الأربعاء، 2 يونيو 2021

الخوف من الله

 

الخوف من الله



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله

وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

يقول ابن رجب رحمه الله:

"إن الله خلق الخلق ليعرفوه، ويعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة

الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه، ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم

شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه؛ ليتقوه بصالح الأعمال، لهذا

كررّ سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار وما أعده فيها لأعدائه من العذاب

والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال

إلى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال، ودعا عباده بذلك إلى خشيته

وتقواه، والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبه ويرضاه، واجتناب ما ينهى

عنه ويكرهه ويأباه، فمن تأمل الكتاب الكريم وأدار فكره فيه وجد من ذلك

العجب العجاب، وكذلك السنة الصحيحة التي هي مفسرة ومبينة لمعاني

الكتاب، وكذلك سير السلف الصالح أهل العلم والإيمان من الصحابة والتابعين

لهم بإحسان، من تأملها علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخوف

والخشية والإخبات، وأن ذلك هو الذي رقاهم إلى تلك الأحوال الشريفة،

من شدة الاجتهاد في الطاعات والانكفاف عن دقائق الأعمال والمكروهات

فضلاً عن المحرمات".



أيها الإخوة: هيا بنا لنأخذ جولة في كتاب الله مع هذه المنزلة،

منزلة الخوف من الله، قال تعالى:



{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ

وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}

[ النحل]،



وقال تعالى:

{قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ

قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ *

قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الأنعام]،



وقال تعالى عن المؤمنين:

{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ

وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}[الإسراء]،



وقال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى *

فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات]،



وقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن]،



وقال: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ

وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور]،



وقال: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ

مَن يَخَافُ وَعِيدِ}[ق].



وأما الأحاديث في هذا فكثيرة جداً ومن ذلك:



عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم

عن هذه الآية: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} قالت عائشة:

أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: (لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين

يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم،

أولئك الذين يسارعون في الخيرات).



وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية،

ألا إن سلعة الله الجنة).



وهذا سيد الخائفين صلى الله عليه وسلم تقول عنه أم المؤمنين عائشة

رضي الله عنها: فقدت رسول الله ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على

بطن قدميه، وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول:

(اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك،

وبك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).



وهذا عمر رضي الله عنه يقول: لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس إنكم

داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحداً لخفت أن أكون أنا هو).

وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة

من الأرض فقال: يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أكن شيئاً، ليت أمي لم تلدني،

ليتني كنت نسياً منسي.

وبكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه فقيل له: ما يبكيك؟ فقال:

أما إني لا أبكي على دنياكم، ولكن أبكي على بعد سفري وقلة زادي، وإني

أمسيت في صعود على جنة أو نار، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي. وكان علي

بن الحسين إذا توضأ اصفر وتغير فيقال: ما لك؟ فيقول: أتدرون بين يدي

من أريد أن أقوم.
قال الحسن البصري رحمه الله:

(إن المؤمنين قوم ذلت -والله- منهم الأسماع والأبصار والأبدان حتى حسبهم

الجاهل مرضى، وهم والله أصحاب القلوب، ألا تراه يقول:

{وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن}[فاطر ]، والله لقد كابدوا في الدنيا

حزناً شديداً، وجرى عليهم ما جرى على ما كان من قبلهم، وقال أيضاً:

(لقد مضى بين يديكم أقوام لو أن أحدهم أنفق عدد هذا الحصى لخشي

أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم). وقال أيضاً في قوله تعالى:

{ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين}[الأنبياء: ]، قال: الخوف الدائم

في القلب. وقال أيضاً: (أبصر أبوبكر طائراً على شجرة فقال:

طوبى لك يا طائر تأكل الثمر، وتقع على الشجر، لوددت أني تمرة ينقرها

الطير). وقال عمر بن عبد العزيز: (من خاف الله خوّف منه كل شيء، ومن

لم يخف الله خاف من كل شيء). والخوف المطلوب: هو الخوف الذي يحجز

الإنسان عن محارم الله كما قال ذلك ابن تيمية – رحمه الله-.

وقال ابن رجب رحمه الله: "القدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء

الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً للنفوس على

التشمير في نوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسط في

فضول المباحات؛ كان ذلك فضلاً محموداً، فإن تزايد على ذلك بأن أورث

مرضاً أو موتاً، أو هماً لازماً؛ بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل

المطلوبة المحبوبة لله عز وجل لم يكن محموداً".

وأخيراً على العبد أن يجمع بين الخوف والرجاء فهما كما قال ابن القيم

رحمه الله: جناحان يطير بهما العبد إلى ربه، فما حال الطائر إذا فقد أحد

جناحيه!؟

والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق