الخميس، 3 يونيو 2021

موسوعة المؤرخين (42)

 موسوعة المؤرخين (42)


حسن حسني عبد الوهاب (الجزء الرابع)

المقالات:



وتشتمل هذه الآثار -أيضًا- على العديد من المقالات باللغتين العربيَّة

والفرنسيَّة، بعضها لم يُنشر، في حين نُشِر البعض الآخر في الموسوعة

الاسلامية (E.I.)، وفي الدوريَّات الصادرة بالبلاد التونسيَّة وأوربَّا

والمشرق. (انظر مجلة الفكر - ديسمبر 1968م، ص96 - قائمة المقالات

التي نشرها في هذه المجلة). وقد أُعيد نشر بعض هذه المقالات وعددٌ من

الدراسات المذكورة آنفًا ضمن كتاب ورقات؛ سواءٌ لأنَّها وجدت في هذا

الكتاب السياق المناسب لها، أو لأنَّ طبعاتها الأولى قد نفدت.

كتاب العمر

وسواء أكانت هذه الأعمال في شكل كتبٍ دراسيَّةٍ أم في شكل دراساتٍ مفردة

الموضوع، فقد خصَّصها في معظمها لابراز ما تتميَّز به البلاد التونسيَّة

من تاريخ وحضارة عربيَّيْن ضمن منظورٍ يشمل الأدب وعلوم اللغة والدين،

دون التفريط مع ذلك في العلوم الخالصة "الصحيحة" وفي الفنون.

وهذه الأعمال تُوحي إلينا مسبَّقًا بصورة المصنَّف الضخم الذي أعدَّه المؤلِّف،

وهو ثمرة أكثر من ستِّين سنةً أنفقها الرجل في البحوث والدراسات

المتواصلة في صبرٍ وأناة، وقد سمَّاه "كتاب العمر"؛

لأنَّه خلاصة مجهود حياته بأكملها.

ويشتمل هذا الكتاب على عدَّة مجلَّدات، ويضمُّ تراجم ما يُناهز الألف رجلٍ

من العلماء والأدباء الذين وُلِدوا بتونس أو عاشوا بها منذ تاريخ الفتح

العربي للبلاد، وقد سبق للمؤلِّف أن أعلن عن هذا الكتاب -فيما يبدو- منذ

سنة 1953م، بعنوان تاريخ تونس الكبير (مقدِّمة الطبعة الثالثة من خلاصة

تاريخ تونس). وعهد بنشره إلى أحد الأدباء التونسيِّين وهو السيد محمد

العروسي المطوي. (انظر بالخصوص مجلة الفكر، ديسمبر 1968م,

ص86)؛ لتقديمه للطبع، فقام بنشره بعد أن قام بمراجعته وإِكمال ما احتاج

إِلى الإِكمال منه بالاشتراك مع زميله وابن بلده بشير البكوش،

وطبع عام (1410هـ=1990م.

قصة الليلة الأخيرة بغرناطة

والمحاولة القصصيَّة الوحيدة التي نعرفها له هي أقصوصةٌ كتبها باللغة

الفرنسيَّة بعنوان "الليلة الأخيرة بغرناطة"

(Dernière veillée à Grenade)، وقد نُشرت بمجلة "نهضة شمال

إفريقيا" (La Renaissance nord africaine)، تونس، العدد 3،

مارس 1905م) ونقلها إلى العربيَّة حمادي الساحلي في مجلة قصص، العدد

17، أكتوبر 1970م. وهي تُنبئ بحرص المؤلِّف على إحياء الحضارة

العربيَّة الإسلاميَّة، وهو الشعور الذي لازمه في جميع بحوثه، وهذه المحاولة

القصصيَّة تنمُّ -بالإضافة إلى ذلك- عن موهبة الرجل الأدبيَّة.

هذا وقد ألهمت أعمال حسن حسني عبد الوهاب المتميِّزة إلى أبعد حدٍّ بالتنوُّع

في نطاق وحدتها، ووجَّهت جهود أجيالٍ من الباحثين، بما لها من ثراءٍ زاخرٍ

في مدِّها العلمي الذي تجاوز حدود المجال التونسي ليشمل قطاعات فسيحة

من الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة، وبما امتاز به صاحبها من وضوحٍ في التقديم

والعرض، ومن متانةٍ وأناقة في الأسلوب، وإنَّ إشعاع هذا الرجل عالمـًا

ومؤدِّبًا -وهو الذي كان مجلسه يُشكِّل مدرسةً حقيقيَّةً من آخر ما عرفته

تونس من هذا القبيل فيما يبدو- هو إشعاعٌ لايزال دافقًا فيَّاضًا بفضل ما وهبه

إلى المكتبة الوطنية بتونس من مخطوطات مجموعته الخاصَّة التي تُعدُّ ما

يُقارب الألف مجلَّد، التي تُشكِّل اليوم بهذه المكتبة مخزون الكتب الذي يحمل

اسمه. (انظر الكشف المنشور بالخصوص في حوليات الجامعة التونسية،

(1970)، ص133-272، وكذلك إعلان الهبة، ضمن كلمته بمناسبة

إحرازه على جائزة رئيس الجمهوريَّة التونسيَّة، وهي الكلمة المنشورة

بمجلة الفكر، ديسمبر 1968م، ص85-87).

وفاة حسن حسني عبد الوهاب

كان حسن حسني عبد الوهاب موضع تقدير دولته وثقتها، تعهد إليه بالأعمال

فينهض بها على أحسن ما يكون، ومثَّلها في كثير من المؤتمرات والمنتديات

العلمية فكان خير سفير لها، ورأس كثيرًا من بعثاتها، لعلَّ من أكرمها أنه

ترأس بعثة الحج الرسميَّة لتونس مرَّتين: الأولى في سنة

(1358هـ=1939م)، والأخرى سنة (1344هـ=1963م)، وفي هذه

الرحلة الميمونة مرَّ بمصر ممثِّلًا للحكومة التونسيَّة في عيد جامعة القاهرة،

ومُنح في هذا المهرجان درجة الدكتوراه الفخريَّة من كليَّة دار العلوم.

ولم ينقطع عن الرحلات التي اعتادها في أيَّام حياته إلَّا سنة

(1383هـ=1964م)، وكانت آخر رحلةٍ له حضوره دورة انعقاد مجمع اللغة

العربيَّة بالقاهرة؛ إذ أقعده المرض بعدها عن الخروج من البيت، لكنَّه ظلَّ

متيقِّظ العقل وافر النشاط، يفتح بابه للمتردِّدين عليه من أهل العلم والأدب،

ويُجيب على ما يَرِدُ عليه من أسئلةٍ وقضايا من خلال بريده، ومكث على هذا

النحو حتى لقي الله بصلامبو من ضواحي تونس في (18 من شعبان

1388هـ= 9 من نوفمبر 1968م).

وبعد وفاته بسبعة عشر عامًا أقامت الحكومة التونسيَّة حفلًا تذكاريًّا بمناسبة

مرور مائة عامٍ على مولده. فرحمه الله رحمة واسعة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق