السبت، 8 مايو 2021

غصون رمضانية ( 026 – 030 )

 

غصون رمضانية ( 026 – 030 )

عبدالله بن عبده نعمان


الحُبّ كلمة، لكنها قاموس زاخر يُهدي للناس من أعماقه لآلئ ثمينة،

يتزينون بها في مجالسهم، وتسرق أبصارَ الإعجاب إليهم،

ينظرون إلى أنفسهم وعليهم قلائد الحب فيفرحون، وتضيء عليهم فيستنيرون.

والحب نور ونار، نور يضيء دروب المحبين، ونار تحرق أكباد الحاسدين،

والحب قلب فسيح يتسع ولا يضيق، ونهر يتدفق ولا ينضب.


والحب جنة أريضة، تفوح بأطيب العطور، وتنبت أجمل الزهور.

والحب معراج الشرفاء إلى ربابة الأحِبّاء،

وعِلْق نفيس لا ينبغي أن يعلّق إلا في صدور المعالي.


وإذ ذكرتُ الحب هنا فإنما أعني به ذلك الحب الطهور الذي تسقي القلوبَ

به غمامةُ الإيمان، والخلق الكريم، فتهتز أرضها بكل زوج بهيج

من الصفات الفواضل، والخصال الكوامل.

ولا أريد به ذلك الحبَّ الكدِر الذي يسيل به الانحراف فترتشفه القلوب الخاوية

من حراسة التقى، والعقول الخالية من حصانة ورود البلوى؛

لأن ذلك الحب حينما ضل طريقه تجرّع أهله مرارة الإباق

فصار عليهم عذابًا يجدون في سعيره شدةَ الإحراق بحطب الأشواق

لقد أساء ذوو الأهواء الطائشة إلى هذه الكلمة المقدسة حينما أسروها

في قبّة الرذيلة، وصاروا يعلنون بدائهم وشقائهم باحثين عن آمالهم

وشفائهم فاجتمعت عليهم الأسماع والعيون فنقلت عنهم مفهوم الحب

الذي رأته للمشوق والمهجور كالتنور المسجور.

مع أن الحب أطهر من أن يُرمى بذره في هذه السباخ،

وأشرف من أن يتجه هذه الاتجاه.


إن الحب عبادة من العبادات، وقربة من أعلى القربات،

وهو تكليفٌ أمرَ الله تعالى عباده به، فمن عصى الأمر بالحب أثِم،

ومن ماطل في الوفاء بحقه غرِم.


فمن ذلك حب الله تعالى، فالله أعظم مَن يُصرف له حبُّ المحبين،

ووداد الوادّين، فالمحب الصادق لله تعالى يحب ذاته وأسماءه وصفاته،

وأفعاله ودينه الذي شرعه. وكيف لا نحب الله تعالى حبًا لا يعلوه حب،

وهو ذو الكمال والجلال والجمال.

وكيف لا نحب الله عز وجل وهو الذي خلقنا ورزقنا وصوّرنا فأحسن صورنا،

كفانا وآوانا، وحمانا وأعطانا. إن أحسنا آجرنا وأثابنا،

وإن أسأنا حلم علينا وأمهلنا، وإن تبنا رحمنا فغفر لنا.

وكيف لا نحب ربنا تبارك وتعالى، وكل خير نحن فيه فمن عنده،

وكل شر دُفع عنا فمن فضله!.

ومن ذلك حب نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، قرة أعيننا، وهادي طريقنا،

وقدوة سيرنا، الذي دلنا على الخيرات، وحذرنا من المنكرات،

وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم برهانُه اتباعُ سنته والعمل بهديه،

ومحبة ما يحب، وكره ما يكره

يطرق رمضانُ أبوابَ المسلمين وفي يديه أمزانُ الحب التي تسقي فراديس

حبهم فإن قبلوا ماءها وسقوها به غدت جنانهم بهجة للناظرين،

ونالت رضا رب العالمين، فكانت لهم أُنسًا في الخلوة، وزينة في الجلوة.

من ذاق حلاوة العبادة المتنوعة في رمضان، وفكّر في عظمة تشريع صيامه

وما يحف به من الأعمال الصالحة وما يعقبها من الأجر العظيم زاد حبه لله تعالى

الذي كتب صيام رمضان على عباده، وتفضل عليهم

بنوائله في هذا الشهر الكريم.


ومن قرأ القرآن الكريم في رمضان قراءةَ تأمل وتدبر، وفهم ما يراد منه،

زاد حبه لهذا الكتاب العظيم الذي تنقل بين أفيائه،

وتمتع طرفه بمروره بين صفحاته.

ومن تقرّب إلى الله تعالى بالطاعات، وتلذذت نفسه في مخارف القربات،

عظم في قلبه حب الإسلام الذي ألفى فيه هذه الخيرات.

ومن طاب عنده خير رمضان، ونال منه غذاء الروح قوي في قلبه

حبُّ نبي الأمة صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تعالى بهذا العطاء الجزيل إليه.


كما أنه عندما تحلو له الحياة في الجو الرمضاني الجميل وهو يعبد الله تعالى

كأنه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في استقاء الشريعة الغراء

يعلن بالحب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم

ولمن تلاهم من أهل العلم والعبادة الذين حملوا هذه الأمانة إليه

حتى عبد الله تعالى بما أوصلوه من الحق إلى حيث كان.

وفي الوقت نفسه يطفح قلبه بالحب الوافر للمسلمين الذين كانوا رفقاء دربه

في رحلة الصيام، فرمضان جاء ليقتلع من فؤاده أشواك الحقد والبغضاء،

ويغرس بدلاً عنها ورد الإخاء والصفاء.


كيف لا يكون رمضان شهر الحب بين المسلمين، والمسلم مأمور فيه

بكف لسانه وجوارحه عن الإيذاء للمسلمين، وكيف لا يكون شهر الحب

والصائم مندوبٌ إلى تفطير الصائمين، ومد يد السخاء إلى المحتاجين،

فالغني يحب الفقير؛ لأنه كان جهةً لبذله فكان سببًا لثوابه،

والفقير يحب الغني؛ لأنه سد حاجته، وأعانه على طاعة ربه بتفريج كربه

ليجد وقتًا يتقرب فيه إلى الله.


وكيف لا يكون شهر الحب وهذا الجمع الكبير من المسلمين يجتمعون

على عبادة واحدة لرب واحد بشرائط واحدة، فينبغي أن يكنّ المسلم

الحب لمن هم مثله، ويسيرون معه إلى غاية واحدة.


إذن: رمضان بريدُ الحُبّ إلى المسلمين يحمل إليهم رسائل المِقةِ فيقول:

أطيعوا لتُحَبّوا، وأحبِّوا لتودّوا، وتأملوا في بساط رمضان

تروا مشاعل هادية تقود خطاكم إلى تنمية واجب الحب ومستحبه.

a

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق