السبت، 5 يناير 2019

أخاف ألا أدخل الجنَّة (2)


أخاف ألا أدخل الجنَّة (2)

وروى مسلم في صحيحِه:
عن زهيرٍ عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله قال: جاء سراقة بن مالك
بن جعشم فقال: يا رسولَ الله، بيِّن لنا دينَنا كأنَّا خُلِقْنا الآن،
فيمَ العمل اليوم؟ أفيما جفَّت به الأقْلام وجرت به المقادير؟
أم فيما يستقبل؟ قال: ( لا، بل فيما جفَّت به الأقلام وجرتْ به المقادير )
قال: ففيم العمل؟ قال زهيرٌ: ثمَّ تكلَّم أبو الزُّبير بشيءٍ لَم أفهمْه، فسألت
عمَّا قال، فقال: ( اعملوا فكلٌّ ميسَّر )، وفي لفظ آخر: فقال رسولُ الله
- صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ( كلُّ عامل ميسَّر بعملِه ).

وفي الصَّحيحين: عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنْه - قال:
كنَّا في جنازة في بقيع الغرْقد، فأتانا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – فقعد
وقعدنا حوْلَه ومعه مخصرة، فنكس فجعل ينكُت بمخصرته، ثمَّ قال:
( ما منكم من أحدٍ، وما من نفسٍ منفوسة إلاَّ وقد كتب الله مكانَها من
الجنَّة والنَّار، إلاَّ وقد كتبتْ شقيَّة أو سعيدة )،
فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتَّكل على كتابِنا وندَع العمل، مَن كان
من أهل السَّعادة فسيصيرُ إلى عمل أهل السَّعادة، ومَن كان من أهل
الشَّقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشَّقاوة؟ فقال:
( اعمَلوا فكلٌّ ميسَّر؛ أمَّا أهل السَّعادة فسيُيَسَّرون لعمل أهل السَّعادة،
وأمَّا أهل الشَّقاوة فسيُيَسَّرون إلى عمل أهل الشَّقاوة )
ثمَّ قرأ:
{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى *
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى }
[الليل: 5 - 10]،
وفي رواية البخاري: أفلا نتَّكل على كتابِنا وندع العمل؛ فمَن كان منَّا من
أهل السَّعادة سيصير إلى عمل أهل السَّعادة، ومن كان من أهْل الشَّقاوة
سيصير إلى عمل أهل الشَّقاوة؟ وقال: ( أمَّا عمل أهل السَّعادة .. )، الحديث.

وفي رواية في الصَّحيحين عن عليّ قال: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
ذات يوم وفي يدِه عود ينكُت به، فرفع رأسَه فقال:
( ما منكم من نفسٍ إلاَّ وقد علم منزلها من الجنَّة والنَّار )
فقالوا: يا رسول الله، فلم نعمل؟ أولا نتَّكل؟ قال:
( لا، اعملوا فكلٌّ ميسَّر لِما خُلِق له )
ثمَّ قرأ:
{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى إلى قوله:
{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} ﴾
[الليل: 5 - 10].

فقد أخبر النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في هذه الأحاديث وغيرِها بما
دلَّ عليه القُرآن أيضًا، من أنَّ الله - سبحانه وتعالى - تقدَّم علمُه وكتابه
وقضاؤه بِما سيصير إليه العِباد من السَّعادة والشَّقاوة، وذلك لا يُنافي
وجود الأعْمال التي بها تكون السَّعادة والشَّقاوة، وأنَّ مَن كان من أهْل
السَّعادة فإنَّه ييسر لعمل أهل السَّعادة، ومَن كان من أهل الشَّقاوة فإنَّه
ييسَّر لعمل أهل الشقاوة، وقد نهى أن يتَّكل الإنسان على القدَر السَّابق،
ويدَع العمل؛ ولهذا كان من اتَّكل على القدَر السابق، وترك ما أُمِر به
من الأعمال - هو من الأخْسرين أعمالاً الَّذين ضلَّ سعْيُهم في الحياة الدُّنيا،
وكان ترْكهم لما يجب عليْهم من العمل من جُملة المقْدور الَّذي يسّروا به
لعمل أهل الشَّقاوة؛ فإنَّ أهل السَّعادة هم الَّذين يفعلون المأْمور ويتركون المحْظور،
فمَن ترك العمل الواجب الَّذي أُمِر به وفعل المحْظور متَّكلاً
على القدر، كان من جملة أهل الشَّقاوة الميسَّرين لعمل أهل الشَّقاوة.

هذا؛ وما ننصَح به الأخ الكريم: هو قطْع تلك الوساوس،
وعدم الاسترسال معها، وقراءة القرآن بتدبُّر، وخاصَّة سورة "الدخان"
و"ق" مرَّات عديدة لفترة من الزَّمان، ولو فعلت هذا على
كوبٍ من الماء معَ فاتحة الكتاب،
ثمَّ تشرب الماء، فإنَّه - إن شاء الله - له تأثير شديد مع قرين الإنسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق