السبت، 5 يناير 2019

متفرقات في الاستغفار (3)


قال صاحب عون المعبود شارحًا حديث النبي صلى الله عليه وسلم :

( من لزم الاستغفار ) : أي : عند صدور معصية وظهور بلية، أو من

داوم عليه فإنه في كل نفس يحتاج إليه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم

( طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا )

[رواه ابن ماجه بإسناد حسن صحيح] .

( من كل ضيق ) : أي : شدة ومحنة .

( مخرجًا ) : أي : طريقًا وسببًا يخرج إلى سعة ومنحة، والجارُّ

متعلق به وقدم عليه للاهتمام وكذا .

( ومن كل هم ) : أي: غم يهمه .

( فرجًا ) : أي خلاصًا .

( ورزقه ) : حلالاً طيبًا .

( من حيث لا يحتسب ) : أي : لا يظن ولا يرجو ولا يخطر بباله .

والحديث مقتبس من قوله تعالى :

{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ

يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}

[الطلاق: 2، 3] كذا في المرقاة (عون المعبود).

وقال أيضا في شرحه لهذا الحديث : ( وإن العالم ليستغفر له ) .

قال الخطابي : إن الله سبحانه قد قيض للحيتان وغيرها من أنواع

الحيوان العلم على ألسنة العلماء أنواعًا من المنافع والمصالح والأرزاق؛

فهم الذين بيَّنوا الحكم فيما يحل ويحرم منها وأرشدوا إلى المصلحة في

بابها وأوصوا بالإحسان إليها ونفي الضرر عنها فألهمها الله الاستغفار

للعلماء مجازاة على حسن صنيعهم بها وشفقتهم عليها (عون المعبود) .

عن أبي المنهال قال :

( ما جاور عبد في قبره من جار خير من استغفار كثير )

(الزهد، لأحمد بن حنبل) .

قال صاحب التحفة : عن عائشة رضي الله عنها قالت :

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال : ( غفرانك ) .

قوله : ( إذا خرج من الخلاء قال : ( غفرانك ) .

إما مفعول به منصوب بفعل مقدر؛ أي أسألك غفرانك أو أطلب،

أو مفعول مطلق أي اغفر غفرانك، وقد ذكر في تعقيبه صلى الله عليه وسلم

الخروج بهذا الدعاء وجهان :

أحدهما :

أنه استغفر من الحالة التي اقتضت هجران ذكر الله تعالى فإنه

يذكر الله تعالى في سائر حالاتها إلا عند الحاجة .

وثانيهما :

أن القوة البشرية قاصرة عن الوفاء بشكر ما أنعم الله عليه من تسويغ

الطعام والشراب وترتيب الغذاء على الوجه المناسب لمصلحة البدن إلى

أوان الخروج، فلجأ إلى الاستغفار اعترافًا بالقصور

عن بلوغ حق تلك النعم، كذا في المرقاة .

قلت : الوجه الثاني هو المناسب لحديث أنس رضى الله عنه قال :

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال :

( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني )

[رواه ابن ماجه] .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق