السبت، 12 يونيو 2021

حكمة 17

 حكم ومواعظ وأقوال مأثورة
حكمة 17


قال معاوية بن أبي سفيان لضرار : صف لي عليا ، قال : ألا تعفيني ؟ قال : بل صفه ، قال : أو لا تعفيني ؟ قال : لا أعفيك ، قال : أما إذا أنه لا بد فإنه كان بعيد المدى : أي واسع العلوم والمعارف لا تدرك غايته فيهما ، شديد القوى : أي في ذات الله ونصرة دينه ، يقول فصلا ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته ، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفيه : أي تأسفا وحزنا إذ هذا فعل المتأسف الحزين ، ويخاطب نفسه : أي بالمزعجات والمقلقلات ، يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما حضر ، كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له ، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ويحب المساكين ، ولا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله ، وأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل ستوره وغارت نجومه ، وقد تمثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم : أي اللديغ ، ويبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه يقول : يا ربنا يا ربنا يتضرع إليه ثم يقول : يا دنيا يا دنيا إلي تعرضت أم بي تشوقت ، هيهات هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير ، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق ، فذرفت عيون معاوية على لحيته فما ملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء ، قال معاوية : رحم الله أبا الحسن ، كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق