الأربعاء، 18 أبريل 2018

شهر شعبان (3)


شهر شعبان (3)

- صيام شهر شعبان أفضل من صيام شهر رجب:

إن هذا الحديث تضمن معنيين مهمين: أحدهما: أنه شهر يغفل الناس

عنه بين رجب ورمضان. وثانيهما: أن الأعمال ترفع وتعرض على

رب العالمين، فأما كون شعبان تغفل الناس فيه عنه، فإن ذلك بسبب أنه

بين شهرين عظيمين، وهما الشهر الحرام رجب، وشهر الصيام رمضان، فاشتغل الناس بهما عنه،

فصار مغفولا عنه، وكثير من الناس يظن أن

صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن رجب شهر محرم، وهذا ليس بصحيح،

فإن صيام شعبان أفضل من صيام رجب للأحاديث المتقدمة.

ولذا كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون:

هي ساعة غفلة، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم فضل القيام في

وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر كما قال:

( إن افضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل ).

ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤخر العشاء

لنصف الليل، وإنما علل ترك ذلك لخشية المشقة على الناس.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله

صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث

الليل أو بعده، فلا ندري أشيء شغله في أهل، أو غير ذلك؟

فقال حين خرج:

( انكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل

على أمتي لصليت بهم هذه الساعة )

[رواه مسلم].

وفي رواية:

( ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم ).

وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بالذكر في وقت من الأوقات لا يوجد

فيه ذاكر ولاستيلاء الغفلة على الناس ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران، ليحصل

التأهب لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن،

ولهذه المعاني المتقدمة وغيرها كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك،

ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من؟ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،

ولذلك فإن السلف كان يجدّون في شعبان، ويتهيأون فيه لرمضان .

- فوائد الطاعة في ساعات الغفله :

ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة

بين أهل الغفلة ، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها :


أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل ، لا سيما الصيام

فإنه سرّ بين العبد وربه ، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء ، وكان بعض السلف يصوم سنين عددا لا يعلم به أحد ،

فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم ، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق

أنه أكل في بيته ، وكان السلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه ، فعن ابن مسعود أنه قال :

إذا أصبحتم صياما فأصبِحوا مدَّهنين ، وقال قتادة :

يستحب للصائم أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غبرة الصيام



وكذلك فإن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس ،

ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل ، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين ،

وعند مسلم ( رقم 2984 ) من حديث معقل بن يسار :

العبادة في الهرْج كالهجرة إلي

( أي العبادة في زمن الفتنة ؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون

المتمسك يقوم بعمل شاق ) .



قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء.



وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ

لقراءة القران.

قال أبو بكر البلخي:

شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع،

وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.

وقال أيضا:

( مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل

المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد

أن يحصد في رمضان، وها قد مضى رجب فما أنت فاعل في شعبان إن

كنت تريد رمضان، هذا حال نبيك وحال سلف الأمة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعك من هذه الأعمال والدرجات )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق