الاثنين، 7 يونيو 2021

موسوعة المؤرخين (46)

 

موسوعة المؤرخين (46)



محمد بن إسحاق النديم (الجزء الثاني)
شيوخ النديم وتلاميذه

روى النديم عن أبي سعيد السيرافي (ت 368هـ)، وأبي الفرج الأصفهاني
(ت 356هـ) صاحب "الأغاني"، وأبي عبد الله المرزباني (ت 384هـ)،
وروى بالإجازة عن إسماعيل الصفَّار، وأخذ عن الحسن بن سوار بن الخمار
البغدادي، ويونس القس، وأبي الحسن يوسف بن الناقط، وكلُّ هؤلاء ذكرهم
وروى عنهم في ثنايا كتابه.

أمَّا تلاميذه فلم يذكر أحدٌ ممَّن ترجم له أنَّ أحدًا روى عنه، بل نقل ابن حجر
في ترجمته للنديم عن ابن النجَّار قوله: "لا أعلم لأحدٍ عنه رواية".

مصنفات النديم
إنَّ الذي جعلني أذكر عنوانًا كهذا مع أنَّه لم يُذكر للنديم سوى كتابين، أحدهما
وصلنا وهو "الفهرست" والآخر لم يصلنا وهو "التشبيهات"؛ أنَّ الذهبي
نعته أنَّه "صاحب التصانيف". وقال الصفدي: "وله تصانيف". ونحو ذلك
قال ابن الغزي. وذكر له ابن الغزي كتابًا ثالثًا وهو "أخبار الأدباء"،
والأرجح أنَّه خطأ وقع فيه ابن الغزي في نقله عن الذهبي أو الصفدي؛
إذ قال الذهبي: "صاحب التصانيف فمن كتبه كتاب "الفهرست" وكتاب
"التشبيهات"، و"الفهرست" هو في أخبار الأدباء"، وقال الصفدي: "وله
تصانيفٌ، منها "الفهرست" في أخبار الأدباء، و"التشبيهات""، أمَّا عبارة
ابن الغزي فكانت: "له مصنَّفات، منها: الفهرست، وكتاب التشبيهات،
وأخبار الأدباء"، وواضحٌ أنَّه تصحَّف عليه اللفظ الذي نقل منه –
وهو في الغالب لفظ الصفدي- ثم تصرَّف فيه، فقدَّم وأخَّر.

أمَّا "التشبيهات" فقد ذكره النديم نفسه في "الفهرست"؛ قال:
"قد استقصيت هذا المعنى وغيره ممَّا يُجانسه، في مقالة الكتابة وأدواتها
من الكتاب الذي ألفته في الأوصاف والتشبيهات"، وواضحٌ أنَّ هذا ليس
الاسم العلم على الكتاب؛ إذ لم يذكر باسمه صراحة، وإنَّما قال: "من الكتاب
الذي ألفته في الأوصاف والتشبيهات"، وواضحٌ -أيضًا- أنَّ هذا الكتاب
في مهنة الوراقة والكتابة.

أقول: ولعلَّ للنديم كتبًا أخرى لم يكن هناك داعٍ ليذكرها في "الفهرست"
فلم يُسمع بها، وطوتها يد النسيان كما طوت كثيرًا من أخباره.

وفاة النديم
وأمَّا وفاته فاختلف فيها: فقيل: سنة 380هـ، وقيل: سنة 385هـ،
وقيل: بعد سنة 390هـ، وقيل: سنة 438هـ.

وهذا الأخير خطأٌ وقع فيه الزركلي بسبب تحريفٍ في نسخةٍ مطبوعة رجع
هو إليها من "لسان الميزان" لابن حجر، فيها نقلٌ عن أبي طاهر الكرخي أنَّ
النديم تُوفِّي "سنة ثمانين وثلاث مئة"، فتحرفت هذه العبارة في المطبوعة
إلى "ثمان وثلاثين"، فقال الزركلي: "وقال أبو طاهر الكرخي: مات
في شعبان سنة ثمان وثلاثين (يعني: وأربع مائة)". والذي جعل الزركلي
يظنُّ أنَّ هذا هو الصواب ما نقله عن ابن حجر -أيضًا- من أنَّه رأى في كتاب
"الفهرست" موضعًا ذُكِر فيه أنَّه كتبه في سنة 412هـ، ولعلَّ هذا الموضع
من المواضع التي تركها النديم فارغةً وأتى بعده من سدَّ النقص فيها، مسجِّلًا
فيها ذلك التاريخ.

أمَّا الراجح في تأريخ وفاة النديم فهو (380هـ=990م)، وهو ما نصَّ عليه
المقريزي بخطِّه في نسخة "الفهرست" المخطوطة كما ذكر ذلك المحقِّق
رضا تجدد في طبعته للكتاب، وكذلك نصَّ على هذا التاريخ: الصفدي
في "الوافي بالوفيات"، وقد جَانَبَ الصواب رضا تجدد عندما نسب
هذا القول للذهبي.

والحقُّ أنَّ الإمام الذهبي رحمه الله لم يعرف تاريخ وفاة النديم، وقد ذكر
ترجمته في "تاريخ الإسلام" فيمن لم تُعرف له وفاة على رأس الأربعين،
وقال: "ولا أعلم متى تُوفِّي، وإنَّما كتبته هنا على التوهُّم". ونقل عنه ذلك
ابن حجر في "لسان الميزان"، ونقل ابن حجر قبل ذلك قول أبي طاهر
الكرخي بأنَّ النديم تُوفِّي سنة 380هـ.

والذي أوقع الخلط في تاريخ وفاة النديم تلكم المواضع التي تركها النديم
فارغة في كتابه، ثم جاء بعده من أكملها وكتب فيها بعض التراجم
والمعلومات، التي ترجع إلى تواريخ متأخِّرة عن سنة تأليف "الفهرست"
التي نصَّ عليها النديم نفسه، وهي سنة 377هـ.

أمَّا الفرق الذي وقع بين تأريخ وفاته بـ 380 أو 385هـ،
فهو تصحيفٌ للصفر الذي رسم نقطة كبيرة فظُنَّت الرقم (5).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق