العاقل من يحفظ جانب الله عزوجل ، و إن غضب الخلق . و كل من يحفظ جانب المخلوقين ، و يضيع حق الخالق ،
يقلب الله قلب الذي قصد أن يرضيه فيسخطه عليه . قال المأمون لبعض أصحابه :
[ لا تعص الله بطاعتي فيسلطني عليك ] .
و لما بلغ طاهر بن الحسين فيما فعل بالأمين و فتك به ،
وصلب رأسه و إن كان ذلك عن إرادة المأمون ،
و لكن بقى أثر في قلبه ، فكان المأمون لا يقدر أن يراه . و لقد دخل عليه يوماً فبكى المأمون ،فقال له طاهر :
لم تبكي لا أبكى الله عينك ، فلقد دانت لك البلاد ؟ فقال : أبكي لأمر ذكره ذل ، و سره حزن ، و لن يخلو أحد من شجن . فلما خرج طاهر أنفذإلى حسين الخادم مائتي ألف درهم ،
و سأله أن يسأل المأمون لم بكى ؟ فلما تغذى المأمون قال : يا حسين إسقني. قال لا و الله لا أسقيك حتى تقول لم بكيت حي ندخل عليك طاهر ؟ قال : يا حسين و كيف عنيت بهذا حتى سألت عنه ؟ قال : لغمي بذلك . قال : يا حسين أمر إن خرج من رأسك قتلك . قال : يا سيدي و متى أخرجت لك سراً ؟ قال : إني ذكرت أخي محمداً و ما ناله من الذلة ، فخنقني العبرة ،
فاسترحت إلى إفاضتها و لن يفوت طاهراً مني ما يكره . فأخبر حسين طاهراً بذلك ، فركب طاهر إلى أحمد بن أبي خالد . فقال له إن المعروف عندي ليس بضائع ، فغيبني عن عينه . قال : سأفعل .
فدخل على المأمون فقال : ما بت البارحة . قال : و لم ؟
قال : لأنك وليت غسان بن عباد خراسان .
و هو و من معه أكلةرأس ، فأخاف أن يخرج خارج من الترك فيصطلمه. قال : فمن ترى ؟ قال : طاهر بن الحسين . فعقد له فمضى ،
فبقي مدة ثم قطع الدعاء للمأمون على المنبر يوم الجمعة . فقال له صاحب البريد : ما دعوت لأمير المؤمنين . قال : سهو فلا تكتب . ففعل ذلك في الجمعة الثانية و الثالثة . فقال له :
لا بد أن أكتب لئلا يكتب التجار و يسبقوني . قال : أكتب . فكتب . فدعا المأمون أحمد بن أبي خالد وقال : إنه لم يذهب على إحتيالك في أمر طاهر ،
و أنا أعطي الله عهداً إن لم تشخص حتى توافيني به كما أخرجته من قبضتي لتذمن عقباك . فشخص و جعل يتلوم في الطريق ويعتل بالمرض ، فوصل إلى الري و قد بلغته وفاة طاهر . قلت : و لما خرج الراشدمن بغداد و أرادوا تولية المقتفى ،
شهد جماعة من الشهود بأن الراشد لا يصلح للخلافة، فنزعوه ، و ولى المقتفي . فبلغني أنه ذكر للمقتفي بعض الشهود فذمه ، و قال : كان فيمن أعان على أبي جعفر . و على ضد هذا ، كل من يراعي جانب الحق والصواب ، يرضى عنه من سخط عليه . و لقد حدثني الوزير ابن هبيرة أن المستنجد بالله كتب إليه كتاباً و هو يومئذ ولي عهد ،
و أراد أن يستره من أبيه قال فقلت للواصل به : و الله ما يمكنني أقرؤه و لا أجيب عنه . فلما ولي الخلافة دخلت عليه فقلت : أكبر دليل على صدقي
و إخلاصي أني ما حابيتك في أبيك . فقال : صدقت أنت الوزير . و حدثني بعض الأصدقاء أن قوماً ألحقوا إلى المخزن بعض دين لهم ليستخلص ،
فقال المسترشد لصاحب المخزن : خلصه لهم ، و خذ ما ضمنوا لنا . فأحضر ابن الرطبي و عرض الأمر عليه ، فقال : هذا أمر بظلم ، و ما أحكم فيه . فقال : إن السلطان قد تقدم ، قال : ما أفعل . فأحضر قاضياً آخر ، فبت الحكم ، فأخبر الخليفة بالحال . فقال : أما ابن الرطبي فيشكر على ما قال . وأما الآخر فيعزل
و ذلك لأنه بان له أن الحق ما قاله ابن الرطبى. و كذلك ماطلبه السلطان من أن يلقب ملك الملوك ، فاستفتى الفقهاء فأجازوا ذلك ،
و امتنع من إجازته الماوردي، فعظم قدره عند السلطان . و مثل هذا ـ إذا تتبع ـ كثير. فينبغي أن يحسن القصد لطاعة الخالق ، و إن سخط المخلوق ، فإنه يعود صاغراً . و لا يسخط الخالق ، فيفوت الحظان جميعاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق