السبت، 5 يونيو 2021

موسوعة المؤرخين (44)

 

موسوعة المؤرخين (44)


ابن النجار البغدادي (الجزء الثاني)

تابع المناقب

ذيل تاريخ بغداد

قال ابن كثير: "وتغرَّب ثمانيًا وعشرين سنة، ثم جاء إلى بغداد وقد جمع

أشياء كثيرة". حيث استقر ببغداد وعمل على إنهاء تصنيف مؤلفه الحافل

عنها الذي سمَّاه (التاريخ المجدد لمدينة السلام وأخبار فضلائها الأعلام

ومن وردها من علماء الأنام) وعُرف بـ (ذيل تاريخ بغداد)؛ لأنَّه ذيَّلَ فيه على

تاريخ بغداد للحافظ الخطيب البغدادي، واستدرك عليه، فكان في ثلاثين

مجلَّدًا، دلَّ فيه على تبحُّره في التاريخ وسعة حفظه للتراجم والأخبار،

وقد ضاع أكثره.



وقد جمع في ذيله هذا بين ذيلي ابن السمعاني وابن الدُّبَيثي على (تاريخ

بغداد)، وأفاد من غيرهما من الكتب، وقد أتى الزمان على هذا السفر النَّفِيس

فلم يصل إلينا اليوم منه غير مجلَّدين هما: المجلد العاشر المحفوظ في دار

الكتب الظاهرية بدمشق برقم (42تاريخ)، والمجلَّد الحادي عشر المحفوظ

في المكتبة الوطنية بباريس برقم (2131عربيات)، وهما من نسخةٍ واحدةٍ

تتكوَّن من خمسة عشر مجلَّدًا نُسخت سنة 748هـ، وقد طَبَعَ الهنود مجلَّد

الظاهرية في ثلاثة أجزاء سنة (1978م-1982م) بدائرة المعارف العثمانية

طبعةً رديئةً جدًّا، مليئةً بالتصحيف والتحريف والسقط، وأُعيد تصويره

ببيروت فأُلحق بالطبعة القديمة من تاريخ بغداد.



كتب التاريخ والتراجم

صنَّف ابن النجار البغدادي لمكة تاريخًا سمَّاه (نزهة الورى في أخبار أم

القرى)، وخصَّ المدينة بكتابٍ آخر سمَّاه (الدرة الثمينة في أخبار المدينة)

وقد وصل إلينا، وله كتاب (العقد الفائق في عيون أخبار الدنيا ومحاسن

تواريخ الخلائق)، وكتاب (روضة الأولياء في مسجد إيلياء)، وكتاب

(مناقب الشافعي رحمه الله).



مصنفاته في علم الحديث

وكان من ثمرة اهتمامه بعلم الحديث كتبٌ عدة، لعلَّ أهمَّها كتاب (القمر المنير

في المسند الكبير) ذكر فيه الصحابة والرواة، وما لكلِّ واحدٍ من الحديث،

و(كنز الأيام في معرفة السنن والأحكام)، و(المختلف والمؤتلف) ذيَّل به

على ابن ماكولا، و(السابق واللاحق)، و(المتفق والمفترق) على منهاج

كتاب الخطيب، و(كتاب الألقاب)، و(نهج الإصابة في معرفة الصحابة)،

و(الكافي في أسماء الرجال)، وكتاب (نسب المحدثين إلى الآباء والبلدان)،

وكتاب (عواليه)، وكتاب (معجمه) أي معجم شيوخه، وكتاب (جنة الناظرين

في معرفة التابعين)، وكتاب (الكمال في معرفة الرجال).



ومن الأحاديث التي رواها ابن النجار بسنده، قال الذهبي: أخبرنا

علي بن أحمد العلوي، أنا محمد بن محمود بن الحسن الحافظ سنة 633هـ:

نا عبد المعز بن محمد البزاز، وأنا أحمد بن هبة الله عن عبد المعز،

أنا يوسف بن أيوب الزاهد، أنا أحمد بن علي الحافظ، أنا أحمد بن عبد الله

الحافظ، أنا حبيب بن الحسن، أنا عبد الله بن أيوب، أنا أبو نصر التمار،

أنا حماد بن علي بن الحكم، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"مَنْ كَتَمَ عِلْمًا عَلَّمَهُ اللهُ أَلْجَمَهُ اللهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ".



مؤلفاته في الأدب

ولم يغفل شأن الأدب، وكان له به عناية، فألَّف كتاب (أنوار الزهر

في محاسن شعراء العصر)، و(الأزهار في أنواع الأشعار)، و(نزهة الطرف

في أخبار أهل الظرف)، و(غرر الفوائد) حافل في ست مجلَّدات، و(سلوة

الوحيد)، و(إخبار المشتاق بأخبار العشاق)، ومجموع نحا فيه نحو (نشوار

المحاضرة) للتنوخي التقطه من أفواه الرجال، والشافي في الطب، وغير ذلك.



كما أنَّ لابن النجار شعرًا رواه المترجمون له، منه:



تحر-فديتك- صدق الحديث *** ولا تحسب الكذب أمرا يسيرا



فمن أثمر الصدق في قوله*** سيلقى سرورا ويرقى سريرا



ومن كان بالكذب مستهترا *** سيدعو ثبورا ويصلى سعيرا



ومنه قوله:



إذا لم تكن حافظا واعيا *** فجمعك للكتب لا ينفع



أتنطق بالجهل في مجلس *** وعلمك في البيت مستودع



وقال ياقوت الحموي: وأنشدني لنفسه قال:



وقائل قال يوم العيد لي ورأى *** تململي ودمــوع العـين تنهمر



ما لي أراك حزينا باكيا أسفا *** كــأن قلبك فيــه النار تستعر



فقلت إني بعيد الدار عن وطن *** ومملق الكفّ والأحباب قد هجروا



في المدرسة المستنصرية

ولمـَّا فُتحت المدرسة المستنصرية في بغداد سنة (630هـ=1233م) عُيِّن

ابن النجار مدرِّسًا لعلم الحديث فيها، وقد عُرف عنه تواضعه وورعه

وحسن إلقائه.



وفاته

ظلَّ ابن النجار عاكفًا على مصنَّفاته يُؤلفها، وقد بلغت نحو أربعة وعشرين

كتابًا، وذكر أنَّه لمـَّا عاد إلى بغداد عُرِضَ عليه الإقامة في المدارس فأبى،

وقال: معى ما أستغنى به عن ذلك. فاشترى جاريةً وأولدها، وأقام برهة يُنفق

مدَّةً على نفسه من كيسه، ثم احتاج إلى أن نزل محدِّثًا في جماعة

المحدثين بالمدرسة المستنصرية حين وُضعت.



ثم مرض شهرين وأوصى إلى ابن الساعي في أمر تركته، ووقف خزانتين

من كتبه بالمدرسة النظامية تُساوي ألف دينار، فأمضى ذلك الخليفة

المستعصم بالله، وأوصى بالنظر فيها لتلميذه ابن أنجب الساعي باعتباره

خازنًا لخزانتها.



وكانت وفاته يوم الثلاثاء الخامس من شعبان سنة (643هـ=1245م)،

وله من العمر خمس وستون سنة، وصُلِّي عليه بالمدرسة النظامية،

وشهد جنازته خلقٌ كثير، وكان يُنادى حول جنازته: "هذا حافظ حديث

رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان ينفي الكذب عنه". ولم يترك

وارثًا، وكانت تركته عشرين دينارًا وثياب بدنه، وأوصى أن يُتصدَّق بها،

وقد أثنى عليه الناس ورثوه بمراثٍ كثيرة، ودُفن بمقابر الشهداء بباب

حرب ببغداد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق