الخميس، 8 فبراير 2018

الدعاء ليس صفقة بين بائع وشار (4)


أما قولُك:
لماذا لا يكون هذا الخالق عبارة عن عشرة آلهة، متعاونين...
فلا يتنازعون ولا يتخاصمون؟ لماذا لا نفترض أشياء أخرى غير التوحيد؟

فالجواب بأوجز لفظ وأحسنه بيانًا في مواضع ثلاثة في القرآن الكريم:
• الأوَّل:
قوله تعالى:
{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }
[الأنبياء: 22]،
وهذا ما يُعرف بدليل التمانُع، وخلاصتُه أنه لو فُرض صانعان فصاعدًا،
فأراد واحد تحريكَ جسْمٍ، وأراد الآخَرُ سكونه، فإن لم يَحصل مراد كل
واحد منهما كانا عاجزَين، والواجب لا يكون عاجزًا، ويَمتنع اجتماع
مُرادَيهما لاستِحالة اجتماع الضدَّين، وسبب هذا المحال هو فرض
التعدُّد، فيكون محالًا، وإن حصل مُراد أحدهما دون الآخر، كان الغالب
هو الواجب، والآخر المَغلوب مُمكنًا؛ لأنه لا يَليق بالواجب أن يكون مقهورًا.

أي لو قُدِّر تعدُّد الآلهة لانْفَرَد كلٌّ مِنهم بما يَخلق، فما كان يَنتظِم الوجود،
والمُشاهَد أن الوجود مُنتظِمٌ متَّسق، كلٌّ من العالم العلوي والسفليِّ
مُرتبط بعضه ببعض، في غاية الكمال؛
{ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ }
[الملك: 3]،
ثمَّ لكان كلٌّ منهم يَطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض؛
قاله ابن كثير.

وقال صاحب (الظلال) (4 / 2373):
الكون قائم على الناموس الواحد الذي يَربط بين أجزائه جميعًا؛ وينسِّق
بين أجزائه جميعًا؛ وبين حركات هذه الأجزاء وحركة المجموع المنظَّم،
هذا الناموس الواحد مِن صنع إرادة واحدة لإله واحد، فلو تعدَّدت الذوات
لتعدَّدت الإرادات، ولتعدَّدت النَّواميس تبعًا لها، فالإرادة مظهر الذات
المريدة، والناموس مظهَر الإرادة النافذة، ولانْعدمَت الوحدة التي تُنسِّق
الجهاز الكونيَّ كله، وتُوحِّد منهجه واتجاهه وسلوكه؛ ولوقَعَ الاضطراب
والفساد تبعًا لفقدان التناسُق، هذا التناسُق الملحوظ الذي لا يُنكِره
أشدُّ المُلحِدين لأنه واقع مَحسوس.

وإنَّ الفِطرة السليمة التي تتلقَّى إيقاع الناموس الواحد للوجود كلِّه،
لتشهدَ شهادةً فطريَّةً بوحدة هذا الناموس، ووحدة الإرادة التي
أَوْجَدَتْه، ووحدة الخالق المدبِّر لهذا الكون المنظَّم المنسَّق، الذي لا
فساد في تكوينِه، ولا خلل في سَيره؛
{ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون }
[الأنبياء: 22]؛
انتهى.

• الثاني:
قوله سبحانه:
{ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ
وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون}
[المؤمنون: 91] .

قال السعدي في تفسيره (558): أي:
لو كان معه آلهة كما يَقولون، ﴿ لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ ﴾؛
أي: لانفرد كل واحد من الإلهين بمخلوقاته، واستقلَّ بها، ولحَرص
على مُمانَعة الآخر ومغالبته، ﴿ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾،
فالغالبُ يكون هو الإله، وإلا فمع التمانُع لا يُمكن وجود العالم،
ولا يتصوَّر أن ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول، واعتبر ذلك
بالشمس والقمر والكواكب الثابتة والسيارة، فإنها منذ خُلقتْ وهي
تجري على نظام واحد، وترتيب واحد، كلها مسخَّرة بالقُدرة،
مدبَّرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم، ليست مقصورة على مصلحة
أحد دون أحد، ولن ترى فيها خللًا ولا تَناقُضًا، ولا معارضة في
أدنى تصرُّف، فهل يتصور أن يكون ذلك تقدير إلهَين ربَّين؟ .

• الموضع الثالث:
قوله تعالى
{ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا } [الإسراء: 42].
ولو - كما يقول النُّحاة - حرف امتِناع لامتناع، فالقضية كلها مُمتنعة،
وليس هنالك آلهة مع الله - كما يقولون - والآلهة التي يدعونها إن
هي إلا خَلق مِن خَلقِ الله سواء كانت نجمًا أو كوكبًا، إنسانًا أو حيوانًا،
نباتًا أو جمادًا، وهذه كلها تتجه إلى الخالق حسب ناموس الفطرة الكونيَّة،
وتخضع للإرادة التي تَحكمها وتُصرِّفها وتجد طريقها إلى الله عن
طريق خضوعها لناموسه وتلبيتها لإرادته:
{ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا }
[الإسراء: 42]،
وذكر العرش هنا يُوحي بالارتفاع والتسامي على هذه الخلائق التي
يدَّعون أنها آلهة مع الله، وهي تحت عرشه وليست معه ؛
قاله في الظلال (4 / 2230).

في الختام نحن في شبكة الألوكة يسرُّنا التواصل معك، وعلى
استعداد تامٍّ للجواب عن أيِّ شبهة ودحضها بالحُجج الصحيحة بحول
الله وقوته وتوفيقه، ولن نَضيق بذلك ذرعًا.

أما أنت فاتَّق الله جل وعلا في نفسك، واحذَر أن يستهوينَّك الشيطان
فتخسر دنياك وآخرتك، وأَقبِلْ على الله بقلب خالص،
والزَمِ الصالحين لتتدارَك نفسك.

أسأل الله لك الهدية والرشاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق