الأربعاء، 23 سبتمبر 2020

( صفر بين الغلو والجفا ) 2

( صفر بين الغلو والجفا ) 2

ويظهر بطلان هذه الاعتقادات في هذه المسألة من عدة أمور :

1--تحريم التشاؤم بالزمن والشهور ،إذ هي خلق الله تعالى وليس لها علاقة بالحواداث والتأثير

قال ابن رجب رحمه الله: " أما تخصيص الشؤم بزمان كشهر صفر أو غيره فغير صحيح ، وإنما الزمان الحين كله خلق الله تعالى ،
وفيه تقع أفعال بني آدم ، فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه ، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله
فهو مشؤوم عليه , وفي الجملة فلا شؤم إلا المعاصي والذنوب فإنها تسخط الله عز وجل فإذا سخط على عبده شقى في الدنيا والآخرة ،
كما أنه إذا رضى عن عبده سعد في الدنيا والآخرة " انتهى كلامه

قال بعض الصالحين وقد شكى إليه بلاء وقع في الناس قال :" ما أرى ما أنتم فيه إلا بشوم الذنوب والله أعلم وأحكم"انتهى كلامه

وقال رحمه الله:" والبحث عن أسباب الشر من النظر في النجوم ونحوها من الطيرة المنهي عنها والباحثون عن ذلك
غالبا لا يشتغلون بما يدفع البلاء من الطاعات بل يأمرون بلزوم المنزل وترك الحركة وهذا لا يمنع نفوذ القضاء والقدر".

ومنهم من يشتغل بالمعاصي وهذا مما يقوي وقوع البلاء ونفوذه.

والذي جاءت به الشريعة هو ترك البحث عن ذلك والإعراض عنه والإشتغال بما يدفع البلاء من الدعاء والذكر والصدقة
وتحقيق التوكل على الله عز وجل والإيمان بقضائه وقدره."

قال الطاهر بن عاشور ـ رحمه الله ـ

"و من الضلالات التي اعتقدها العرب اعتقاد أنَّ شهر صفر شهر مشؤوم، وأصل هذا الاعتقاد نشأ من استخراج معنى
مما يقارن هذا الشهر من الأحوال في الغالب عندهم و هو ما يكثر فيه من الرزايا بالقتال و القتل، ذلك أنَّ شهر صفر
يقع بعد ثلاثة أشهر حرماً نسقاً و هي ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم، و كان العرب يتجنَّبون القتال و القتل في الأشهر الحرم؛ لأنها أشهر أمن، قال الله ـ تعالى ـ:
" جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس و الشهر الحرام"الآية. فكانوا يقضون الأشهر الحرم على إحن من تطلب الثارات و الغزوات،
و تشتت حاجتهم في تلك الأشهر،
فإذا جاء صفر بادر كل من في نفسه حنق على عدوه فثاوره،
فيكثر القتل و القتال، و لذلك قيل: إنَّه سمي صفراً؛ لأنهَّم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوه صفراً من المتاع و المال، أي خلواً منها"

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله- في القول المفيد في شرح كتاب التوحيد:

"وقوله: "و لا صفر" فيه ثلاثة أقوال سبقت وبيان الراجح منها.

و الأزمنة لا دخل لهافي التأثير، و في تقدير الله ـ عزوجل ـ؛ فصفر كغيره من الأزمنة يقدَّر فيه الخير و الشر،
و بعض الناس إذا انتهى من شيء في صفر أرَّخ ذلك، و قال: انتهى في صفر الخير، و هذا من باب مداواة البدعة ببدعة،
و الجهل بالجهل؛ فهو ليس شهر خير، و لا شهر شر"انتهى كلامه

قال الشيخ بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية-رحمه الله-

"للعرب مواسم في الشهور و الأيام في بعضها التشاؤم،وفي بعضها التيامن و التفاؤل بها منها:

شهر صفر وكان لهم فيه نوع تشاؤم، فكان يلقَّب بشهر صفر الخير؛ منابذةً للجاهلية في اعتقادها.
فكان يتسمَّح في هذا الفظ لمنابذة الاعتقاد و التشاؤم و الإسلام محى هذه، و ثبَّت الاعتقاد و الإيمان، ومحى معالم التعلُّق بغيره "

2- اعتقاد مشركي العرب هذا أدى إلى نشوب الخلافات والقتال بينهم لأخذ الثأر حتى إن هذا الطائر لا يزال يصيح ويرفرف حتى يؤخذ بثأره ،
وهذا مما يهدف إليه الشيطان من ازهاق الأرواح وسفك الدماء ، وقد يشكل بصورة الميت يؤزهم حتى يقتصوا من القاتل !!

3- التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم ...محرم مناف لكمال التوحيد لما يترتب عليه من فساد الإعتقاد وضعف التوكل والخوف من غير الله.

قال عليه الصلاة والسلام ((طيرة شرك ، طيرة شرك))

وقال صلى الله عليه وسلم : (( من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك )) ، قالوا : فما كفارة ذلك ؟ قال :
(( أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك ، ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك ))



4- تلبيس الشيطان على المشركين بأمر الروح لأنها من عالم الغيب ولا يمكن إدراك كنهها،
ولهذا اتخذ من ارواح الموتى وسيلة للإضلال والشرك..!

وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله- في معرض حديثه عن أحوال الكفره والمشركين والسحرة - فقال :
(( ومن هؤلاء من اذا مات لهم ميت يعتقدون انه يجئ بعد الموت يكلمهم ويقضي ديونه ويرد ودائعه ويوصيهم
بوصايا فإنهم تأتيهم تلك الصورة التي كانت في الحياة ،
وهو شيطان تمثل في صورته فيظنونه إياه ))



وقال -رحمه الله- (( ومن هؤلاء من يتصور له الشيطان ، ويقول له : أنا الخضر وربما أخبره ببعض الأمور ،
وأعانه على بعض مطالبه ، وكما قد جرى ذلك لغير واحد من المسلمين واليهود والنصارى وكثير من الكفار ..
يموت لهم الميت فيأتي الشيطان بعد موته على صورته ..
ويفعل أشياء تتعلق بالميت ، ويدخل على زوجته ، ويذهب ، وربما يكونون قد أحرقوا ميتهم بالنار كما تصنع
كفار الهند فيظنون أنه عاش بعد موته" أ.ه


ولذلك أبطله الشرع وهو يدل على ضعف التوحيد ، وقد يقع به العبد في الشرك الاكبر حسب اعتقاده.

والشرع يسعى دائما لتخليص العقيدة وتنقيتها من شوائب الشرك والجاهلية والبدع.. ..ولذا يجب تحقيق التوحيد .

و لا يكون العبد محققاً للتوحيد حتى يسلم توحيده من شوائب الشرك بنوعية وشوائب البدع والمعاصي .

وهنيئا لمن حقق في إيمانه درجة المقربين السابقين فحقق كمال تعلق الروح بالله تعالى محبة وخوفاً
وإنابة وتوكلاً وإخلاصاً وإجلالاً وهيبة و تعظيما وعبادة .. فلا يكون في قلبه الا التوحيد فعلا وأمرا ونهيا ..!!

وهذه حقيقة لا اله الا الله جعلنا الله جميعا من أهلها وممن حقق التوحيد ودخل الجنة بغير حساب.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق