بسم الله الرحمن الرحيم
الفقر ليس نقص الموارد والإمكانيات فقط ولكنه حالة أكثر عمقا وقسوة ،
يحكى أن إحدي الأميرات طلب منها معلم اللغة
العربية أن تكتب موضوعا عن ( أسرة فقيرة ) أطلقت الفتاة لخيالها العنان ولأنها نادرًا ما تغادر جدران القصور فقد جاء موضوعها مميزًا جدًا .

قالت الفتاه ( كانت الأسرة فقيرة جدًا حتي أن كل الخدم لديهم فقراء وكل سائقي السيارات فقراء وكل الطباخين والسفرجية فقراء !)
أحيانا نفكر بطريقة تقترب من هذه الطرفة ، حين نعتقد
أن كل ما ينقص الفقير بعض المال وننسي تماما عضة الفقر .

رحم الله من قال ( لو كان الفقر رجلًا لقتلته ) الفقر ليس رجلًا لكنه وحشًا ذو أنياب شرسة ، إذا نهش ضحيته فإنه يترك فيها أثرًا لا يمحى وربما أحدث عاهة مستديمة لا تداويها بعد ذلك أموال قارون ، هل نحكم بذلك علي كل الفقراء بالتشوه النفسي؟
من رحمة الله بعباده أنه ترك لهم جميعًا أبوابًا مفتوحة ، فإذا أغلق أمامهم باب المال فأمامهم أبواب كثيرةللرحمة ، أهمها باب التقوي والإيمان بالله فمن اعتصم به حفظه الله من كل سوء وأبدل فقره عزًا يجده في نفسه وشرفًا يستشعره من عبوديته لله ، وهناك أيضًا باب التراحم والتكاتف الأسري ، فالأسرة المترابطة المتعاونة المحبة يمكنها تجاوز محنة الفقر والخروج منها بفوائد عديدة منها الصلابة والعصامية والقدرة علي التحمل

، ومعظم رجال الأعمال العصاميين نشأوا في بيئات فقيرة ولكن متعاونة فاكتسبوا خير صفات التحدي والاستجابة ، وإذا أعطاهم الله بعدذلك من فضله الواسع فإن سمتهم يكون هو العطاء والرأفة بالفقراء لشعورهم بمعاناتهم وتجدهم يفضلون الحلول الإيجابية مثل إيجاد فرص عمل في شركاتهم للمحتاجين وليس إلقاءفتات المال كصدقات إليهم.
ولكن النسبة الأكبر ممن يقعون تحت خط الفقر يسقطون في براثن الوحش الذي ينتهك إنسانيتهم ، عندما يعيش الناس في عشش الصفيح دون توافر الحد الأدني من الظروف الآدمية ويتخاطفون اللقمة من بعضهم البعض وتسلب منهم كل الحقوق والاحتياجات الأولية من مسكن وملبس ومأكل ، ويصبح أسلوب التعامل السائد بينهم هو الخطف والعنف وتجاهل كل القيم فلا تنتظر سوي إنتاج وحوش بشرية ..الأقوياء منهم هم البلطجية والمجرمين والضعفاء هم بائعي أنفسهم و المتسولين ،والأخطر من يستطيع بذكائه تخطي أصله الوضيع والوصول لمنصب مرموق ويظل الوحش بين جنبيه ينهش ضحاياه بمكر وحيلة كلما سنحت الفرصة ونتعجب ألم يشبع بعد كل ما حصد من مال ؟ لا لم ولن يشبع فمازالت عضة الفقر تحركه ، كما أن تكوينه صار هو ذلك الوحش الأنيق ويكاد لا يعرف شيئًا عن معاني القيم النبيلة سوي ما يردده بلسانه في المناسبات كمناورة وورقة ضغط علي مشاعر الناس ووسيلة تجميل لوجهه البشع ، وطالما بقي الفقر سيظل تفريخ البلطجية والمجرمين صغارًا وكبارًا مستمرًا ونخطئ كثيرًا لواعتمدنا فقط علي الحل الأمني فكل السجون لن تتسع لنتاج مزرعة الفقر شديدة الخصوبة
الفقر أعمق كثيرًا من مظاهره البسيطة ولن تداويه ملابس نوزعها في العيد أو حقائب في رمضان أو جنيهات الزكاة ، حل مشكلة الفقر المتزايدة والمتفاقمة في مصر لابد أن يكون جذريًا بتجفيف منابعه وذلك بمشروعات تنموية حقيقية وتوفير فرص عمل وكفالة غير القادرين وتحقيق الأمان
للناس، إن أول و أهم واجبات الدولة توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لكل مواطنيها ، عودة للتاريخ نجد أن الخليفة العادل ( عمر بن عبد العزيز ) قد استطاع في مدة ولايته التي لم تستمر سوي عامين وخمسة أشهر أن يحقق ذلك الحلم الإنساني الرائع ، فقد قضي تمامًا علي الفسادوأقر العدالة الاجتماعية والاكتفاء حتي شبع الناس وشعروا بالأمان والكرامة مصداقًا لقوله تعالي:
(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)

وحتي صار الناس لايجدون من يتقبل أموال زكاتهم .
الأستاذة : إيمان القدوسى