019

شرح الدعاء من الكتاب والسنة (8)

شرح الدعاء من الكتاب والسنة (8)



شرح رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

( الجزء اﻷول )


1- { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن

تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا

مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا

سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ

وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ }.

سبحانك: اسم مصدر منصوب على المفعولية المطلقة،

وأصله من التنزيه والإبعاد عن السوء .

الأبرار: جمع بر، والبرّ هو: التوسّع في فعل الخير .

والخزي: الذلّ والهوان .

هذه الدعوات الجليلة من أهل الإيمان، ينبغي للعبد أن يقف رويداً عندها

بالتأمل والتدبر بما حوته من عظيم المنافع في مسائل الإيمان والمعاد.

فقد جاء عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنّه قال لأمّنا الصدّيقة بنت الصدّيق

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ،

قَالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِيِ قَالَ:

(يَا عَائِشَةُ، ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي)، قُلْتُ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَك،

وَأُحِبُّ مَا يَسُرُّك، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي

حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: وَكَانَ جَالِسًا، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ،

قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ،

فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غُفِرَ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك

وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ

آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا) .

إنه موقف عظيم للنبي ، ينبغي للعبد أن يتأمّل جيّداً في هذا الخلق العظيم

العجيب في أقطار السموات والأرض، وما يسمو به ذلك من المعارف،

والإيمان، والحبّ، والتعظيم، والذكر الكثير للّه ربّ العالمين.

قال تعالى:

{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي

الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ

فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ }.

أي: ( هذه في ارتفاعها واتساعها، وهذه في انخفاضها وكثافتها، وما فيهما

من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات، وثوابت، وبحار،

وجبال، وقفار، وأشجار، ونبات، وزروع، وثمار.

{ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}: أي تعاقبهما، وتعارضهما الطول والقصر،

فتارة يطول هذا، وتارة يقصر هذا، ثمّ يعتدلان.

{ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ }

أي: العقول التامّة الذكيّة التي تدرك الأشياء بحقائقها على جليّاتها )

ثم وصف أصحاب العقول السليمة بقوله تعالى:

{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}

أي: يذكرون اللَّه في كلّ أحوالهم، وأوقاتهم سرَّاً وعلانية.

{ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ }:

يتأمّلون في عظيم خلقه، وبديع صنعه، فدلّ هذا على أنّ التفكّر في خلق

السموات والأرض من صفات أولياء اللَّه تعالى؛ لأنهم إذا تفكّروا بها،

وتدبروا في خلقها العجيب، أثمر لهم برد اليقين، وقوّة التسليم بأن اللَّه

تعالى خلق هذه الأجرام بالحق الذي يسمو منه الحكم الباهرة، فقالوا:

{ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا }،

أي: لم تخلقه عبثاً لكمال حكمتك، وسعة علمك.

{سُبْحَانَكَ}: من ( التسبيح، وهو التنزيه، والإبعاد عن السوء، والذي

ينزه اللَّه تعالى عنه شيئان: (النقص)، (ومماثلة المخلوقات)

أي: ننزهك عن كل نقص وعيب، ومن ذلك أن تخلق شيئاً عبثاً لا حكمة

فيه، فإن خلقك وفعلك كامل من كل الوجوه، لكمال حكمتك وحمدك

وجلالك، وهذا يدلّ على حسن توسّلهم حال دعائهم.

{ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}: قدّموا التنزيه المتضمّن لكل كمال قبل السؤال لشدّة

رجائهم في الوقاية من هذا المهلك الرهيب، توسّلوا إليه تعالى أن يبعد

عنهم أشدّ الشرّ وأعظمه، ثم بيّنوا علة سؤالهم:

{ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }:

أي من أدخلته النار فقد أهنته، وأخزيته أمام الجميع في المحشر،

وهذا الخزي العظيم الذي لا نصير لهم في هذا اليوم العظيم، ذكروا

هذا الكلام في سياق الأخبار متضمناً لسؤالهم اللَّه تعالى الوقاية من النار.

{ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا }:

أي داعياً يدعو إلى الإيمان، وهو الرسول محمد ، وقيل: المنادي هو

كتاب اللَّه تعالى، وكلاهما صحيح ومتعيّن:

( وهذا صريح في الإيمان بالرسول والمرسل) ؛

لأن ( عامّة ألفاظ القرآن تدلّ على معنيين فأكثر)

{ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا}: في هذا إخبار منهم بمنَّة اللَّه عليهم بالإيمان،

فقدَّموا هذا التوسّل ليكون وسيلة إلى الغاية العظيمة المرجوَّة عندهم

من المغفرة والنجاة في الدار الآخرة.

{ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا }: أي بسبب إيماننا اغفر لنا ذنوبنا، وهذا من

حسن توسّلهم إلى اللَّه تعالى، حيث توسّلوا للَّه بأفضل أعمالهم،

وهو إيمانهم به تعالى، والإيمان به يعني: الإيمان:

1- بوجوده.

2- وربوبيته.

3- وألوهيته.

4- وأسمائه، وصفاته، وأفعاله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق