الاثنين، 3 مايو 2021

غصون رمضانية ( 021 – 030 )

 

غصون رمضانية ( 021 – 030 )

عبدالله بن عبده نعمان


ها هم الصائمون قد قطعوا ثلثي المسافة، وما بقي على خط الختام إلا القليل،

نعم، مضت عشرون أحسنَ فيها من أحسن، وأساء فيها من أساء،

وفتر فيها من فتر. لقد كانت سريعة التقضي لدى المحبين،

بطيئة الخطو عند الكارهين، ليصل الجميع - بعد ذلك - إلى هذه العشر الأخيرة،

وبها تصل مطاياهم إلى نهاية السباق.


فلأهلِ الخمولِ، وذوي الحُمُر المعقرة، أخدانِ الآمال بلا أعمال،

نقول: إن المضمار ما زال يحويكم، فأسرجوا مراكب الهمم،

وامتطوا مُطيَّ العزم الجامح؛ فلعلكم أن تلحقوا.


وللمسابقين، إيهِ إيهِ أيها الركب الظافر - إن شاء الله -، جددوا العزم،

ولا ترخوا عِنان الجد، ولا تسترضعوا لبان الفتور، ولا تلتفتوا إلى الوراء؛

فالسباق لم ينته بعد، وأنتم على خطوط النهاية التي يتميز فيها الفرسان،

ويُكسب فيها الرهان، وتنال فيها الجوائز، والفارس قد يبطئ في أول المجال،

لكن إذا لاحت له أعلام النهاية طار إليها طيرة لا تُدرك،

فإن كنتم أنتم أهل الغرام بهذا السباق فأروا ربكم من أنفسكم شواهد الحب؛

فصادق الحب لا يشغله غير محبوبه،

ولا يفتر في ميدان الوصول إلى لقاء مطلوبه


هذه العشر هي الجولة الأخيرة التي يُعرف فيها عباد الرحمن، وطلاّب الرضوان،

وفارس الفرسان، وحائز خطر السبق يوم الرهان؛

ولهذا حظيت هذه العشر المباركة بنواصي الأعمال والفضائل؛

ففي صدرها الرحب ليلة مباركة هي خير من ألف شهر،

وفيها سُنّة الاعتكاف التي ينسلخ فيها المعتكف من عالم الخلطة بالبشر

إلى عالم الخلوة والأنس برب البشر وحده، وفيها إخراج زكاة الفطر

تطهيراً للنفس، وجبراً للنقص؛ ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

يستعد لهذه العشر الفاضلة استعداداً خاصًا، فيحلّق في سماء المسابقة،

مفارقًا فراش الأهل، وحاملاً لهم على الجد، ومباينًا النومَ في الليل،

وعاكفًا في محراب العبادة المتنوعة.


فعن عائشة رضي الله عنها قالت:

( كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل العشر شد مئزره،

وأحيا ليله، وأيقظ أهله )


في هذه العشر المباركة مظهر من مظاهر رحمة الله وإكرامه لعباده؛

فقد أقطعهم جنةً تزهو بأينع الثمر، وتفوح أزهارها بأطيب الطيب،

دونكم هذه الروضةَ الغنّاء التي أبيحت لكم، فجذّوا ما تشاؤون،

واطعموا ما تشتهون، واستقوا ما تريدون، وتطيبوا ما تحبون،

وادخروا لحاجتكم من خيرها ما تبغون؛ فهي لكم أنفسُ ما في الهدية السنوية،

وهي بيت القصيد، وواسطة القلادة، وإنسان الحدقة، ودرة التاج،

كما هي رحمة بالمسيئين، ومكافأة للمحسنين.


وما تلك العشرون السالفة إلا مقدمة بين يديها،

وترويض للنفس على الاستعداد لخيرها

فيا باغي الخير، شدّ المئزر، وشمر عن ساعد الجد،

واركب إلى العلياء مطية الحزم، وتخلّص من أسباب اللهو،

ودع الدنيا لأهلها، وأقبل إلى البستان الكريم فارّاً إليه، غير خارج منه،

حتى يخرج عنك بهلال الوداع.

فلا تضيع ليالي هذه العشر التي تقطر بالفضائل، وأيامها التي تسيل بالنوائل،

فليكن لك حظ وافر من طول السهر للقيام المتدثر بالانشغال بالأعمال،

لا السهر المعمور بالقيل والقال، وليكن لك سهم في الاعتكاف،

ولو ساعات معدودات، ولتستمر على خيراتك السابقة مضاعفًا إياها

من تلاوة وجود ودعاء وخلق حسن.

وإياك إياك أن تسرق الأسواقُ لياليك المقمرة من أجل مطالب العيد؛

فتظلم مشاعل قلبك، وتوهجَ وقتك. فإذا وصلت بك العشر على مركب الجد

إلى شروق العيد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق