الأربعاء، 31 مارس 2021

موسوعة المؤرخين (14)

 موسوعة المؤرخين (14)


خليفة بن خياط (الجزء الأول)
أبو عمرو خليفة بن خياط العصفري البصري، محدِّث ومؤرِّخ ونسَّابة، ثقة
مأمون، ويُعدُّ كتابه تاريخ خليفة بن خيَّاط من أوثق الكتب وأهمِّها؛ حيث
لا يستُغنى عنه في دراسة النظام الإداري والمالي الإسلامي، كما أنَّ طبقات
خليفة بن خياط من أقدم ما وصل إلينا من كتب الطبقات ومن أهمِّها
على الإطلاق.

نسبه ومولده
هو الإمام، الحافظ، العلَّامة، الأخباري، أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة
الشيباني الليثي العصفري البصري، ويُعرف بشَبَاب، الفقيه، المحدث،
الأديب، المؤرخ، النسَّابة، وُلِدَ خليفة في البصرة في حدود سنة
(160هـ=777م)، وبها تلقَّى ثقافته، ومارس التدريس.

قال ابن خلكان: "والعُصْفُري -بضم العين وسكون الصاد المهملتين وضم
الفاء وبعدها راء- هذه النسبة إلى العصفر الذي يُصبغ به الثياب حمرًا،
وشَبَاب -بفتح الشين المثلَّثة والباء الموحَّدة وبعد الألف باء ثانية-
وقد اختلفوا في تلقيبه بذلك لأيِّ معنًى هو" ا.هـ.

نشأته العلمية
وإنَّه لمن الصعب -إن لم يكن من المتعذَّر- رسم صورةٍ واضحة المعالم لحياة
هذا المؤرِّخ الكبير؛ وذلك أنَّ المصادر التي بين أيدينا لم تُسعفنا بما يُعين
على توضيح هذه الصورة، وما جاء عنه فيها لا يعدو ذكر نسبه، وسنة
وفاته، وتعداد شيوخه وتلامذته.

ويظهر أنَّ خليفة لم يرحل في الطلب، أو لم يكن واسع الرحلة على أقلِّ تقدير؛
بل اقتصر في تلقِّي العلم على بلده البصرة، حتى إنَّه -فيما يبدو- لم يدخل
بغداد قط، ومِنْ ثَمَّ لم يذكره الخطيب البغدادي في تاريخه.

وخليفة بن خياط سليل أسرةٍ اشتهر أبناؤها بالعلم، وأنجبت عددًا من العلماء
الأفاضل، الذين عرفوا في ميادين مختلفة؛ فالجدُّ والأب والحفيد علماءُ
محدثون، وبرزوا في علوم عدَّة؛ فجده الذي يحمل اسمه كان من رجال
الحديث الثقات عند البخاري وابن أبي حاتم الرازي.

تلقَّى خليفة العلم من شيوخ عصره، فأخذ عنهم علوم القرآن، والحديث،
والأنساب، والأخبار، واللغة، وغير ذلك، فصنَّف في هذه العلوم، كما اهتمَّ
بعلم قراءة القرآن الكريم؛ فقد أخذ خليفة العلم عن عددٍ من الشيوخ
في طليعتهم يزيد بن زريع الذي كان خليفة ألصق طلابه به، ويزيد هذا
من ثقات أهل البصرة مع ميولٍ عثمانيةٍ كما وصفه ابن سعد في طبقاته، ومَنْ
يستعرض تاريخ خليفة يلحظ أنَّ معظم الذين نقل خليفة عنهم كانوا من رجال
البصرة، ممَّا يُؤكِّد -كما تقدَّم- أنَّه لم يرحل؛ بل قضى حياته في البصرة.

تلامذته
وتتلمذ على يده الكثير ممَّن رووا عنه، وأصبح بعضهم من كبار الشيوخ
المحدِّثين منهم : الإمام محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه، وأبو يعلى
الموصلي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والدارمي في سننه، وآخرون. وأمَّا
الروايات التاريخيَّة فقد ورد فيها أسماء عددٍ من الأعلام المشهورين الذين
اعتمد خليفة عليهم في رواياته ومعلوماته، بلغ عددهم أكثر من 103 رواة.

منزلة خليفة وذكر من ترجم له
كان خليفة بن خياط ثقةً لدى معظم أئمَّة الحديث، غير أنَّ ابن أبي حاتم وعلي
بن المديني غمزاه بعض الغمز؛ فقد جاء عند الأول في كتاب الجرح
والتعديل: "وسألت أبي عنه فقال: لا أُحدِّث عنه هو غير قوي, كتبت من
مسنده أحاديث ثلاثة عن أبي الوليد, فأتيت أبا الوليد وسألته عنها فأنكرها،
وقال: ما هذه من حديثي. فقلت: كتبتها من كتاب العصفري، فعرفه، وسكن
غضبه. قال أبو محمد: انتهى أبو زرعة إلى أحاديثَ كان أخرجها في فوائده
عن شباب العصفري، فلم يقرأها علينا، فضربنا عليها وتركنا الرواية عنه".

وابن أبي حاتم وأبوه من المتشدِّدين في الجرح, وليس فيما حكياه ما يدلُّ
دلالةً قاطعةً على ضعف خليفة؛ ذلك أن أبا الوليد الطيالسي أنكر الأحاديث
في البداية -وقد يكون سبب ذلك أنَّه وجد في رجال الأحاديث من يُنكر أمره-
ثم سكت وسكن غضبه عندما علم أنَّ الرواية عند خليفة، وهذا يعني أنَّ
خليفة كان صادقًا في روايته، أمَّا ابن المديني فقد رُوي عنه أنَّه قال:
"لو لم يحدث شباب كان خيرًا له". وهذه الرواية جاءت في كامل ابن عدي،
قال: "حدثنا محمد بن جعفر بن يزيد الطبري ثنا محمد بن يونس بن موسى:
سمعت علي بن المديني يقول: لو لم يحدث شباب كان خيرًا له. وكان الفضل
بن الحباب يذكر أنَّه كان عند أبي الوليد الطيالسي، فجاءه شباب العصفري
برسالة عليِّ بن المديني أن لا يحدث يحيى بن معين, فغضب أبو الوليد وقال:
لم لا أحدثه؟ قال ابن عدي: ولا أدري هذه الحكاية عن علي بن المديني
"لو لم يحدث شباب كان خيرًا له". قال ابن عدي: إنَّما يروي عن علي
بن المديني الكديمي، والكديمي لا شيء، وشباب من متيقِّظي رواة الحديث،
وله حديثٌ كثير، وتاريخٌ حسن، وكتابٌ في طبقات الرجال.

وكيف يُؤمن بهذه الحكاية عن عليٍّ فيه، وهو من أصحاب علي؟ أَلَا ترى أنَّه
حمله الرسالة إلى أبي الوليد في ابن معين, سيَّما إذا كان الراوي عن علي
محمد بن يونس وهو الكديمي, فدلَّ هذا على أنَّ الحكاية عن عليٍّ باطلة،
ولخليفة من الحديث الكثير ما يستغني أن أذكر شيئًا من حديثه،
وهو مستقيم الحديث صدوق.

وخليفةٌ ثقةٌ عند البخاري وترجمه في تاريخه الكبير، كما ترجم له الذهبي
ووثَّقه في معظم كتبه: في تذكرة الحفاظ, والميزان, وسير أعلام النبلاء,
وهي أوسع ترجمةٍ له، قال: "خليفة بن خياط بن خليفة بن خياط الإمام
الحافظ العلامة الأخباري أبو عمرو العصفري البصري, ويُلقَّب بشباب،
صاحب التاريخ وكتاب الطبقات وغير ذلك، سمع أباه، ويزيد بن زريع،
وزياد بن عبد الله البكائي، وسفيان بن عيينة، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى،
ومحمد بن جعفر غندر، وإسماعيل بن علية، ومحمد بن أبي عدي، ومعمر
بن سليمان، ومحمد بن سواء, وخالد بن الحارث، ويحيى القطان،
وابن المهدي، وأمية بن خالد، وحاتم بن مسلم، وهشامًا الكلبي،
وعلي بن محمد المدائني, وخلقًا كثيرًا، ذكر شيخنا في تهذيب الكمال أنَّه
روى عن حماد بن سلمة, فهذا وهمٌ بيِّن؛ فإنَّ الرجل لم يلحق -أيضًا-
السماع من حماد بن زيد ولا أراه رآه.

حدَّث عنه البخاري بسبعة أحاديث أو أزيد في صحيحه، وبقي بن مخلد،
وحرب الكرماني، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وأبو بكر بن أبي عاصم،
وعمر بن أحمد الأهوازي، وموسى بن زكريا التستري، وعبدان الجواليقي،
وزكريا الساجي، وخلق. وكان صدوقًا نسَّابةً، عالمـًا بالسير والأيام والرجال,
وثَّقه بعضهم. وقال ابن عدي: هو صدوقٌ من متيقِّظي الرواة
قلت (الذهبي): ليَّنه بعضهم بلا حجَّة".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق