الثلاثاء، 1 يونيو 2021

موسوعة المؤرخين (40)

 موسوعة المؤرخين (40)


حسن حسني عبد الوهاب (الجزء الثاني)

جهود حسن حسني عبد الوهاب وإسهاماته
كان حسن حسني عبد الوهَّاب ممَّن حُبِّب إِليه الاطلاع فكان يقصد مكتبة جامع
الزيتونة ويقرأ فيها، ومارس التدريس فترةً من الوقت، وقد رُشِّح لحضور
بعض المؤتمرات العلميَّة، فقد بدأ نشاطه العلمي بحضور مؤتمر المستشرقين
الذي عُقِد في الجزائر سنة (1323هـ=1905م) بترشيحٍ من صديقه وراعي
نشأته محمد الأصرم رئيس الجمعية الخلدونيَّة، وكان حسن حسني من الروَّاد
الذين أيقظوا الشعور وأحيوا النفوس وحفَّزوا الهمم، فوجَّهوا دعوةً صادقةً
للنهوض، ورفعوا الصوت عاليًا منادين بالإِصلاح والتجديد، فأخذوا بأيدي
أهل العلم والأدب، وأحيوا معالم الدين واللغة، ونهضوا بالحياة الاقتصاديَّة
والسياسيَّة، وشاءوا للعالم العربي أن يستعيد مجده ويُمثِّل مكانته
بين الشعوب الأخرى.

وقدَّم في هذا المؤتمر الحافل بحثًا محرَّرًا بالفرنسيَّة عن العهد العربي
بصقلية، والتقى بجمعٍ من علماء العرب والمستشرقين، من أمثال محمد
فريد رئيس الحزب الوطني المصري، ولويس ماسينيون من فرنسا، وآسين
بلاسيوس من أسبانيا، وجورج براون من إنجلترا، وتوثَّقت صلته بهم،
وحرص على أن يشهد مؤتمرات المستشرقين بانتظام، وكان له فيها إسهامٌ
ملحوظٌ وتعقيباتٌ مشكورة، وغيرةٌ محمودة؛ فحين قدَّم الأب لافيس والأب
لويس شيخو اليسوعيَّان بحثًا عن وصف النبيِّ صلى الله عليه وسلم بما
لا يليق في مؤتمر كوبنهاجن سنة (1326هـ=1908م)، نهض حسن
حسني عبد الوهاب للردِّ عليهما في لغةٍ ناصعةٍ وبرهانٍ قوي، وكان
لمعارضته صدًى كبيرٌ لدى الحاضرين، وتأييدٌ عظيمٌ منهم.

ثم سنحت له فرصة التدريس على يد محمد الأصرم حين انتدبه لتدريس
التاريخ بالجمعيَّة الخلدونيَّة لنشر العلوم العصريَّة سنة
(1326هـ=1908م)، فوجد في ذلك ميلًا ورغبةً ورضًا لطموحه، وأقبل
يبثُّ في طلبته روح البحث والدرس، ويُوجِّههم إلى دراسة الوثائق والآثار؛
لاستنباط ما ليس موجودًا في الكتب، أو لدعم الأخبار المنقولة عنها بما
تشهد به النقوش والنقود، وبذلك خطا بالدراسات التاريخيَّة التونسيَّة أشواطًا
بعيدة، وجعلها تتَّسم بالدقَّة والأمانة، والاعتماد على الآثار باعتبارها
أحد المصادر المهمَّة لتاريخ البلاد.

ثم درس بالمدرسة العليا للغة والآداب العربية (1913-1924م) حول
التاريخ الإسلامي، وقد ساعده في ذلك التحاقه (سنة 1920م) بإدارة خزينة
الوثائق العامَّة للبلاد التونسية، وقد جهَّز هذه الإدارة بفهارس جامعة
للوثائق، ثم بإدارة جمعيَّة الأوقاف، كما أتاح له تولِّيه منصب عاملٍ بعدَّة
مناطق من التراب التونسي الفرصةَ لمزيد الاطلاع على البلاد، وعلى ما كان
مغمورًا -إلى حدِّ ذلك الوقت- من تاريخها الحديث وتراثها الثقافي، ومكَّنه
من الاحتكاك بالسكَّان بمختلف أجناسهم ولهجاتهم القبليَّة، وفي سنة
1933م ألقى سلسلةً من المحاضرات على منبر معهد الدراسات
الإسلاميَّة بباريس.

ولاشَكَّ أنَّ تمكُّنه من الفرنسيَّة واطِّلاعه على المؤلَّفات الغربيَّة وطرائقها
في دراسة التاريخ، أفاداه في الدرس والكتابة، كما أنَّ مطالعته لكتب
المستشرقين ومخالطته لهم جعلته يعتني بالآثار وتتبُّع الحفريَّات، وتعاون
في ذلك مع المختصِّين في الآثار الإسلاميَّة بالمغرب، وكانت له يدٌ طولى
في التنقيب عن الآثار الإسلاميَّة، وبخاصَّةٍ في المهديَّة والقيروان ورقادة.

عضوية المجامع العلمية
يُعدُّ حسن حسني حجَّةً في شئون العادات والتقاليد، ومثالًا للباحث المدقِّق،
وكان شديد الولع بالحضارة العربيَّة الإِسلاميَّة، وكان كثير الأسفار للمشاركة
في الندوات والمؤتمرات العلميَّة في الجزائر والمغرب وفرنسا وإيطاليا
وإسبانيا والدانمارك والسويد وغيرها، وقد لفت الأنظار إليه بثقافته الواسعة،
وبيانه الواضح القوي، فدعته المجامع العلميَّة لعضويَّتها، فاختير عضوًا
مراسلًا في المجمع العلمي العربي بدمشق منذ أوَّل تأسيسه في سنة
(1340هـ=1921م)، وكان أحد الخمسة العرب من غير المصريِّين
الذين اختيروا لتأسيس مجمع اللغة العربيَّة بالقاهرة في سنة
(1351هـ=1932م)، ويُذكَر له موقفه المعارض للاقتراح الذي قدَّمه
أحد أعضاء المجمع باتِّخاذ الحروف اللاتينيَّة لرسم الكتابة العربيَّة.

ولم تقتصر عضويَّته على المجامع العربيَّة؛ بل دعته بعض المجامع الأوربِّيَّة
لنيل عضويَّتها، فكان عضوًا مراسلًا لمجمع الآداب والكتاب الفرنسي،
وعضوًا مراسلًا لمجمع التاريخ الإسباني، وعضوًا عاملًا باليونيسكو.

وبوصفه عضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ تأسيسه سنة 1932م
وكان يُمثِّل في الحقيقة داخل هذا المجمع بلدان المغرب العربي الثلاثة- أسهم
إسهامًا بعيد المدى في أشغال مختلف اللجان، متميِّزًا "بتفتُّحٍ فكريٍّ يعمل
على التوفيق بين متطلَّبات العصر وبين أصول الحضارة الإسلاميَّة". وكان
-أيضًا- عضوًا بمجمع دمشق منذ إنشائه، وعضوًا بمجمع بغداد، وعضوًا
مراسلًا بمجمع النقائش والآداب الجميلة بفرنسا منذ سنة 1939م، وبمعهد
مصر، وبالمجمع التاريخي بمدريد، وبهيئة إدارة الموسوعة الإسلاميَّة،
وقد أسهم منذ سنة 1905م -بوصفه مندوبًا رسميًّا من الحكومة التونسيَّة-
في أشغال معظم المؤتمرات الدوليَّة للمستشرقين، وفي العديد من الندوات
والملتقيات، ممَّا ساعده على ربط علاقاتٍ مثمرةٍ دائمة بعددٍ كبيرٍ من العلماء
المستشرقين والمشارقة، وشارك في مؤتمر الموسيقى العربيَّة عام 1930م
بالقاهرة، وكانت مشاركته جد بارزة.

وكان في حصول حسن حسني عبد الوهاب على لقب الدكتوراه الشرفيَّة
من جامعة القاهرة سنة 1950م، ومن جامعة الجزائر سنة 1960م -وكانت
لاتزال إذ ذاك فرنسيَّة- اعترافٌ بقيمته العلميَّة، كما كانت جائزة رئيس
الجمهورية التونسية -وقد أحرزها بالتحديد قبل وفاته بيومين (يوم 7 نوفمبر
1968م)- بمثابة التتويج لجهود حياة طويلة حافلة بالأعمال الجادَّة.

مؤلفات حسن حسني عبد الوهاب
وإذا كانت حياة حسن حسني عبد الوهاب حافلة بأنواع النشاط في الأعمال
الإداريَّة؛ فإنَّها كانت مليئة بالإنجازات العلميَّة الجليلة، حيث لم ينقطع
عن البحث والكتابة وإلقاء الدروس والمحاضرات والمشاركة في حضور
المؤتمرات، والكتابة بالعربيَّة والفرنسيَّة إلى المجلَّات والدوريَّات، فقد خلَّف
حسن حسني عبد الوهاب مؤلَّفات ومصنَّفاتٍ وتحقيقاتٍ كثيرةٍ تتَّصل بالتراث
بشكلٍ أو بآخر، وتشتمل هذه الأعمال على الآثار التالية:

باللغة العربية:

- المنتخب المدرسي من الأدب التونسي، تونس، 1908م، وقد أُعيد نشره
ثانية بالقاهرة سنة 1944م، كما نُشر من جديد بتونس سنة 1968م
في صيغةٍ جديدة، بعنوان المجمل.

- بساط العقيق في حضارة القيروان وشاعرها ابن رشيق، تونس، 1912م.

- خلاصة تاريخ تونس، وقد نشر ثلاث مرات بتونس فيما بين 1918
و1958م، مع مراجعته وتحيينه بمناسبة كلّ ِطبعة.

- قواعد علم الاقتصاد، تونس، 1919م.

- شهيرات التونسيات، تونس، 1934, 1966م.

- الطاري، في المجلة الزيتونيَّة، تونس، مايو 1940م.

- نسيم بن يعقوب، الندوة، تونس، يناير 1953م.

- العناية بالكتب وجمعها في إفريقيَّة التونسيَّة، 1955م.

- الإمام المازري، تونس، 1955م.

- ورقات عن الحضارة العربية بإفريقيَّة التونسيَّة،
تونس 1965-1972م، (3 مجلدات).

- العرب والعمران بإفريقيَّة، الفكر، ديسمبر، 1968م.

- مشاهير أحبابي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق