الأحد، 30 مايو 2021

موسوعة المؤرخين (38)

 

موسوعة المؤرخين (38)

أبو بكر ابن القوطية (الجزء الثاني)
تلاميذه

قال ابن الفرضي وهو من أنبل تلامذته: "وطال عمره فسمع الناس منه طبقة
بعد طبقة". روى عنه جماعة من الشيوخ والكهول ممن ولى القضاء، وقدم
إلى الشورى، وتصرف في الخطط من أبناء الملوك وغيرهم، اختلفت إليه
أيام نظري في العربية في سماع: الكامل لمحمد بن يزيد المبرد، وكان يرويه
عن سعيد بن جابر فشهدت منه مجالس. وتوفي (رحمه الله) قبل فراغنا
منه". وروى عنه القاضي أبو الحزم خلف بن عيسى بن سعيد الخير
الوشقي. وأبو الوليد ابن الفرضي (ت 403هـ) صاحب تاريخ علماء
الأندلس، ومحمد بن حسن بن عبد الله بن مذحج الزبيدي، وأبو عمر
أحمد بن عفيف.

مؤلفات ابن القوطية
وعن تصانيفه فهو أول من صنّف في الأفعال وتصاريفها، ويعرف بكتاب
"الأفعال الثلاثية والرباعية"، وهو مطبوع، ومن الجدير ذكره
أنّ لابن القطاع السعدي الصقلي (ت 515هـ) كتابًا في الأفعال أيضًا، وتأليفه
أجود من أفعال ابن القوطية؛ لأنه ذكر فيه ما أغفله ابن القوطية وزاد عليه
بأن هذّبه، وكان ابن القوطية قد قصد الإيجاز حتى أخلّ في كثير
من المواضع.

ومن كتبه: "المقصور والممدود"، وتاريخ في أخبار أهل الأندلس، ويعرف
بكتاب "تاريخ افتتاح الأندلس"، وهو مطبوع، وهو كتاب حسن في بابه.
ومنها أيضًا: "شرح رسالة أدب الكتّاب".

تاريخ افتتاح الأندلس
يعتبر كتاب "تاريخ افتتاح الأندلس" لابن القوطية القرطبي من أهم المصادر
العربية وأقدمها لدراسة الفتح العربي لبلاد الأندلس، وما أثير حول هذا الفتح
من آراء وتعليقات لمؤرخين عرب ومستشرقين على ما بينهم من تباين في
النهج واختلاف في مستوى الدقة والأحكام، ويقدم صورة واضحة لواقع هذه
البلاد من الفتح العربي حتى نهاية إمارة عبد الله بن محمد سنة
(299هـ = 912م).

وهو عبارة عن مجموعة من الأخبار القصار منفصل بعضها عن بعض،
وهو يسرد الحوادث ولا يذكر التاريخ إلا نادرًا. كما أنه ليس من تأليف
ابن القوطية، بل إن أحد تلاميذه هو الذي تولى تأليفه، بدليل تكرار عبارة
"قال شيخنا أبو بكر"، "قال ابن القوطية"، وكان يمليه من صدره غالبًا.

شعره رحمه الله
كان ابن القوطية رحمه الله شاعرا له نظم رقيق، فتركه تورعا. وكان الشعر
أقلّ صنائعه لكثرة علومه وغرائبه. ومن ذلك ما ذكره الثعالبي، قال: أخبرني
أبو سعيد ابن دوست قال أخبرني الوليد بن بكر الفقيه أن أبا بكر يحيى
بن هذيل الشاعر زار يوما ابن القوطية في ضيعة له بسفح جبل قرطبة كان
منفردا فيها عن الناس، فألفاه خارجا منها، فلما رآه ابن القوطية استبشر به،
فبادره يحيى بن هذيل ببيت حضره على البديهة فقال:

من أين أقبلت يا من لا شبيه له *** ومن هو الشمس والدنيا له فلك

فتبسم وأجابه مسرعا بقوله:
من منزل يعجب النساك خلوته *** وفيه ستر على الفتّاك إن فتكوا

قال ابن هذيل: فما تمالكت أن قبلت يده إذ كان شيخي وأستاذي.

ومن شعر أبي بكر ابن القوطية:
ضحى أناخوا بوادي الطلح عيسهم *** فأوردوها عشاء أيّ إيراد

أكرم به واديا حلّ الحبيب به *** ما بين رند وخابور وفرصاد

يا واديا سار عنه الركب مرتحلا *** بالله قل أين سار الركب يا وادي

أبالغضا نزلوا أم للوى عدلوا *** أم عنــك قد رحلوا خلفا لميعادي

بانوا وقد أورثوا جسمي الضنا وكأن *** كان النوى لهم أو لي بمرصاد

وقال:

ضحك الثرى وبدا لك استبشاره *** واخضرّ شاربه وطرّ عذاره

ورنت حدائقه وآزر نبته *** وتبسمــت أنــواره وثماره

واهتز قدّ الغصن لما ان كسي *** ورقا كديباج يـروق إزاره

وتعممت صلع الربى بنباتها *** وترنمــت فـي لحنها أطياره

وفاته
وكانت وفاة ابن القوطية رحمه الله يوم الثلاثاء لسبع بقين من ربيع الأول
سنة 367هـ = 977م بمدينة قرطبة، ودفن يوم الأربعاء لصلاة العصر
بمقبرة قريش، وصلى عليه أبو جعفر ابن عون الله. وكان قد أوصى بذلك.
فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق