الأربعاء، 18 يناير 2017

آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ


{آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}
 [النساء : 11].
 
هذه الآية الكريمة جاءت في سياق آيات الفرائض
في سورة النساء، والمعنى:
 
{آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ}
يعني: الذين يرثونكم من الآباء والأبناء
 
 {لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًاً}
أي: لا تعلمون أنهم أنفع لكم في الدين والدنيا، فمنكم من يظن أن الأب
أنفع له، فيكون الابن أنفع له، ومنكم من يظن أن الابن أنفع له فيكون
الأب أنفع له، وأنا العالم بمن هو أنفع لكم، وقد دبَّرت أمركم
على ما فيه المصلحة
 
"ولو رد تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به
عليم؛ لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الأحسن، في كل زمان
ومكان"[2]
 
أيها المبصر المتأمل :
لقد كان أهل الجاهلية يقسمون الميراث بموازين غير منضبطة، فتارة
يراعون حاجة الأبوين، وتارة حاجة الأبناء، وتارة يتوسطون، فجاء
 الشرع المطهر ليلغي تلك الاجتهادات، فتولى الله ـ قسمة المواريث
بنفسه، ثم بيّن سبحانه في خاتمة هذه الآية الكريمة معنيين عظيمين
يعزب عنهما علم البشر مهما بلغ في سعته، فقال ـ في خاتمتها:
 
 
1 ـ {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا[النساء: 11]}
 
 وهي القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها.
 
والمعنى الثاني: 2 ـ
 
{ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا }
[النساء : 11]}
 
 فهذه فرائض، يجب تنفيذها، وعدم الافتيات عليها بتحريف، أو تقصير،
وعلل هذا بقوله:
 
 (إن الله كان عليما حكيماً)
 
 ليزداد يقين المؤمن أن هذه القسمة صادرة عن علم تام، وحكمة بالغة،
 لا يمكن أن يلحقها نقص، أو جور.
 
أيها المبارك:
لنعد إلى قاعدتنا التي نحن بصدد الحديث عنها:
 
{آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}
[النساء:11]
 
 ولنحاول أن نطبق هذه القاعدة على واقعنا، لعلنا نستفيد منها في تصحيح
بعض ما يقع منا من أخطاء في بعض تصوراتنا
ومواقفنا الاجتماعية، فمن ذلك :
1 ـ أن بعض الآباء قد تكون خَلْفته من الذرية بنات فقط! فيضيق لذلك
صدره، ويغتم لهذا الابتلاء، فتأتي هذه القاعدة لتسكب في قلبه اليقين
والرضا، وكم من بنتٍ كانت أنفع لوالديها من عددٍ من الأبناء؟
 والواقع شاهدٌ بذلك.
 
أعرف رجلاً لما كبرت سنه، كان أولاده بعيدون عنه في طلب الرزق،
 فلم يجد هذا الوالد الذي خارت قواه، وضعفت بُنيته أكثر حنواً ورعاية
من ابنته الوحيدة التي قامت بحقه خير قيام من جهة النفقة،
والرعاية الصحية، وصدق الله:
 
 {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}
[النساء : 11]
 
هذا في الدنيا ، أما في الآخرة فالأمر أعظم، والموقف أدل وأجل،
 قال ابن عباس ب: أطوعكم لله من الآباء والأبناء أرفعكم درجة يوم
القيامة، والله تعالى يُشَفَّع المؤمنين بعضهم في بعض، فإن كان الوالد
أرفع درجة في الجنة رفع إليه ولده، وإن كان الولد أرفع درجة
 رفع إليه والده لتقر بذلك أعينهم.
 
ومن المؤسف أن نسمع ونقرأ عن أناسٍ رزقوا عدداً من البنات، يتذمرون
بل قد يهددون زوجاتهم إن هُنّ ولدنَ لهم إناثاً ، وكأن الأمر بأيديهن ،
وهذا من الجهل ـ في الحقيقة ـ إذ كيف يلام إنسان على أمر لا طاقة له به؟
 
ويا ليت من يقعون في هذا الأسلوب يتأملون في أمور منها:
1 ـ هذه القاعدة القرآنية:
 
{آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا}
[النساء : 11].
2 ـ ليتهم يتأملون ـ أيضاً ـ قوله تعالى:
 
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ
 إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (*) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا
وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}
[الشورى:49، 50].
 
قال ابن القيم : ـ معلقاً على هذه الآية ـ: "وكفى بالعبد تعرضاً لمقته ـ
أن يتسخط ما وهبه"
[3] انتهى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق