الأربعاء، 9 يونيو 2021

موسوعة المؤرخين (48)

 

موسوعة المؤرخين (48)


الطبري .. العالم الموسوعي (الجزء الأول)



ميلاد الطبري ونشأته

هو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، وُلِدَ بطبرستان في آخر سنة 224هـ ،

وحفظ الطبري القرآن وله سبع سنين، وصلَّى بالناس وهو ابن ثماني سنين،

وكتب الحديث وهو في التاسعة، ثم ارتحل إلى الرَّي، ثم إلى بغداد ليأخذ العلم

على أحمد بن حنبل؛ إلا أن الإمام أحمد مات قبل أن يصل الطبري إلى بغداد،

فاتجه إلى البصرة فأخذ عن شيوخها، ثم انتقل إلى واسط، فالكوفة، ثم رجع

إلى بغداد مرة أخرى، ثم رحل إلى مصر سنة 253هـ، واجتمع بمحمد

بن إسحاق بن خزيمة، العالم المؤرخ، ثم عاد إلى بغداد بعد رحلة طويلة

وانقطع للدرس والتأليف.



تلاميذ الطبري

لم يحصر الطبري نفسه بين الجدران والكتب، ولم يبتعد عن الحياة والمجتمع

والأمة، وإنما كان منفتحًا على الحياة؛ يفتي الناس، ويملي على طلابه

وتلامذته، ويقريء القرآن والقراءات، ويحدِّث بآثار رسول الله

صلى الله عليه وسلم، ويصلي بالناس إمامًا، ويناظر الأئمة.. لذلك لا ينحصر

إنتاجه في كتبه ومصنفاته، بل يشمل طلابه وتلامذته وأتباعه ومواقفه..



ومن أشهر تلامذته: القاضي أبو بكر بن كامل؛ أجلَّ أصحاب الطبري، وكان

يتفقَّه على مذهب أبي جعفر الطبري ، وكتب عدَّة كتب على مذهبه، وهارون

بن عبد العزيز (أهم رواة كتب الطبري)، وابن بشار الأحول

(أستاذ ابن سريج) ..



ومن تلامذته في الفقه:

أبو الفرج المعافي (المعروف بابن الطرَّار) وقد شرح كتاب "الخفيف"

للطبري ، وعلي بن عبد العزيز الدولابي، وأبو بكر بن أبي الثلج الكاتب،

وأبو القاسم بن العرَّاد، وأبو محمد بن جعفر الفرغاني، وله كتاب "الذيل

على تاريخ الأمم للطبري" .



ومن تلامذته في الحديث:

قاضي الكوفة أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة البغدادي، وسليمان اللخمي

الشامي، وأبو شعيب الحراني، ومحمد بن أحمد بن سنان، والفقيه المحدّث

محمد بن شعيب النيسابوري، ومخلَّد بن جعفر الباقرحي، والقاضي

أبو بكر الماينجي .



إسهامات الطبري العلمية

كان الطبري ذكيًّا نابغة، سريع الحفظ، ذا قدرةٍ هائلة على التعلُّم؛ فقد حدَّث

عن نفسه؛ فقال: "جاءني يومًا رجلٌ فسألني عن شيء في علم العروض،

ولم أكن نشطتُ له قبل ذلك؛ فقلت له: إذا كان غدًا فتعال إلي"، وطلب سِفْرَ

العروض للخليل بن أحمد، فجاءوا له به فاستوعبه وأحاط بقواعده وكلياته

في ليلة واحدة، يقول: "فأمسيت غير عروضي، وأصبحت عروضيًّا" .



ولم يقتصر الطبري على فن أو علم واحد، بل جمع مختلف العلوم الشرعية

واللغوية وغيرها، وكان إمامًا فيها؛ فكان إمامًا في السنة وعلوم الحديث،

وعدَّه النووي من طبقة الترمذي والنسائي، وسمع الحديث من كثيرين،

بعضهم من شيوخ البخاري ومسلم.



وكان الطبري –كذلك- إمامًا في القراءات وعلوم القرآن، صنَّف فيها، وتعمَّق

في دارسة التفسير، وصنَّف تفسيره، وضمَّنه علوم القرآن، حتى اعتُبِرَ

إمامَ المفسرين وشيخهم.



وكان إمامًا في الفقه، وعلم الخلاف، والفقه المقارن، واختلاف العلماء،

وكان من الأئمَّة المجتهدين، وصاحب مذهب مستقل، وتبعه بعض الناس

على مذهبه، وصنف كتبًا في الفقه العام، والفقه المقارن، والفقه المذهبي.



ويُعَدُّ إمامًا في علم التاريخ، وهو شيخ المؤرخين، وله فيه كتب عظيمة.

كما كان مبرَّزًا في علوم العربية؛ من المعاني واللغة والنحو والصرف

والعروض والبيان، وكان عالمًا بالفلسفة والمنطق والجدل، وكان عنده شيء

من الطب والجبر والرياضيات، وله نظم وشعر. وكان عالمًا بأصول الدين

والتوحيد وعلم الكلام، وله كتب في ذلك. وكان عالمًا بالحديث، فهو حافظ

محدث، وصنف كتبًا في علم الحديث ومصطلحه، والتزم بمنهج المحدِّثين

في معظم كتبه. وكان عالمًا بأصول الفقه وقواعد الاجتهاد والاستنباط،

وصنَّف فيه وعمل به. وكان عالمًا بآداب النفس وعلم الأخلاق والتربية،

وصنف فيها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق