الاثنين، 31 ديسمبر 2018

شرح أدعية آخر البقرة (2)


شرح الدعاء من الكتاب والسنة

ولما كمل من ذلك الأدب الجليل المعبر عن كمال الخضوع والتعظيم،

شرعوا في أنواع المطالب والسؤال.

فقالوا:

{ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }:

يا ربنا لا تؤاخذنا إن تركنا فرضاً على جهة النسيان، أو فعلنا الحرام كذلك.

{ أَوْ أَخْطَأْنَا }: أي الصواب في العمل، جهلاً منّا بوجهه الشرعي.

و قد جاء الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم أن اللَّه تبارك و تعالى

قال: (نعم) .

وفي لفظ قال : ( قد فعلت )

وقد جاء ما يشير إلى ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :

( إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي اَلْخَطَأَ , وَالنِّسْيَانَ , وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ )

{ رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا }:

أي لا تكلّفنا من الأعمال الشاقّة وإن أطقناها، كما شرعته للأمم

الماضية قبلنا من الأغلال والأعباء الشديدة التي كانت عليهم.

{ رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ }:

وتكرير لفظ الربوبية في الآيات لإبراز مزيد من الضّراعة الموصل

إلى كمال العبادة المؤذن إلى القبول والإجابة.

أي: لا تحمّلنا من التكليف والمصائب والبلاء ما لا نقدر عليه.

{ وَاعْفُ عَنَّا }أي:

( اصفح عنّا فيما بيننا وبينك من تقصيرنا، وزللنا

{ وَاغْفِرْ لَنَا } أي: فيما بيننا وبين عبادك، فلا تُظهِر على مساوينا،

وأعمالنا القبيحة.

{وَارْحَمْنَآ }:

( فيما يُستقبل فلا توقعنا بتوفيقك إلى ذنب آخر؛ ولهذا قالوا:

إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء:

- أن يعفو اللَّه عنه فيما بينه وبينه.

- وأن يستره عن عباده، فلا يفضحه به بينهم.

- وأن يعصمه، فلا يوقعه في نظيره.

وقد تقدم أن اللَّه تعالى: قد قال: (قد فعلت ) .

وفي تقديم العفو والمغفرة على طلب الرحمة كما تقدم: أن التخلية

سابقة على التحلية، ولم يأتِ في هذه الجمل الثلاث قوله: { ربنا }:

( لأنها فروع لهذه الدعوات الثلاث، ونتائج لها

{ أَنتَ مَوْلاَنَا } أي: أنت مالكنا، وسيّدنا، وناصرنا.

{ فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }:

( حيث أتى بـ(الفاء) إيذاناً بالسببية؛ لأن اللَّه عز وجل لما كان

مولاهم ومالكهم، ومدبر أمورهم، تسبّب عنه أن دعوه بأن ينصرهم على أعدائهم )

أي: يا ربنا انصرنا على الذين جحدوا دينك، وأنكروا وحدانيتك،

ورسالة نبيّك، وعبدوا غيرك، واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والآخرة،

كما في دعاء النبي صلى الله عليه و سلم :

( اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ،

وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ )

وهذا يدل على عنايتهم الكبرى بدينهم، وأنه شغلهم الشاغل مرضات اللَّه تعالى

في كل الأحوال والأوقات؛ فإن همَّ الدين والآخرة هو الهمّ المرغوب

فيه حيث يحوي خيري الدنيا والآخرة، قال النبي صلى الله عليه و سلم :

( مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا

وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ

بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق